صيّادات غزّة

صيّادات غزّة

03 اغسطس 2015
تدخل بحر غزّة لتؤمّن رزق عائلتها (محمد الحجار)
+ الخط -

في بحر غزة، لا تنتهي المعاناة وتطول رحلة البحث عن لقمة العيش في المساحة الضيقة التي يسمح الاحتلال بالصيد فيها. وفي خطوة لدحض النظرة المجتمعية النمطيّة التي توجّه إلى الشابات، قرّرت عديدات مشاركة آبائهن في حملهم.

من مخيّم الشاطئ في مدينة غزة، تبدأ رحلة الشابات اليومية مع بزوغ الشمس، فيتوجهن إلى البحر ليجدلن شباك الصيد ويتحضّرن لعملية الصيد. من ثم، يركبن القوارب على أمل العودة بزرق وفير.

مادلين كلّاب ولقبها "ابنة البحر"، كانت أولى الشابات اللواتي نزلن البحر بعد مرض والدها وعجزه عن متابعة عمله. هي بدأت رحلتها في عالم الصيد عندما كانت لا تزال في السادسة عشرة، أي قبل خمسة أعوام. تقول: "عشقت البحر منذ طفولتي، عندما كان والدي يصطحبنا، إخوتي وأنا، معه في رحلات صيده. وعندما مرض، اتخذت القرار بإكمال عمله. وقد وقف إلى جانبي عدد كبير من الصيادين أصدقاء والدي القدامى".

وكان محمد كلّاب (52 عاماً) والد مادلين قد ورث مهنته أباً عن جدّ، هو الذي تعود أصول عائلته إلى قرية حمامة الساحلية بالقرب من مدينة المجدل (شمال غرب طبرية في الجليل الشرقي). لكنه أصيب بشلل أقعده وأبعده عن الصيد قبل عشر سنوات. يقول: "علّمت ابنتي السباحة والصيد لتعتمد على نفسها. لم يؤيّدني عدد من الصيادين، لكنها عندما كبرت وأصبح لها شأن، أدركوا مدى قوة الفتاة وإرادتها".

اقرأ أيضاً: آمال شحادة.. أوّل امرأة غزيّة تعملُ في النجارة

منذ اللحظة الأولى لعملها في الصيد، اعتمدت مادلين على نفسها في غزل الشباك ودخول المياه، متّبعة تعليمات والدها. هي اليوم تشعر بالمرارة لأنها اضطرت إلى حمل عبء إعالة أسرتها، لكنها تصر مع ذلك على متابعة عملها الذي تحبّه. وتخبر: "تعلمت جميع طرق الصيد ومواقيت ظهور الأسماك وأنواعها على امتداد ثلاثة أميال، وأصبحت أعرف كل الأماكن التي تتجمع فيها الأسماك شأني شأن كل الصيادين". إلى ذلك، تصطحب مادلين معها اليوم أختها ريم وأخاها كايد الصغيرَين، لتعلمهما المهنة.

وإبحار مادلين دفع ببعض الشابات إلى تقبّل فكرة مساعدة آبائهن في عملية الصيد. سوزان أحمد (18 عاماً) من هؤلاء، وهي ترافق والدها إلى البحر منذ سنتَين. هي تعلمت معه الصيد بشكل محترف، وبدأت تشرف على عمليات صيد صغيرة.

تخبر أن "منذ الساعة الخامسة فجراً، يبدأ نهاري. أتوجّه إلى البحر من بيتي الكائن في مخيم الشاطئ، وأغزل بداية الشباك قبل أن أستعد للإبحار وقد تأكدت من سلامة المعدات. وكلما أبحر، آمل بالعودة بخمسة صناديق من الأسماك على أقل تقدير".

سوزان هي أكبر أولاد العائلة اليوم إلى جانب أخوين، يعاني أحدهما عمى ألوان في حين أن الآخر في الخامسة من عمره. هي تعاون والدها نظراً لحاجته الماسة إلى من يساعده بعدما استشهد ابنه في العدوان الأول على غزة (2008 - 2009). هو كان يبلغ حينها 15 عاماً. تقول: "في البداية كنت أخجل من مساعدة والدي في الصيد، عندما كنت أرى الرجال من حولي. لكن مع الأيام اعتدت ذلك، خصوصاً أن شابات أخريات التحقن بالمهنة. ونحن اليوم أشبه بعائلة".

قبل نحو تسعة أشهر، انضمت آية محمد إلى مادلين وسوزان. وآية لا تصطاد الأسماك فحسب، بل هي تعمد بعد اصطيادها إلى قليها وشيّها بالاتفاق مع أحد المطاعم على شاطئ بحر غزة. وهذا ما يزيد دخلها، بالمقارنة مع رفيقتيها.

تقضي آية (19 عاماً) في بعض الأيام نحو 16 ساعة متواصلة ما بين الصيد وإعداد أطباق السمك. تقول: "المبلغ الذي أعود به يومياً، يكاد لا يكفي مصروف البيت. والدي يملك قارباً بالاشتراك مع زميل له، فيتقاسمان الرزق. لكنني سعيدة بهذا العمل الذي أعدّه هواية لي". تجدر الإشارة إلى أن آية تركت تعليمها في الصف الثاني الثانوي، وهي تحلم في العودة إلى الدراسة في حال تحسنت ظروف عائلتها. هي ترغب التخصص في التمريض.

تسعٌ يدخلنَ البحر

مؤمن بكر (68 عاماً)، واحد من أقدم الصيادين في ميناء غزّة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط. يخبر أن عدد الشابات اللواتي يساعدن آباءهنّ في صيد الأسماك اليوم، يقارب التسع. يضيف بكر أن أعمار هؤلاء تراوح ما بين 15 و22 عاماً، لافتاً إلى أنهن يحظين بالمعاملة نفسها التي يعرفها كل صياد يدخل البحر، ويعانين شأنهنّ شأن الصيادين من الذكور.

اقرأ أيضاً: المرأة الغزيّة في الملاعب تكسر احتكار الرجل

المساهمون