تونسيّات تخلى عنهن أزواجهن بسبب السرطان

تونسيّات تخلى عنهن أزواجهن بسبب السرطان

13 ابريل 2019
ماذا تخبّئان من ألم؟ (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

بعض الرجال الذين تُصاب زوجاتهم بأمراض السرطان في تونس لا يقفون إلى جانبهن، بل ينتظرون موتهن ويهجرونهن ويسعون إلى بدء حياة جديدة، الأمر الذي قد يفاقم حالتهن الصحية. إلا أن هؤلاء لا يمثلون جميع الرجال

"حين عدت إلى بيتي في الكاف، شمال غرب تونس، بعد سنتين قضيتهما في العاصمة تونس من أجل العلاج الكيميائي نتيجة إصابتي بسرطان الرحم، تجمع الجيران من حولي، وكانوا في حالة صدمة ولم يصدقوا عودتي. كان زوجي قد أخبرهم بأنني على فراش الموت، مشيراً إلى أن الأطباء أخبروه بأن لا أمل في شفائي، على الرغم من أنه لم يزرني أو يلتق الأطباء يوماً". بهذه الكلمات، تختصر جميلة، في حديثها لـ"العربي الجديد"، قصّة تخلي زوجها عنها بسبب المرض.




تضيف الستينية جميلة أنّ هذه الصدمة وعلى حدتها كانت أقل وطأة مما فعله بها زوجها الناصر لاحقاً. وتبيّن أن تصرفاته السيئة لم تقف عند هذا الحد، بل وصل به الأمر إلى إخفاء دفتر العلاج ليحرمها من متابعة علاجها. كان يرفض تناول الطعام الذي تعده قائلاً إن مرضها معدٍ. تضيف أنّها حاولت الصمود لأن ابنتها كانت تستعد للزواج، إلى أن سمعته ذات يوم يهمس إلى عشيقته قائلاً: "أنتظر موتها بفارغ الصبر".

لا تعدّ قصة جميلة التي تخلى عنها زوجها بسبب المرض، وباع البيت ليتزوج بأخرى، القصّة الوحيدة في تونس. العديد من النساء يعانين الأمرين من جرّاء تخلي شريك الحياة عنهن بسبب المرض. أخيراً، أثارت قصّة تونسية تخلّى عنها زوجها بسبب مرضها بالسرطان الرأي العام في تونس، وطلب الأخير ملفها الطبي للحصول على الطلاق نتيجة الضرر.

في هذا السياق، تؤكّد هندة بن ظافر، من الهوارية، وهي أم لثلاثة أبناء، أن زوجها تخلى عنها بمجرد إصابتها بسرطان الثدي. تغيرت معاملته وأصبح ينام في غرفة مستقلة ويتجنب البقاء معها في الغرفة نفسها ويفتعل المشاكل لأتفه الأسباب. تقول لـ"العربي الجديد": "لم أتخيل يوماً أن يكون قاسي القلب وناكر الجميل إلى هذا الحد. بعد 27 عاماً من الزواج، تنكّر لي بمجرد مرضي".

تضيف هندة أنها اضطرت إلى العمل على الرغم من مرضها لإعالة أبنائها، خصوصاً أنهم في سن المراهقة. كانت تعمل في العديد من الأعمال الهامشية، كالزراعة وبيع الخبز والتنظيف، لتوفر قوت أبنائها غير عابئة بالمرض والتعب. وتلفت المتحدثة إلى أنها في الوقت الذي كانت تحتاج فيه إلى دعم معنوي من شريك حياتها والتركيز على العلاج، كانت بين أروقة المحاكم ومكبلة بالمشاكل التي تسبب بها زوجها، وقد انقطعت ابنتها (15 عاماً) عن الدراسة. تضيف أنه مرت الآن سبعة أعوام. مع ذلك، لم تزر طبيباً ولم تتابع وضعها الصحي لتوفير كلفة العلاج ومصاريف التنقل إلى العاصمة لأبنائها.

بدورها، تتحدث مفيدة، من حمام الأنف، عن زوجها الممرض الذي كان يصرخ بأعلى صوته قائلاً: "زوجتي مريضة بالسرطان". وكان لا يتوانى عن شتمها وتعييرها بمرضها، ويرفض نقلها بسيارته الخاصة للمستشفى، ما اضطرها إلى استعمال وسائل النقل العامة. كثيراً ما كان يجرحها قائلاً إنها بصدد تضييع الوقت والمال في العلاج واقتناء الأدوية لأنها ميتة لا محالة.

تقول إن وضعها النفسي ساء كثيراً من جراء موقف زوجها. لم تكن تتخيل يوماً أن يكون شريك حياتها بمثل هذا السوء، مبينة أنها عملت في الخياطة وساهمت في بناء البيت وترميمه. وكانت لا تتوانى عن نقل مواد البناء والإنفاق على الأسرة. لكن بعد مرضها تغيرت معاملته لها كثيراً.

تشير إلى أنه على الرغم من طلاقها، إلا أن زوجها ما زال يعيش في غرفة مستقلة في البيت، ولا يتوانى عن إزعاجها لإجبارها على المغادرة على الرغم من الأحكام السجنية الصادرة بحقه نتيجة العنف، والغرامات المالية التي يرفض دفعها. وتشير إلى أن المرض انتشر في جسدها المنهك على الرغم من تماثلها للشفاء في فترة ما بسبب المشاكل التي ألمّت بها. انتشر المرض في الرحم والعظام بسبب تخلّيها عن اقتناء الأدوية الباهظة. تبين أن جحود زوجها أدى إلى إصابتها بالغدة الدرقية، وهي تحمله مسؤولية ما آلت إليه.

إلى ذلك، تؤكد رئيسة جمعية مرضى السرطان، روضة زروق، لـ"العربي الجديد": "هؤلاء لا يمثلون جميع الأزواج. هناك فئة تكون خير عون للنساء في مرضهن، وفئة تتخلى عن الشريك بمجرد المرض". تضيف أن ذلك يرتبط بأسباب عدة، وهي أن الشريك غير مناسب وعادة ما يكون المرض مجرد حجة لطلب الطلاق. تلفت إلى أنّ "عقلية البعض للأسف قائمة على الجحود وعدم قبول مرض الطرف الآخر"، مشيرة إلى أن القانون أحياناً غير منصف للمريضات، خصوصاً في مثل هذه الحالات، ويخول للأزواج طلب الطلاق للضرر، وهذا غير مقبول إنسانياً واجتماعياً، ولا بد من العمل على تنقيحه"، مشيرة إلى أن الجمعية تتكفل بعدد من مريضات السرطان وتؤمن لهن طبيباً نفسياً ومحامياً، وقد ساعدتهن على نيل حقوقهن في النفقة والسكن.




من جهته، يلفت المحامي المتخصص في قضايا طلاق ضحاياها مريضات بالسرطان، أمين برداح، لـ"العربي الجديد": "مثل هذه القضايا من شأنها أن تضاعف معاناة المريضات على الرغم من أن عقد الزواج قائم على المودة والرحمة. وعادة ما يقول هؤلاء الأزواج إن المرأة لا تقوم بواجباتها الزوجية لطلب الطلاق". ويشرح أن الطلاق للضرر من أصعب أنواع الطلاق ويتطلب حكماً من المحكمة لتأييده. بالتالي، لا يمكن للأزواج أن ينجحوا في القضايا المرفوعة، ما يفسر أن البعض يحولها إلى طلاق إنشاء أو بالتراضي. ويبين المحامي أنّه عادة ما يرافق طلب الطلاق من الزوج عنف لفظي وأحياناً جسدي، والأبناء يدفعون الفاتورة.

المساهمون