الحكومة والمبررات اللأخلاقية لزيادة الأسعار في مصر

الحكومة والمبررات اللأخلاقية لزيادة الأسعار في مصر

27 نوفمبر 2017
زيادات مستمرة للأسعار في مصر( GETTY)
+ الخط -
أجلت الحكومة المصرية رفع أسعار الوقود إلى بداية العام المقبل، وبدلا من هذا القرار، تم رفع أسعار السجائر والتبغ عن طريق تعديل قانون القيمة المضافة رقم 67 لعام 2016 في اجتماع لمجلس النواب لم يتعدّ نصف ساعة.

وتعد هذه الزيادة الرابعة منذ مجيء نظام السيسى في منتصف العام 2014، لتتضاعف أسعار، ليس السجائر ومنتجات التبغ وحسب، بل العديد من السلع الضرورية، وفى مقدمتها أسعار السلع الغذائية وخدمات النقل والمواصلات، وحسبما تدل أرقام حكومية فإن التضخم زاد من 8.76% خلال يونيو/ حزيران 2014 حتى تجاوز 31% خلال يونيو 2017.

وقدمت الحكومة عدة مبررات لتمرير زيادة أسعار منتجات التبغ بنسب ترواحت ما بين 12.5 و25%، فادعت أنها تريد تخفيض استهلاك السجائر والحفاظ على الصحة العامة، بينما في الحقيقة أن أغلب قرارات رفع الأسعار يرتبط برغبة الحكومة في زيادة إيراداتها المالية في شكل ضرائب غير مباشرة هي رفع الأسعار.

وتستهدف الحكومة من الزيادة الأخيرة جمع ضرائب بمقدار 8 مليارات جنيه، كما حاولت الحكومة تبرير رفع الأسعار بأن عوائدها سوف توجه إلى قطاع التأمين الصحي والإنفاق الاجتماعي، بينما كشفت بعد ذلك أن مقدار ما سيوجه فعليا إلى خدمات الصحة لن يزيد عن نصف جنيه عن كل عبوة أرتفع سعرها ما بين ثلاثة جنيهات و6 جنيهات، مما يوضح كذب مبرر توجيه عوائد الزيادات إلى قطاع التامين الصحي، مما يعني أن عوائد رفع الأسعار غير معروفة بالضبط أوجه صرفها، وهي في الأغلب سيتم توظيفها لتخفيف عجز الموازنة ودفع خدمة الديون التي اقترضتها الحكومة.

لم يكن قرار رفع الأسعار الأخير مفاجأة، فقد أعلنت عنه الحكومة في موازنة العام الجاري، وهو ضمن عدة قرارات تضمنتها خطة لإصلاح الاقتصادي التي تنفذها الحكومة كشرط من شروط الهيئات المقرضة، وترجمت هذه الخطة بكثافة خلال عامي 2016-2017 في قرارات رفع العديد من السلع والخدمات.


هذه السياسات الاقتصادية توضح صورة الدولة التي تطبق سياسات اقتصادية غير عادلة، تنهب المواطنين، وتعتمد على أساليب اقتصادية فاشلة كالاعتماد على الضرائب كعائد رئيسي لمواردها المالية بحيث تتجاوز 73% من اجمالى الإيرادات، بينما تهمل المصدر الحقيقي للإيرادات المالية وخلق تنمية حقيقة، تتجاوز مفهوم سد العجز إلى تحقيق الاكتفاء، وهو عنصر الإنتاج، وما يتبعه من نتائج كفرص التشغيل وسد حاجة الشعب من السلع والخدمات.

تطرح الحكومة تبريرات متنوعة مع كل قرار برفع أسعار السلع والخدمات، وفي حالة رفع أسعار السجائر لجأت إلى تبريرات أخلاقية ودينية كضرر التدخين وحرمانيته، بينما لا يفكر من يشعلون حرائق الأسعار أن الغلاء سلوك غير عادل وغير أخلاقي، لأنه يتحصل على أموال المواطنين دون وجه حق، كعملية سطو أو سرقة تشرعن بقرار أو قانون.

كما تتجاهل الحكومة ومن يبررون غلاء الأسعار الآثار المتبادلة لارتفاع أي سلعة على باقي السلع، وبالطبع لا يهمها في قرار رفع أسعار السجائر صحة المصريين أو مسألة الادخار أو الحد من النمط الاستهلاكي، ما يهمها فعليا هو جمع الإيرادات الضريبية، حتى لو دفع الشعب فاتورة سياساتها الفاضلة الأخلاقية جدا !!

بذات المنطق رفعت أسعار خدمات الاتصال "المحمول" والإنترنت بحكم أن الشعب سفيه يتكلم ليل نهار، واليوم يتم رفع أسعار السجائر لأن الشعب لا يحافظ على صحته، وهو ذاته المنطق غير الواقعي والتبريرى الذي يرى أن الغلاء ابتلاء وعقاب للبشر نتاج ذنوبهم، ولا يرى من يحتكر قوتك أو يسرق أموالك عبر قرارات الغلاء بأنه ظالم ولص يوظف نصوص الدين ومصطلحات الاقتصاد لخدمته.

لدينا في مصر، وحسب الأرقام الرسمية ما يقارب 13 مليون مدخن، ويبلغ متوسط إنفاق الأسرة على التدخين ما يزيد عن 330 جنيها شهريا، كل هؤلاء سيتأثرون بقرارات رفع الأسعار، ولن تدفع الزيادات أغلبهم إلى الإقلاع عن التدخين، لأن غلاء السلعة ليس دائما سببا للاستغناء عنها، وإن كانت الحكومة تستغل ملايين المستهلكين من المدخنين فإنها تستغل غيرهم.

ولم تكن قرارات غلاء أسعار السلع الغذائية محاولة لعلاج التخمة مع شعب يعاني النحافة وسوء التغذية وتزداد عند أطفاله نسب التقزم، ولم يكن غلاء أسعار الوقود وما ترتب عليه من أثار أهمها زيادة تكلفة المواصلات تشجيعا لرياضة المشي، كذلك لم تكن قرارات رفع أسعار الدواء أو رسوم العلاج في صالح المرضى.

ولا يمكن أمام هذا الغلاء الفاحش أن نعتبره ابتلاء، يستوجب الصبر، أو نتاج ذنوب البشر، بل هي قرارات ظالمة ضمن سياسات اقتصادية تتسم بالنهب والفشل معا، وكل ما يساق دون ذلك هو محاولات للتبرير سواء استخدمت حسابات اقتصادية مغلوطة حول تكلفة الإنتاج أو مبررات أخلاقية ودينية توظفها السلطة لتبرير الغلاء.

لذا كل ما تم من قرارات مثل تعويم الجنيه أو خفض الإنفاق الاجتماعي وزيادة الأسعار وصرف مليارات طائلة في مشروعات لا عائد مجدياً لها هو سبب معاناة هذا الشعب وسبب أزمة الاقتصاد.



منذ بدأت الحكومة المصرية في تنفيذ ما يسمى خطة الإصلاح الاقتصادي، انطلقت موجات الغلاء المتتالية، حتى أنها أزالت ما يسميه المصريون بالستر، أي القدرة على توفير المستلزمات والحاجات الأساسية، وهو مفهوم اجتماعي استقر لفترة لدى الطبقة الوسطى، التي تضررت مؤخرا بشكل واضح، من ارتفاع معدلات التضخم، كنتاج لعجز الدولة عن الإنتاج، الذي يتزامن مع تطبيق سياسات التقشف وتخفيض الإنفاق الاجتماعي وزيادة الضرائب.

بالإضافة إلى تبرير الغلاء تستخدم الحكومة في بعض الأحيان آليات الخداع الاقتصادي، فحين تتحدث عن إصلاح القطاع التعليمي، تدعي أنه لا مجال للإصلاح في ظل ميزانية الدولة المحدودة، ويعلن وزير تعليمها أن المجانية وكفاءة التعليم نقيضان، بينما لا يبذل جهد يذكر في إعادة توزيع بنود التعليم ليخصص الجزء الأكبر منها للخدمات التعليمية أو رفع كفاءة المعلمين وأجورهم.

وحين يشكو الناس من تراجع خدمات الصحة أو قلة البند المخصص لها في الموازنة، تلجأ الحكومة إلى رفع أسعار الخدمة متعللة بمحاولة تحسينها بينما لا يتحسن شيء، وحين يتم تعطيش السوق في مجال الأدوية يتم رفع أسعارها ولا تتدخل الحكومة في ضبط السوق أو إقامة مصانع جديدة أو دعم المتبقي من مصانع الدولة.

تتعلل الحكومة في كل مرة ترفع فيها الأسعار بزيادة تكلفة الخدمات والسلع، وكأن الدولة شركة استثمارية خاصة، تريد زيادة هامش الربح، فتسقط بذلك العقد الاجتماعي بينها وبين مواطنيها.

وتنهي الدولة بذلك دورها الاجتماعي في تقديم الخدمات والسلع لمواطنيها، ثم تذهب وتخدعنا بمقولات إن أسعار الخدمات والسلع في مصر أقل من مثيلاتها في دول أخرى، في خداع وكذب مفضوح، لا يراعي تكلفة الخدمات والسلع ومستوى الأجور المتدني، الذي لا يشبه الدول التي تقارن الحكومة أسعارها بأسعار الدول الأخرى.

والأهم من كل ما سبق، أن الحكومة لا تريد بالفعل خوض تحدي الإنتاج لحل أزمة السوق والمستهلكين، وتوفير فرص العمل والسلع، لأن كتل المصالح الاقتصادية التي تساند السلطة، تتحكم في الأسواق، والدولة لا تريد منافسة تلك الكتل التي تمثل عمليا جزءا من النظام وإذا خاضت الدولة معركة الإنتاج فإن ونفوذ هؤلاء هم ستتراجع.

دلالات

المساهمون