الروس يتحركون من أجل البحر الأسود

الروس يتحركون من أجل البحر الأسود

27 ديسمبر 2018
في سوتشي (ميخائيل زفيتلوف/ Getty)
+ الخط -

ليس البحر الأسود مسؤولية روسية فقط، فالبحر شبه المغلق تقع عليه ستّ دول، هي روسيا وأوكرانيا ورومانيا وبلغاريا وجورجيا وتركيا، لكنّ منظمات بيئية روسية تحذر من تلوث مياهه وتسلط الضوء على القضية.

تحوُّل مدينة سوتشي الروسية، إلى منتجع سياحي عالمي، واستضافتها أحداثاً رياضية كبرى منها الألعاب الأولمبية الشتوية عام 2014 وبعض مباريات بطولة العالم لكرة القدم في الصيف الماضي، لم يمرّ من دون أن يؤثر سلباً على الأوضاع البيئية في البحر الأسود، ما دفع المعنيين بالدفاع عن قضايا البيئة إلى التحذير وطرح مبادرات لإنقاذ الكائنات البحرية النادرة من الانقراض.

رصد خبراء بيئة من الاتحاد الأوروبي في عام 2018، نحو 150 مادة ملوِّثة في مياه البحر الأسود، بما فيها مبيدات وبلاستيك وأدوية وحتى أملاح معادن ثقيلة. وفي هذا الإطار، يرجع الخبير في منظمة "غرينبيس روسيا" المعنيّة بحماية البيئة، ميخائيل كريندلين، تردي الأوضاع البيئية بالبحر الأسود إلى عاملين رئيسين، وهما التوسع العشوائي للمناطق السياحية وزيادة حركة مرور ناقلات النفط. يقول كريندلين لـ"العربي الجديد": "تتزايد المنشآت السياحية عشوائياً من دون الرقابة عليها، وكثير منها غير مجهز بمحطات معالجة مياه الصرف الصحي، فتذهب المجاري إلى البحر مباشرة". وحول تأثير حركة ناقلات النفط، يضيف: "هناك تزايد لحركة ناقلات النفط في البحر الأسود، مما أدى إلى تجاوز نسبة النفط في المياه، المستويات المسموح بها بمقدار ثلاثة أو أربعة أضعاف، وفق تقديرات العلماء".

تمهيداً للألعاب الأولمبية التي استضافتها سوتشي عام 2014، شهد هذا المنتجع أعمال بناء واسعة شملت إنشاء مجموعة كبيرة من أحدث الملاعب والحلبات لمختلف أنواع الرياضة الشتوية، بالإضافة إلى عدد هائل من الفنادق والمطاعم وغيرها من المنشآت السياحية. وبالرغم من أنّ جزءاً هاماً من هذه الأعمال تركز في منطقة "روزا خوتور" الجبلية، فإنّ كريندلين يشير إلى أنّها أثرت على بيئة البحر الأسود سلباً أيضاً، موضحاً: "أثناء أعمال الإنشاء في المنطقة الجبلية، كان يجري إلقاء المخلفات في نهر مزيمتا الذي يصب بدوره في البحر الأسود".




ومع الزيادة المستمرة في حركة السياحة الداخلية الروسية، استقبل إقليم كراسنودار حيث تقع سوتشي، وشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014، نحو 22 مليون سائح هذا العام، مما ترك الحياة البحرية بلا حماية تقريباً في موسم الصيف، وفق مؤسس مجموعة "مساعدة دلافين البحر الأسود" على شبكة "فكونتاكتي" الروسية للتواصل الاجتماعي، فلاديمير لاتكا، في حديثه لـ"العربي الجديد". وتقدم صفحة المجموعة البالغ عدد المشاركين فيها نحو 2400 مستخدم، صوراً ومعلومات طريفة عن الدلافين التي تعد من رموز البحر الأسود، بالإضافة إلى إظهار تعسف البشر في التعامل مع الطبيعة والبيئة المحيطة بهم حول العالم.

ويقول لاتكا الذي أسس مجموعته بهدف لفت الأنظار إلى المشكلات البيئية في البحر الأسود عبر قضية الدلافين: "السبب الرئيس لتراجع أعداد الأنواع النادرة من الدلافين، هو صيد الأسماك الذي أحدث خللاً في منظومة السلاسل الغذائية وسط غياب تنظيم لهذا النشاط، فالكلّ يصطاد كما يشاء. أما السياحة، فجعلت الدلافين بلا حماية في موسم الصيف، ولم تعد هناك مناطق محمية تقريباً".

وفي غياب إحصاءات دقيقة، يشير لاتكا إلى أنّ عدد الدلافين في البحر الأسود مرتفع نسبيا حالياً، لكنّ ذلك لا يلغي استمرار الانقراض السريع للأنواع النادرة منه مثل "خنزير البحر الأسود". وفي ما يتعلق بالمشاكل البيئية الرئيسة الأخرى في البحر الأسود، يضرب مثلاً عليها: "هناك تلوث كبير بسبب المخلفات الآتية من الأنهار. في السابق، كانت هناك أيضاً مشكلة التلوث الكيميائي بسبب الأسمدة المتسربة من ضفاف الأنهار، لكنّها تراجعت بعد ارتفاع أسعار الأسمدة، فبات استخدامها أقل".

وتتميز مياه البحر الأسود ببيئة فريدة من نوعها، فنسبة الأملاح فيها هي الأقل من بين جميع بحار العالم، كما كان البحر قبل 8 آلاف عام فقط، بحيرة بلا مخرج إلى المحيط العالمي، وتبلغ مساحته نحو 440 ألف كيلومتر مربع فقط. ولما كان البحر الأسود محاطاً بالجبال التي تحميه من الرياح، فإنّه يتميز بمياه هادئة بلا أمواج قوية، مما يزيد من شعبيته بين السياح المستجمين برفقة أبنائهم الصغار، عدم وجود أي كائنات بحرية فيه قد تشكل خطراً على حياة الإنسان.




تجدر الإشارة إلى أنّ ستّ دول تطلّ على البحر الأسود، وهي روسيا وأوكرانيا ورومانيا وبلغاريا وتركيا وجورجيا، وتجذب سائحين إليها بفضل شواطئه الساحرة. ويضم البحر مئات الأنواع من العوالق وآلاف الأنواع من الطحالب، ونحو 200 نوع من الأسماك، ونحو 2100 نوع من اللافقاريات، وأربعة أنواع من الثدييات المائية.