صيدليات سورية... ضعف الرقابة يهدد حياة المواطنين

صيدليات سورية... ضعف الرقابة يهدد حياة المواطنين

11 ديسمبر 2018
فوضى دوائية تشهدها البلاد (جيمس لاولر دوغان/ فرانس برس)
+ الخط -


يشعر كثير من السوريين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة أو "هيئة تحرير الشام" أو "قوات سورية الديمقراطية" بالقلق كلما احتاجوا إلى دواء ما، في ظل انتشار الصيدليات غير القانونية، أو العشوائية، وباعة دواء لا يحملون شهادة الصيدلة. يقول أبو محمد الراشد، الذي يقيم في إدلب، لـ"العربي الجديد": "بالإضافة إلى أسعار الدواء المرتفعة، لا أعتقد أنّ الأدوية تخضع لرقابة جدية، فقبل فترة كدت أخسر حياة ابني، بعدما جلبت له مضاداً حيوياً منتهي الصلاحية، من إحدى الصيدليات، من دون أن أعلم. بالصدفة انتبهت وراجعت الصيدلي، فحاول إقناعي بأنه فعال وغير ضار، وبأنّ صلاحيته انتهت للتوّ". يضيف: "عندما سألت عن ذلك الصيدلي، اكتشفت أنه شاب يحمل شهادة معهد طبي أولية، وأنّه عمل ممرضاً خلال سنوات الثورة، وللأسف هناك من يعطيه صفة دكتور، إذ لا يكتفي ببيع الدواء، بل يقدم التشخيص الطبي والوصفات أيضاً".

انتهاء الصلاحية

لم يكن والد الفتاة مرام الإدلبي محظوظاً كالراشد، فبالرغم من أنّ معه وصفة من طبيب، كادت ابنته تفقد حياتها، من جراء جهل الشخص الذي باعه الدواء، إذ أعطاه دواء مخالفاً لما جاء في الوصفة، وهو ما تسبب في مضاعفات". يقول لـ"العربي الجديد": "راجعت الطبيب حينها على الفور، وهو من اكتشف أنّ الدواء تسبب في تدهور حالتها. يومها قال لي: لو انتظرت إلى الغد وأعطيتها جرعة أخرى، لخسرتها". يتابع: "قد تكون ابنتي نجت، لكن للأسف سمعت عن عدة حالات فقدت حياتها بسبب الأدوية، في وقت  لا يوجد فيه حسيب أو رقيب".

من جانبه، يقول محمد، وهو ناشط في إدلب، التي تسيطر عليها "حكومة الإنقاذ" المدعومة من تنظيم "هيئة تحرير الشام"، لـ"العربي الجديد": "الصيدليات العشوائية بدأت تتواجد عقب بداية الثورة، واليوم أعتقد أنّها وصلت إلى الذروة في الانتشار والانفلات من الرقابة وغياب المؤهلات، وهنا يمكن أن تشمل إلى جانبها العاملين في المجال الطبي، إذ هناك من يدّعي أنه طبيب أو فني أو ممرض". يضيف: "الأمر يشكل خطراً على حياة الناس، وقد مرّ عليّ العديد من حالات التداخل الدوائي والتسمم. أذكر منها شخصاً نقل في وقت حرج إلى المستشفى، وطفلة تقبع اليوم في المستشفى من جراء تداخل دوائي جعلها في حاجة إلى إجراء عمل جراحي". يعتبر أنّ "من أهم أسباب ذلك غياب الرقابة، والجهة القادرة على ضبط الوضع".



يلفت إلى أنّ "هناك ظاهرة سلبية، بالرغم من أنّها في مرحلة ما كانت حاجة، وهي أن هناك أشخاصاً كانوا في سنوات دراستهم الأولى في الجامعة، خصوصاً الاختصاصات الطبية، وقد تركوا جامعاتهم وبدأوا يمارسون العمل، وهناك من أكسبته التجربة بعض الخبرة، فأصبح يمارس العمل كاختصاصي، وهو ما يمثل خطراً على حياة الناس". يتابع أنّه "حتى الصيدليات المرخصة، يوظف فيها الصيدلي عاملاً معه، هو في الغالب غير متخصص، وربما يكون قد عمل لعام أو عامين في مستودع أدوية، فحفظ أسماءها وبدأ في بيعها، لكن من دون خبرة بها وبعوارضها". يوضح أنّ "الجهة المسيطرة في إدلب هي حكومة الإنقاذ، وهي الجهة التي يجب أن تكون مسؤولة، لكنّها تكتفي بأخذ المال مقابل الترخيص، خصوصاً أنّ مكاسب الصيدليات كبيرة". يوضح: "الأدوية تأتي من عدة مصادر، كتركيا، ومناطق النظام، بالإضافة إلى الأدوية التي تأتي كمساعدات إنسانية، وهي غالباً ما تكون قد شارفت على انتهاء صلاحيتها".

صيدلية في دمشق (فرانس برس) 


محاولات

أما في أعزاز، بريف حلب، التي تسيطر عليها فصائل "درع الفرات" المدعومة من تركيا، فيقول إعلامي في مجلس أعزاز المدني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الصيدليات في أعزاز تخضع للمراقبة، وهناك نقابة لحماية الصيدلي والمستهلك معاً، وقد تكون أعزاز المدينة الوحيدة التي ضبطت هذا الأمر إلى درجة كبيرة، إذ يكثر العبث والتهرب في البلاد".

الوضع مماثل في الباب، ويقول من هناك الناشط أيهم عمر، لـ"العربي الجديد": "ربما هناك صيدليات غير مرخصة، لكن بشكل محدود. عند فتح صيدلية هناك شرط رئيسي وهو أن يحمل طالب الترخيص شهادة صيدلة، فالنقابة تتولى القيام بجولات تفتيشية كلّ أسبوع على جميع الصيدليات". يلفت إلى أنّه "قد يكون في الصيدلية شخص لا يحمل شهادة في الصيدلة، لكنّه يعمل إلى جانب صيدلي، وإلاّ تسجل مخالفة في حق الصيدلي من قبل نقابة الصيادلة في الباب. وذلك ينطبق على الدواء إذ يجب أن يكون وفق المواصفات المعتمدة".

في عفرين بريف حلب، لم يستقر الوضع بعد، ويقول أبو مأمون الشامي، المقيم في عفرين، لـ"العربي الجديد": "تعمل المجالس المحلية المشكلة على ضبط الصيدليات العشوائية أو غير المنظمة، إذ يُطلب في مدينة عفرين أن يحمل من يتولى الصيدلية شهادة صيدلة أو يدرس صيدلة في السنة الرابعة. أما في بعض القرى فيطلب فقط أن يكون قد تخرّج من معهد طبي أو طالب حالي فيه، لكن في القرى الأبعد فإنّ أي شخص يملك معلومات بسيطة حول الأدوية قد تجد لديه صيدلية". يلفت إلى أنّ "المجلس المحلي في عفرين يسعى لتطبيق هذه القواعد فتجد في غالبية الصيدليات أشخاصاً لديهم شهادة صيدلة، وقد يكون معهم أشخاص لا يحملون شهادة، لكن لديهم خبرة في هذا القطاع". يتابع أنّ "بلدات عديدة في عفرين، يمكن فتح صيدلية فيها من دون حيازة شهادة أو ترخيص من المجلس المحلي. كذلك، هناك احتيال في مسألة الشهادة، إذ هناك من يستأجر شهادة صيدلة بـ150 دولاراً أميركياً، لإشهارها في الصيدلية، في ظل غياب الرقابة الفاعلة، كما تغيب الرقابة على الدواء حتى اليوم".

بدوره، يقول وزير الصحة في "الحكومة المؤقتة"، الدكتور فراس الجندي، لـ"العربي الجديد": "هناك في الوزارة مكتب للرقابة الدوائية يتبع لمديريات الصحة، وقد تم التواصل معه للقيام بجولات على الصيدليات للتأكد من حملة شهادات الصيدلة فيها، وجرى توجيه كتب إلى المكاتب الطبية في المجالس المحلية، ومحاكم في المدن، لإغلاق جميع الصيدليات العشوائية التي لا شهادة صيدلة فيها، وهي أهم خطوة لنا كوزارة. والخطوة الثانية هي التدقيق في صلاحية الأدوية وأسعارها". يلفت إلى "توافر مختبر دوائي في مديرية صحة إدلب، يتولى أخذ عينات من أيّ دواء على الحدود السورية، لفحصه وإعطائه شهادة موافقة لدخول الأراضي السورية في حال كان مطابقاً للمواصفات". يتابع: "أقمنا أيضاً ورش عمل حول الإدمان والأدوية المهربة، وهناك حالياً توجه لتنظيم حملات على الصيدليات لضبط أيّ مخالفة".

صيدلية في عفرين (الأناضول) 


مصادر عديدة

يتفاوت الالتزام بالتراخيص في صيدليات في منطقة شرق الفرات، الخاضعة لسيطرة "قوات سورية الديمقراطية - قسد"، ويتفاوت مستوى الرقابة. صيدليات ريف دير الزور قد تكون الأسوأ. هناك تسجَّل وفيات، ويتدهور الوضع الصحي، بسبب التسمم الدوائي أو التداخلات الدوائية. آخر الحوادث مصرع طفلين، ببلدة سويدان، بسبب دواء منتهي الصلاحية، بحسب مصادر محلية. يقول الإعلامي، عامر هويدي، لـ"العربي الجديد": "لا رقابة صحية منضبطة في مناطق سيطرة قسد، وقد وزعت اللجنة الصحية التابعة لمجلس دير الزور التابع لقسد، أدوية منتهية الصلاحية على المستشفيات والصيدليات والمستودعات والمراكز الصحية في الريف الغربي لدير الزور، في وقت يعاني الأهالي من تزايد الوضع الصحي سوءاً، وانتشار الأمراض المزمنة، في ظل حالة عدم اكتراث وتجاهل في بعض الأحيان من الجهات المسؤولة".



يلفت هويدي إلى أنّ "هناك انتشاراً للصيدليات العشوائية بالرغم من وجود لجنة صحية. وهناك أدوية من كلّ حدب وصوب، منها أدوية أجنبية تعرّف عليها السكان حديثاً، ومنها أدوية تركية وسورية، وهناك أدوية من بقايا ما كان مخزناً إبان سيطرة الجيش السوري الحر وداعش والنصرة، وغالباً لم تكن الأدوية مخزنة في ظروف صحية، إذ تعرّض جزء منها لحرارة نيران القصف". يتابع: "حتى الآن، هناك أدوية غير مخزنة بشكل صحيح، وتعتمد على النقل والتخزين العشوائي، وهو ما أدى إلى انتهاء صلاحية الأدوية قبل أوانها المخطوط على أغلفتها".

وفي مناطق النظام، رصدت "العربي الجديد"، حالات مشابهة، إذ هناك صيدليات يعتمد ترخيصها على شهادة صيدلة مستأجرة، في حين يديرها أشخاص غير متخصصين، وهناك صيدليات فيها صيدلي لكن معه موظفون غير متخصصين، بالإضافة إلى كثرة الأدوية المهربة التي غالباً ما يكون مصدرها لبنان.