"نساء الموقف" ينتظرن الرزق في المغرب

"نساء الموقف" ينتظرن الرزق في المغرب

11 مارس 2019
تنتشر المواقف في عدة مدن مغربية (ميشيل فلودرا/ Getty)
+ الخط -

"نساء الموقف" أو "خادمات الموقف"، تسميتان لمجموعات من المغربيات الفقيرات اللواتي يكدحن في سبيل تأمين رزق ضئيل لهن ولعائلاتهن، من خلال انتظار فرصة عمل يومية، في تنظيف المنازل. مع ذلك يتعرضن لظلم وإساءة

تقف الخمسينية، السعدية، في الموقف، بأحد أحياء العاصمة المغربية الرباط، حيث تجلس نساء القرفصاء في انتظار فرصة عمل يومية في البيوت، في مهن غسل الملابس أو التنظيف أو غيرها من الخدمات المنزلية، مقابل مبلغ مالي زهيد متفق عليه بين طالبي الخدمة و"نساء الموقف". تنتظر السعدية في هذا الموقف الخاص بالنساء -إذ إنّ هناك مواقف أخرى للرجال ممن يعملون في مهن الدهانات والنجارة والحدادة وغيرها- رزقها اليومي، الذي ترصده في وجوه المارة، خصوصاً أصحاب السيارات.

تقول لـ"العربي الجديد" إنّها تأتي كلّ صباح إلى الموقف متأملة أن يأتيها رزقها، فتطالع وجوه من يقتربون من "نساء الموقف" لعلّ أحدهم يرغب في عاملة للتصبين (غسل الملابس والأفرشة) أو تنظيف البيت أو حتى مساعدة ربة المنزل في بعض "الشقا" (الأشغال المتنوعة الخاصة بالمنزل). تتابع أنّ الموقف عبارة عن مكان تجتمع فيه العاملات المؤقتات اللواتي يمكنهن الاشتغال يوماً واحداً أو يومين أو حتى ثلاثة أيام، وبالتالي فإنّ "خادمة الموقف" ليس لها من عمل ثابت في منزل ما، بل يمكن أن تعمل في العديد من البيوت خلال شهر واحد.




في ما يتعلق بالبدل المالي الذي تناله "خادمة الموقف" تقول إنّه هزيل بالنظر إلى "الأشغال الشاقة" التي تنفذها طوال اليوم الذي يبدأ من الصباح ويستمر أحياناً حتى المساء، وذلك مقابل 50 (4.5 دولارات أميركية) أو 100 درهم (9 دولارات)، وفي أحسن الأحوال 200 درهم (18 دولاراً). تشرح السعدية أنّه إذا كان العمل ينحصر بغسل الملابس فإنّ البدل لا يتجاوز 100 درهم، لكن إذا كان العمل شاقاً مثل غسل الملابس، والتنظيف و"الجفّاف" (غسل أرضية المنزل) فإن التعويض يكون أكبر، وذلك وفق تفاهم بين الطرفين.

غير بعيد عن السعدية، تقف رابحة، الثلاثينية، التي تحكي لـ"العربي الجديد" أنّها اضطرت للمجيء إلى الموقف، طلباً للعمل في الخدمات المنزلية المؤقتة، خصوصاً أعمال التصبين والتنظيف، مضيفة أنّها تهرع مع رفيقاتها إلى كلّ سيارة تتوقف هناك، فيقرر صاحب السيارة أو السيدة معه من ستعمل منهن في بيتهما. تستطرد أنّ هناك الكثير من المشاكل التي تقع في الموقف وأيضا داخل المنازل، ومن ذلك أنّ في الموقف تحدث مشاحنات ومشاجرات عنيفة أحياناً بين النساء بسبب التنافس الحاد حول من "ستفوز" بالعمل: "الفقر هو الذي يدفع إلى هذه الخصومات، ولولا الحاجة لما وقفت واحدة منا في الموقف". وتروي بعض ما يحصل في البيوت، فمرة ذهبت مع سيدة باتفاق شفوي بينهما مفاده أن تتولى أعمال التصبين طوال النهار مقابل بدل حددتاه، وبعدما أنجزت ما طلب منها، وحلّ المساء، رفضت السيدة أن تسدد "ثمن عرقي" كما تقول رابحة. تضيف أنّ السيدة ظلت طوال اليوم في عملها، وتركتها تعمل على السطح لتصبين العديد من الأغطية والزرابي، وعندما جاء وقت الدفع تذرعت بأنّ العمل لم يكن جيداً، وبأنّ التصبين لم يكن في المستوى الذي تريد . تتابع متنهدة: "رفضت السيدة منحي النقود، وأرغمتني على العودة في اليوم التالي، وهو ما لم أفعله، لأنّ كرامتي أهينت، فغادرت البيت شاكية حالي إلى الله".

تقول عاملة موقف أخرى ظلت تستمع باهتمام لصديقاتها إنّ ما حصل لها مع سيدة، أغرب مما حكته رابحة، إذ أنهت عملها كما هو مطلوب في بيت سيدة تبدو ثرية، ولما انتهت من عملها وطلبت تعويضها المالي كما هو متفق، أخرجت السيدة سكيناً وطالبتها بالمغادرة من دون أخذ أجرتها، وإلاّ اتهمتها بالسرقة والاعتداء عليها. تقول العاملة لـ"العربي الجديد" إنّها صدمت كثيراً مما حدث، ولم تكن تعتقد يوماً أنّها ستكون محط تهديد وهي تؤدي عملها بإخلاص وجهد، فما كان منها إلا الذهاب إلى المطبخ بدورها، وحمل سكين قفزت به على ربة المنزل، وأسقطتها أرضاً، قبل أن تفرّ من البيت لكن من دون أن تنال ثمن تعبها.

أما خدوج فقد وضعت ثقتها يوماً في سائق سيارة يبدو عليه الوقار ويملأ الشيب رأسه، فذهبت إلى منزله من أجل التنظيف و"الشقا"، بدعوى أنّ زوجته مريضة، لكنّ كلّ شيء تغير عند دخولها إلى المنزل، فقد وضعت الجلباب للبدء في العمل، وسألته عن زوجته فأجاب أنّها غادرت إلى السوق. وعند مباشرتها العمل تفاجأت بالرجل الذي كان وقوراً قد هاجمها من الخلف، وهو يحاول أن ينزع عنها ثيابها، فبدأت في الصراخ إلى أن خشي من الفضيحة، فطردها، محذراً إياها من اتهامه أو محاولة تقديم شكوى ضده.




هي قصص كثيرة تدل على مدى المعاناة التي تكابدها نساء الموقف، سواء في الموقف نفسه حيث الحسد والمشاحنات، أو في المنازل حيث الإهانة والتحرش وسرقة الجهد، لكنّ الصورة أحياناً إيجابية، إذ تجني سيدات الموقف رزقهن هناك، ويتعرفن بأناس جيدين يطلبون خدماتهن ويقدمون لهنّ كلّ احترام وتقدير مادي ومعنوي.

المساهمون