شرعية أنظمة سعر البنزين

شرعية أنظمة سعر البنزين

21 نوفمبر 2019
زيادة سعر البنزين أشعلت الشارع الإيراني (فرانس برس)
+ الخط -


خلال السنوات الماضية، خرجت تظاهرات واحتجاجات كبيرة رافضة قرارات حكومية تقضي بزيادة سعر الوقود، خاصة سعر البنزين.

أحدث مثال على ذلك، التظاهرات العارمة والغاضبة التي اجتاحت المدن الإيرانية، احتجاجا على إعلان حكومة حسن روحاني المفاجئ زيادة سعر البنزين بنسبة 300%، وإلغاء الدعم، بهدف علاج عجز الموازنة العامة، وتراجع إيرادات الدولة عقب فرض العقوبات الأميركية وتطبيق سياسة "تصفير" صادرات النفط الإيرانية، الأمر الذي أدى إلى زيادات كبيرة في الأسعار، وهو ما اغضب الشعب الإيراني الذي خرج بأعداد غفيرة إلى الشارع رفضا للقرارات الحكومية.

تكرر السيناريو مرات عدة خلال العام الجاري، ففي شهر أكتوبر الماضي وقعت اشتباكات عنيفة بين الشرطة والمحتجين في الإكوادور، مع تصاعد التظاهرات العنيفة ضد قرار حكومة الرئيس لينين مورينو رفع سعر البنزين، والتي سعت إلى تمرير زيادة البنزين بهدف الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 4.2 مليارات دولار.

وشهدت العاصمة كيتو أسبوعين من الاحتجاجات على إجراءات تقشفية للحكومة وزيادات في سعر الوقود أشعلت أسوأ اضطرابات منذ سنوات، ودفعت التظاهرات الغاضبة مورينو إلى اتهام معارضيه بمحاولة الانقلاب عليه.

وتحت ضغط الشارع الغاضب، تخلى مورينو عن إجراءات إنهاء دعم الوقود، كما تلقّى ضربة أخرى تمثلت في رفض البرلمان (الجمعية الوطنية) حزمة إصلاحات ضريبية ونقدية اقترحها للحصول على قروض من الصندوق.

وألغى الرئيس التشيلي سيباستيان بينيرا، في 20 أكتوبر الماضي، زيادة أسعار تذاكر المترو، التي أثارت احتجاجات طلابية عنيفة، وأدت إلى ارتفاع أسعار البنزين والكهرباء وتكاليف النقل العام.

وأثار رفع أسعار الغذاء والوقود في العام 1989 احتجاجات واسعة في فنزويلا، أسفرت عن مقتل العشرات، ومهدت تلك الاحتجاجات الطريق أمام صعود هوغو تشافيز إلى سدة الحكم.

إذن، التجارب تقول إن أي زيادة في سعر البنزين بشكل خاص والوقود والكهرباء بشكل عام يعقبها اضطرابات واحتجاجات عنيفة ربما تنتهي بإسقاط أنظمة، لكن، لماذا تثور الشعوب ضد زيادة سعر البنزين بالذات؟

الإجابة تكمن في أن هذه الزيادة تشعل كل أسعار السلع والخدمات داخل الأسواق، ومعها يرتفع معدل التضخم، زيادات تبدأ من رغيف الخبز والأغذية وأنبوبة غاز الطهو والكهرباء والمياه والملابس وأجرة النقل العام والطبيب والمدرس الخصوصي، ولا تنتهي عند زيادة أسعار الأجهزة الكهربائية وتكلفة نقل البضائع والتي تشهد ارتفاعات عقب زيادة سعر البنزين.

لكن في مقابل الاحتجاجات العنيفة التي تشهدها بعض الدول عقب زيادة سعر البنزين يقابلها سكوت وصمت في مجتمعات أخرى، فهل سكوت رجل الشارع وعدم تظاهره ضد قرارات الزيادة يعني القبول بمثل هذه القرارات التقشفية الصعبة، وبالتالي إعطاء شرعية أقوى للنظم الحاكمة التي تفرض مثل هذه القرارات بقوة السلاح؟

بالطبع لا، ففي حالة مثل مصر مثلا فإن رجل الشارع يرفض أي زيادات في الأسعار، خاصة سعر الوقود الذي زاد 5 مرات منذ منتصف العام 2014 وبنسبة ارتفاع تبلغ نحو 800%، لكن العصا الغليظة والقبضة الأمنية والتلويح بالسجن والاعتقال تحول دون خروج التظاهرات للشارع، وتخمد أي محاولات للتظاهر السلمي.

في كل الأحوال، فإن أي زيادة في أسعار البنزين والوقود تعني تآكلا في شرعية الأنظمة الحاكمة، خاصة تلك الزيادات التي تأتي بتعليمات من صندوق النقد الدولي مقابل تمرير قروض ضخمة لصالح هذه الأنظمة وتؤدي إلى إفقار ثلث عدد السكان.

المساهمون