الجزائريون يهربون من عنق التقشف وينفقون بسخاء في رمضان

الجزائريون يهربون من عنق التقشف وينفقون بسخاء في رمضان

08 يونيو 2017
الأسعار ارتفعت بنحو 30% (باسكال غيوت/فرانس برس)
+ الخط -

دفع شهر رمضان بالجزائريين إلى إدخال أياديهم في جيوبهم بوتيرة أكبر من باقي أيام السنة، لينفقوا بسخاء خلال الأيام الأولى من شهر رمضان رغم مطالب التقشف في ظل الضغوط الاقتصادية التي تواجهها الدولة بسبب تراجع عائدات النفط.

وبلغت فاتورة شراء المواد الغذائية ومستلزمات شهر رمضان قرابة 600 مليون دولار في الأسبوع الأول من رمضان، وفق تقرير أعدته فيدرالية المستهلكين بمعية جمعية البنوك الجزائرية، وذلك من خلال جمع بيانات حول عمليات السحب المصرفي للرواتب والادخارات المالية، بالإضافة إلى مسح لعمليات الشراء المدعومة بالفواتير.

ويرجع كريم ايليكود، الناطق باسم فيدرالية حماية المستهلك (مستقلة)، فاتورة الإنفاق إلى "تقاضي العمال رواتبهم عشية شهر رمضان على غير المعتاد، والعادات الاستهلاكية للجزائريين التي تتميز بالإنفاق العشوائي الذي يصل حد التبذير في كثير من الأحيان".

ويقول كريم لـ"العربي الجديد"، إن عامل الغلاء في ظل ارتفاعات الأسعار التي وصلت إلى حوالي 30% على السلع واسعة الاستهلاك، ساهم أيضا في ارتفاع إنفاق الجزائريين خلال الأيام الماضية.

ويشير إلى أن الفيدرالية تتوقع أن يبلغ متوسط حجم إنفاق الأسر في هذا الشهر بين 35 ألف دينار(318 دولارا) و60 ألف دينار (545 دولارا)، لافتاً إلى أن الكثير من الجزائريين يضطرون إلى الاستدانة خلال هذا الشهر لمواجهة المتطلبات.

ويقول رياض فرقاني، وهو موظف في إدارة الضرائب، إنه أنفق ما يقارب 25 ألف دينار (110 دولارات) خلال أسبوع، أي نحو 40% من راتبه، لكن رياض اعتبر هذا الإنفاق منطقياً بالنظر لتغير العادات الاستهلاكية والغذائية للعائلات الجزائرية في رمضان، إذ يجب أن تتكون مائدة الإفطار من طبقين إلى ثلاثة أطباق يضاف إليها نوعان من الخبز والمشروبات العصيرية.

ويشير سمير شباطة، الذي يعمل سائق حافلة نقل مسافرين، إلى أنه أنفق ما يقارب 20 ألف دينار (190 دولارا) خلال أسبوع من رمضان، وذلك لشراء المواد الغذائية، من خضروات وفواكه ولحوم ومشروبات، بالإضافة إلى مصاريف يومية تتعلق بشراء الحلويات والخبز اللذين كثيرا ما ينتهي بهما المطاف بسلة المهملات.

ولعل أبرز مشاهد الإنفاق الكبير للجزائريين في شهر رمضان، الأرقام التي كشفت عنها جمعية الخبازين الجزائريين لـ"العربي الجديد"، والمتعلقة بكميات الخبز الذي يشتريه الجزائريون يومياً، والذي يبلغ 20 مليون رغيف يومياً.

ويقول رئيس الجمعية محمد قلفاط، لـ"العربي الجديد"، إن "هذا الرقم قد يصل إلى 23 مليون خبزة (رغيف) يومياً لقرابة 40 مليون نسمة، يتم إلقاء نصفها في النفايات، بينما يبلغ حجم الاستهلاك في باقي أيام السنة بين 15 و18 مليون خبزة يومياً"، مشيرا إلى أن ذلك يرجع إلى تغير النمط الإنفاقي والاستهلاكي للمواطن في شهر رمضان.

ويقول أيوب لعماري، الخبير الاقتصادي المختص في النمط الاستهلاكي، إن "الجزائريين ورثوا بعض السلوكيات التي فرضتها العادات والتقاليد، منها ضرورة شراء المؤن الكافية لأسبوعين على الأقل خلال شهر رمضان، بالإضافة إلى ضرورة وضع عدة أطباق فوق المائدة، وهي عوامل تدفع الجزائريين إلى الإنفاق دون كوابح".

ويضيف لعماري في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه "رغم الظروف المعيشية الصعبة وغلاء الأسعار، إلا أن هناك من يستدين من أجل إحياء هذه التقاليد الاستهلاكية".

كما أثر الغلاء سلباً على معدلات ادخار العائلات، الذي يمثل، وفق البيانات، قرابة خُمس الادخار الوطني، ما يجعله منبعاً لتمويل الاقتصاد المتعثر أخيراً بفعل تراجع مداخيل البلاد من بيع النفط.

وتعاني الجزائر من ضغوط اقتصادية بسبب تراجع أسعار النفط منذ منتصف عام 2014. وتشير البيانات الرسمية إلى تراجع احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي.

وقامت الجزائر بعدة إجراءات تقشفية، منها: خفض الإنفاق من الموازنة العامة الحالية بنسبة 9%، وزيادة العائدات الضريبية بنسبة 4%، اعتماداً على زيادة أسعار البنزين بنسبة 36%، ورفع الضريبة على القيمة المضافة والكهرباء، والإجراءات التي تطاول تسجيل السيارات.

كما سمحت السلطات النقدية بانخفاض جديد في قيمة الدينار مقابل الدولار وصل إلى 8.6% أخيرا، إلا أن ذلك رفع من التضخم إلى 7%، في إبريل/ نيسان الماضي، مقابل 4.8% قبل عام، وفق بيانات الديوان الوطني للإحصائيات.

وشهدت أسعار السلع الغذائية في الجزائر منذ مطلع رمضان ارتفاعا كبيرا، عكس وصول مبكر لما يعرف في البلاد بـ"حمّى رمضان" التي تصاحب الشهر الكريم وتتميز بانفلات في الأسعار، ما جعل العائلات الجزائرية تتخوف من وقوفها عاجزة أمام الغلاء.

حمى رمضان مست مبكراً أيضاً أسعار المواد الغذائية من حبوب وفواكه جافة التي يكثر الطلب عليها في رمضان، بنسب تتجاوز 30%، فيما عرفت أسعار الخضر والفواكه ارتفاعاً طفيفاً في الأسعار لم يتعدَ 60 ديناراً في أقصى الحالات.

وأبدى كثير من المواطنين لـ "العربي الجديد" تخوفهم من أن يكون ما يحدث في الأسواق الجزائرية من ارتفاع لأسعار السلع الرئيسية مسارا ثابتا في الأسعار، ما يزيد من الضغط على قدرة العائلات الشرائية.

في بورصة الأسواق الشعبية، وصل سعر الكيلوغرام من لحم الخروف إلى 1800 دينار (16 دولاراً)، ووصل سعر الكيلوغرام من لحم العجل إلى 1200 دينار (10.90 دولارات) بزيادات تصل إلى 20%، كذلك ارتفعت أسعار الدواجن البيضاء من 270 ديناراً (2.45 دولار) إلى 360 ديناراً (3.27 دولارات) للكيلوغرام.

المساهمون