عروض التجار لا تجدي مع خفض رواتب غزة

عروض التجار لا تجدي مع خفض رواتب غزة

22 ابريل 2017
ضعف الحركة الشرائية في أسواق غزة (عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -
في حي الرمال الشهير وسط مدينة غزة، يصفف البائع عماد بشير بضائعه، على طاولة في جانب الطريق، وقد بدا الضجر واضحاً على ملامحه نتيجة الحركة الشرائية الضعيفة، والتي انعدمت منذ قرار تقليص رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة بنسبة 30%.

ضعف الأسواق ليس جديداً في قطاع غزة، إذ يعاني أهالي القطاع من تدهور متواصل في حياتهم المعيشية والاقتصادية بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض منذ نحو 11 عاماً، لكن قرار التقليص الحكومي جاء كضربة قاسية، قصمت ظهر البائعين والتجار وأصحاب المشاريع الصغيرة، بعد أن أثر على مختلف نواحي الحياة.

ولم تعد عروض التجار لتحريك الأسواق تجدي نفعاً مع تقليص الرواتب. ويقول بشير الذي امتنع في البداية عن الحديث نتيجة يأسه من الظروف الحالية: "لم يتبق لنا سوى أن نتسول في الشوارع كي نتمكن من الصمود والقدرة على العيش في هذه المدينة الصعبة، تتدهور أوضاعنا يوماً بعد الآخر، ولا ندري ماذا سيحصل بعد الآن".

ويوضح أن الأسواق في قطاع غزة من شماله حتى جنوبه لا تنتعش إلا بعد حصول الموظفين على رواتبهم، مضيفاً: "بداية المشكلة كانت في تقليص رواتب موظفي حماس، والآن حلت المصيبة بعد تقليص موظفي السلطة بنسبة 30%، ما أدى إلى عزوف الموظفين عن الشراء، والاقتصار على الحاجيات الأساسية".

حالة الإحباط كانت سائدة، وواضحة على أصحاب المحال التجارية في أرقى مناطق وشوارع القطاع، كذلك في الأسواق العامة والشعبية، إذ انسحبت الحالة ذاتها على أصحاب المحال التجارية في منطقة الشيخ رضوان، وشارع عمر المختار، ومنطقة الشجاعية، وغيرها من المناطق المركزية لتواجد التجار والباعة.

ولم تسلم محلات البقالة، إذ يقول أبو محمد المدهون لـ "العربي الجديد" إنه لم يتمكن هذا الشهر من تحصيل ديونه من بعض الموظفين، حيث أثر تقليص الرواتب على قدرتهم على السداد، مضيفاً: "يبدأ بعضهم بالاستدانة بعد منتصف الشهر، ويقوم بالسداد بداية الشهر".

ويتابع: "أنتظر حلول بداية الشهر مثل أي موظف من أجل تحصيل المستحقات، وشراء البضائع اللازمة للبقالة، لكن هذا الشهر اختلف عن بقية الشهور، إذ دفع لي بعض الزبائن نصف الدين، ومنهم من لم يدفع أي شيء، وطلب مني الصبر حتى انتهاء الأزمة"، مضيفاً: "كنا نستند على الرواتب، لكن يبدو أننا أمام مرحلة صعبة".

صبحي الغندور 33 عاماً، صاحب محل لبيع الملابس الجاهزة في شارع عمر المختار التجاري في مدينة غزة، يقول لـ "العربي الجديد" إن الركود ضرب الأسواق والمحال التجارية الفارغة من الزبائن، ما أعاد إلى الأذهان صورة الأسواق بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة عام 2014، التي كساها السكون نتيجة الحالة الاقتصادية السيئة.

ويضيف أن "الفارق الوحيد في المواسم والحركة التجارية، هو انتظام حصول الموظفين على رواتبهم، حيث لا توجد فئة تحصل على دخل ثابت سوى الموظفين، إذ أن العمال ويقدرون بمئات الآلاف عاطلون عن العمل نتيجة الحصار ومنع دخول مواد البناء، ما أدى إلى تعطل مئات المهن".

ويقول: "الموقف يشبه إلى حد كبير لحظة الارتباك التي حصلت في رواتب موظفي حماس بعد أن تسلمت حكومة الوحدة الوطنية مهام عملها في يونيو/ حزيران 2014، إذ لم يحصل الموظفون بعدها على راتب منتظم وكامل".

تجولت "العربي الجديد" في مجموعة من المحال والمعارض، إذ يوضح محمد عبد الرزاق 25 عاماً، وهو صاحب محل اكسسوارات ومواد تجميل في سوق الشجاعية شرق مدينة غزة، أن بداية الشهر أصبحت لا تختلف كثيراً عن نهايته.

ويقول لـ "العربي الجديد" إن الأوضاع في الأسواق تتدهور شيئاً فشيئاً، مضيفاً: "لم يعد هناك شيء يمكن أن يشعرنا بالأمل، أو بتحسن الأوضاع، إذ أننا نفقد كل المقومات التي تدعم الحركة التجارية، وآخرها تقليص رواتب الموظفين، التي كانت تشكل إحدى الركائز الأساسية للعمل".

ويتابع: "المواسم والأعياد وبدايات الأشهر هي فقط ما يمكن أن يحسن عملنا، ومع ذلك فإن الحركة الشرائية أصبحت ضعيفة خلالها، نتيجة سوء الأحوال الاقتصادية، والتدهور المتواصل في أوضاع المواطنين".

ويبين عبد الرزاق أن المحال التجارية أصبحت تقدم الحملات والعروض من أجل جذب الزبائن، إلا أن الحركة الشرائية ضعيفة، وغير طبيعية، ما أصاب التجار بحالة من اليأس دفعت بعضهم إلى إغلاق أبوابه، داعياً إلى تجنيب المواطنين التجاذبات السياسية كي يتمكنوا من العيش بسلام.

إلى الشرق قليلاً، متجر لبيع الأحذية لصاحبه أبو سالم حميد، بدا كذلك خالياً من الزبائن، ويقول صاحبه إن الأسواق راكدة منذ 10 أعوام، بينما تنشط في الأيام الأولى من الشهر، أي بعد حصول الموظفين على رواتبهم، لكن هذا الشهر (أبريل/ نيسان) لم يحصل أي تحسن، في أي من أيام الشهر.

ويبين لـ "العربي الجديد" أنه وعلى الرغم من تخفيض الأسعار لأدنى الدرجات، إلا أن الحركة الشرائية ضعيفة، مضيفاً: "دفعني ذلك إلى الاستغناء عن بعض العُمال، إذ أنني أصبحت غير قادر على الإيفاء برواتبهم، وتسديد إيجار المحل وتوفير مستلزماته". ويتابع: "بالأمس كان الوضع صعباً، لكنني لم أتوقع أن يصبح كارثياً إلى هذا الحد".

وكان تقرير القوى العاملة الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أظهر في فبراير/ شباط الماضي، أن عدد العاطلين من العمل بلغ حتى نهاية العام الماضي 206.8 آلاف شخص في قطاع غزة.

ووصل معدل البطالة إلى 41.7% في قطاع غزة، لكن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين قالت في مارس/آذار الماضي، إن نسب البطالة الحقيقية في قطاع غزة أعلى من المعلن عنها من جانب المؤسسات الرسمية، في حين بلغت نسبة الفقر 65%، وفق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.

وبلغ عدد المشاركين في القوى العاملة 496.4 ألفاً في قطاع غزة. وسُجلت أعلى معدلات بطالة للفئة العمرية من 20 إلى 24 سنة.

ويترقب موظفو غزة مطلع مايو/أيار المقبل، لمعرفة إذا ما كانت تقليص الرواتب سيتستمر، أم أن حكومة الوفاق الوطني ستعيد النظر فيه.

وكان رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمدالله، قد أكد في وقت سابق من أبريل/ نيسان الجاري، أن قرار الحسم من رواتب موظفي السلطة في غزة هو تجميد لجزء من العلاوات، وليس قراراً دائماً، وسيتم صرفها حال توفر الموازنات واستجابة حركة حماس لمبادرة الرئيس محمود عباس.

ولا تتوفر معلومات دقيقة حول عدد موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، إلا أن مؤسسة "الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان)"، قدرت عددهم بـ 58 ألف موظف.

دلالات

المساهمون