مقبرة طاسو في يافا مهدّدة بالمصادرة

مقبرة طاسو في يافا مهدّدة بالمصادرة

09 يناير 2018
وقف إسلامي لا يجوز المساس به (العربي الجديد)
+ الخط -
تعرضت الأوقاف الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1948 لسلسلة من الاعتداءات الصهيونية التي لم تستثنِ المقابر، إذ يحكمها قانون "أملاك الغائبين" الصهيوني الذي يهدد مقبرة طاسو في يافا بالمصادرة

صفقة بيع وتصفية الأوقاف الإسلامية في مدينة يافا، في الداخل الفلسطيني المحتل، تحت غطاء المؤسسة الإسرائيلية، ما زالت سارية المفعول بالرغم من مرور عقود على إصدار القانون العنصري "قانون أملاك الغائبين" الذي شرعن الاحتلال ومصادرة أراضي وأملاك الفلسطينيين في كلّ أنحاء فلسطين المحتلة.

من المعروف بحسب القوانين والأعراف الدولية والمحلية لأيّ دولة تحترم الأديان، أنّها تسعى إلى الحفاظ على الأوقاف والمقدسات، ومنها بيوت العبادة والمقابر لأيّ طائفة كانت ضمن حدودها بغض النظر عن ديانتها. لكن، عندما يدور الحديث عن دولة الاحتلال الوحيدة في المنطقة، فالقوانين والأعراف وضعت لتخدم أجندة الاحتلال الصهيوني وحده وتصفية الأوقاف والمقدسات لغير اليهود.

مقبرة طاسو الإسلامية في يافا هي واحدة من الأمثلة التي تفضح الكيان الصهيوني وعبثه بالأوقاف والمقدسات. ففي عام 1931 تم إيداع أرض بمساحة 80 دونماً في منطقة حي أبو كبير العريق، وقفاً لصالح دفن المسلمين من أهالي مدينة يافا. ومع دخول الاحتلال عام 1948 متبوعاً بقانون "أملاك الغائبين" عام 1951 صودرت المقبرة. و"أملاك الغائبين" هو القانون الذي تحولت بحسبه أراضي فلسطين من ملكية الفلسطينيين إلى الكيان الصهيوني وهو من أكثر القوانين عنصرية في العالم، إذ جرت بموجبه تلك المصادرة بحقّ مقبر طاسو بذريعة غياب القائمين عليها.

أما عام 1956، ومنعاً للحرج الدولي، فقد حرّر الكيان الصهيوني جزءاً صغيراً من أوقاف المسلمين في فلسطين، منها جزء بسيط من المساجد والمقابر. لكنّه لم يحررها فعلياً، بل عينت المؤسسة الإسرائيلية لجاناً تحت تسمية لجان أمناء للوقف الإسلامي عبر وزارة المالية، وذلك لضمان تعيين أشخاص غير مؤتمنين يخدمون مصلحة الاحتلال فقط لا غير.

عام 1973 باعت اللجنة نصف المقبرة لشركة صهيونية متطرفة، وذلك بموافقة الوزارة وتحت غطائها، حتى أنّها وافقت على نقل بعض القبور من منطقة إلى منطقة أخرى. فبالنسبة للمؤسسة الإسرائيلية كانت هذه فرصة للاستمرار في سياسة تصفية الأوقاف والمقدسات الإسلامية، وهذه المرة عبر لجنة أمناء الوقف الإسلامي المزعومة.


من الجدير بالذكر، أنّه في حال اقتراب المشاريع من مقابر يهودية في أيّ بقعة في فلسطين، يعلم الجميع عن ذلك من خلال التظاهرات الحاشدة التي تنظمها الحركة اليهودية المتزمتة التي تفرض على المؤسسات الإسرائيلية شروطها وتمنعها من الاستمرار في أي مشروع مستقبلي كان مخططاً له أن يكون على أرض المقبرة، لكن حين يتعلق الأمر بمقابر غير يهوديّة، فالأمور تختلف ويصبح التعامل معها أمراً عادياً، وفي أغلب الأحيان يجري انتهاك حرمة هذه المقابر. وهو ما حصل في الستينيات في شمال يافا وبالتحديد على شاطئ البحر المحاذي لقرية صميل المهجّرة، إذ جرف قسم كبير من القبور الإسلامية وبني فندق "هيلتون" العالمي عليها، وحوصرت أرض مقبرة طاسو لتتقلّص مساحتها بعد بناء الفندق. بعد كشف المؤامرة على يد أبناء المدينة كانت هناك محاولات قضائية لإبطال الصفقة. وعلى مدى 25 عاماً من الدعاوى القانونية فإنّ أذرع القضاء المسيّسة لخدمة المؤسسة الإسرائيلية صادقت في النهاية على الصفقة.

أخيراً، عام 1995 وبعد الإعلان عن قرار المحكمة العليا الأخير الذي قضى بصحة الصفقة، انتفض أهالي مدينة يافا المسلمون، ويستمرون في تلك الوقفة، منذ ذلك الحين، معارضة لتنفيذ قرار تقسيم المقبرة ونقل نصفها للشركة الصهيونية التي تنوي بناء الوحدات السكنيّة عليها. يذكر أنّه في ذلك الحين وعد رؤساء بلدية تل أبيب يافا، بالتنسيق مع وزارة الإسكان، المسلمين في مدينة يافا أنّهم لن يسمحوا بالمساس بالمقبرة وأنّهم سيمنحون الشركة أرضاً بديلة.

من الجدير بالذكر، أنّ العرب المسلمين في مدينة يافا بسبب تعهدات أعوان الصهاينة ظنوا أنّ الوعود نفذت، إلاّ أن المفاجأة كانت، قبل أسبوع، حين جاء ممثلون عن الشركة واقتحموا المقبرة محاولين وضع حدود فعلية للأرض التي بيعت بالغش والنهب في السنوات الماضية، فانتفض مسلمو يافا ومنعوا ذلك بصدورهم العارية، وتدخلت الشرطة وحالت دون الاشتباك مع ممثلي الشركة.

قبل بضعة أيام، ونتيجة للأحداث الأخيرة ومحاولة تقسيم أرض المقبرة، عقدت الهيئة الإسلامية المنتخبة في مدينة يافا (وهي مؤسسة أهليّة إسلاميّة منتخبة لحماية الأوقاف الإسلاميّة) اجتماعاً عاماً للمسلمين في المدينة ونتج عنه تشكيل لجنة شعبية للدفاع عن مقبرة طاسو مكونة من مؤسسات مدينة يافا الإسلامية والعربية الحرّة. وتقوم هذه اللجنة بوضع الخطط للتصدّي لمحاولات المساس بالمقبرة وتوعدت بالوقوف أمام هذه المحاولات بكلّ السبل الشعبية.

وفي تعقيب لأحد أعضاء اللجنة عن القضية الهامة، قال إنّ "أهالي يافا سيتصدون لهذه الصفقة غير العادلة والتي تعتبر صفقة باطلة بالنسبة لنا، لأنّنا لم ولن نتنازل عن أراضينا خصوصاً أوقافنا المتبقيّة في يافا". أضاف: "سنحمي مقدساتنا ونقف وقفة رجل واحد في وجه تلك الشركات التي تنوي طمس ومحو المعالم الفلسطينية والإسلامية في يافا وهمها الوحيد هو جني الأرباح، حتى لو كان على حساب أصحاب الأرض الأصليين، أحياءً وأمواتاً".

دلالات