ذنب ليس ذنبهم

ذنب ليس ذنبهم

06 مارس 2018
يعيشان الحياة رغم المأساة في غزة (مجدي فتحي/ Getty)
+ الخط -
لا بدّ من مذنب/ مذنبين عن كمّ المأساة في هذا العالم. تعدادهم أم تسميتهم أمام الملأ قد لا يكون مفيداً. فلان وفلان وفلان، وكل هذه الدول مجتمعة، والتاريخ القديم منه والحديث، والغرائز، والقوة، والسيطرة، والنفوذ، وغيرها. المعادلة بسيطة، مثلما يولد الإنسان يموت، سواء كان طفلاً أم شاباً أم مسناً. وإن كانت دقائق الموت أطول من الحزن، لا بد أن تنتهي، ويتعايش الحزين مع كلّ واقع جديد.

الاستسلام إلى سيرورةٍ أسهل من مناكفتها. والمذنبون، مهما كثرت ذنوبهم، بريئون منها. المسؤولون كثر، وستضيع المسؤولية بين مذنب وآخر إلى أن تتهاوى، وربّما تذوب. وحين يعي الناس حجم المأساة التي غرقوا فيها، سيفكرون فقط في سبل الخروج منها، ولو وصل بهم الأمر حدّ "النسيان".

المذنبون أعلاه مجرّد شخوص يصنعون تاريخاً وحقائق تُكشف بعد نسيان المأساة. لكنّ ثمّة "مذنبين" أو أشخاصاً يشعرون بذنب، من دون أن يكونوا قد ارتكبوا إثماً كأن يكونوا قد حملوا سلاحاً وقتلوا، أم حرموا الجوعى من الغذاء، أم داسوا أجساداً تعبة، أم...



هم أولئك الذين يشترون الملابس من حين إلى آخر، وإن لم يكونوا في حاجة إليها، ويتناولون غداء أو عشاء في مطاعم، ويستمعون إلى الموسيقى أثناء قيادة السيارة بمحاذاة أطفال قد يكونون من دون حذاء، ويضحكون، ويمارسون الرياضة صباحاً، ويحرصون على الحفاظ على جسد نحيف وجميل، ويشاهدون أفلام السينما، وآخرون... لأطفالهم يقولون إنهم مستعدون للتخلي عن اللقمة لأجلهم... لأطفالهم فقط. ولأجلهم يشترون الألعاب وينظّمون أعياد ميلاد مُترفة. كلّ الأموال تهون في سبيل سعادتهم.

لأطفالهم فقط. أطفال الطرقات قد يحصلون منهم على نقود معدنية، أو مياه نظيفة، أو بسكويت، أو فاكهة، أو ثياب. وليس في هذا القول إدانة. المشكلة في مكان آخر، في شعورهم بحجم "الهوة" بين طفلين، وعدم قدرتهم على إسعادهم جميعهم. ذنبهم، على ما يشعرون، أنهم يعيشون، بل إنهم راغبون ومستعدون للعيش. ذنبهم أنّهم لا يفكّرون في مجزرة وجثث طوال الوقت، بل ينسونها في سبيل حياةٍ بعيدة عن كمّ المأساة. وماذا في إمكانهم أن يفعلوا؟ هل يفعلون مثل بعض أمهات الأسرى، ويمتنعون عن تناول الأطعمة المفضّلة لأبنائهم؟
لكنّ الذنب ليس ذنبهم. وكأنّ للإنسانية حدوداً تقف عندها. هم خيّرون ولطفاء وبشر قبل كلّ شيء. يحاولون الإمساك بالحياة الساعية غالباً إلى التفلّت من أيّ قيد. وأوّل وأكثر ما يتمسّك به البشر هو حقّهم في العيش.

المساهمون