طباعة النقود لم تنجح في حل أزمات الاقتصاد السوداني

طباعة النقود لم تنجح في حل أزمات الاقتصاد السوداني

14 اغسطس 2019
ارتفاع التضخم في السودان (Getty)
+ الخط -
لم تترك طباعة فئات نقدية كبيرة أثراً كبيراً في الاقتصاد السوداني منذ أن شرع البنك المركزي، في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، في تداول الفئات الجديدة التي تدرّجت بين 100 و200 و500 جنيه وفئة الألف جنيه التي أعلن عنها أخيراً.

وتأتي خطوة طباعة فئات نقدية كبيرة ضمن توجه الدولة نحو حلول سريعة لمحاصرة أزمة السيولة وتراجع قيمة الجنيه السوداني وخفض التضخم، ما جعل الفئات الصغيرة بلا فائدة، إلا أن تلك الحلول لم تجد طريقها إلى تقليص الأزمات.

وقال المصرفي مصعب عباس، لـ "العربي الجديد" إنه ليس هناك أثر إيجابي في البنوك من طباعة النقود، إذ ما زالت تعاني من شح السيولة، حتى فئة المائة جنيه اختفت من بنك السودان.

أما المدير الأسبق لبنك النيلين، عثمان التوم، فأكد لـ "العربي الجديد" أن الأثر الإيجابي لطباعة النقود يتركز في تقليل تكلفة الطباعة، باعتبارها ميزة أساسية وتقلل العبء على البنوك، ولكنه رأى أن المواطن السوداني يعاني من ضعف الدخل، والذي يحتم عليه ضرورة التعامل بالفئات النقدية الصغيرة، باعتبار أن الأوراق النقدية الكبيرة ليست عملية وغير مجدية في التعامل اليومي.

وشدد على أن الفئات النقدية الكبيرة تعطي فرصة للمضاربة والاحتفاظ بها خارج الجهاز المصرفي، ما يحجب السيولة من البنوك وبالتالي تشجع الناس على الاحتفاظ بالأموال في المنازل. وأضاف: "قد يقلل ذلك السيولة في الأسواق، ولكنه أيضاً يؤثر على الاقتصاد الكلي، لعدم توظيف خطوة طباعة النقود في خدمة الاقتصاد الرسمي".

واعتبر الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي أن الحديث عن طباعة فئات نقدية جديدة يزيد من حجم الكتلة ويفاقم معدلات التضخم. ولفت إلى أن المزارعين والرعاة الذين يتعاملون خارج نطاق الجهاز المصرفي هم أكبر فئة منتجة، ويشكلون 70 في المائة من الاقتصاد. أما الذين يتعاملون مع البنوك في المجتمع السوداني فهم لا يتعدون 6 في المائة فقط، وما تبقى يحتفظون بأموالهم خارج الدورة الاقتصادية. 

وأضاف أن شح الودائع في البنوك سببه الإغراءات التي قدمتها الحكومة السابقة لتوظيف ودائع الجمهور في الصكوك، الأمر الذي منع استثمارها في عمليات التمويل التنموي. وأشار الرمادي إلى أنه عندما ارتفعت معدلات التضخم تآكلت القوة الشرائية للعملة، وبالتالي فإن الأمر يستدعي الطباعة لتعويض فاقد القيمة.

واستبعد المصرفي عبد الرحمن خليل، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن تؤدي الطباعة إلى زيادة "الكاش" في البنوك، حيث إن السحب في كثير من الأحيان ليس للمضاربة وإنما لشراء الاحتياجات الضرورية للمواطن، خاصة أنها تتضاعف يومياً بارتفاع الأسعار.

وأكد ضرورة مواجهة التضخم المالي الحالي، باعتبار أنه يدفع العملاء إلى زيادة السحب. ووصف التضخم المالي بالظاهرة المزعجة، خاصة أنه ينعكس سلبياً على الاستثمار. واعتبر أن الطباعة ليست حلا دائما، من الأفضل البحث عن صيغة لإعادة الثقة بإلغاء القيود المقررة على السحب اليومي.

وقال الاقتصادي آدم إبراهيم لـ"العربي الجديد"، إن الدولة لجأت مرغمة إلى خيار الطباعة كبديل عن حذف الأصفار، كما حدث حينما تم حذف ثلاثة أصفار من فئة الألف جنيه سابقاً، إلا أنها كانت تجربة سلبية على أرض الواقع ولم تحقق المطلوب منها.

ورأى أنه كلما ارتفعت قيمة الورقة زادت نسبة التزوير في حال ضعف العلامات التأمينية، ما يمثل تهديداً للاقتصاد.

ولفت إبراهيم النظر إلى أن دورة التداول النقدي حتى الآن لم تعد إلى وضعها الطبيعي، حيث إن تغذية البنك المركزي وتوريدات العملاء ما زالت ضعيفة، ما يقلل فرصة إعادة ثقة العملاء في المنظومة المصرفية. ودعا إلى إزالة الفجوة بين سعري الدولار في "الكاش" و"الشيك"، فإذا لم تعالج هذه الظواهر فلن تحل مشاكل البنوك حتى لو تمت طباعة نقود بفئات كبيرة.

وشرع بنك السودان المركزي، العام الماضي، في طباعة ورقة جديدة من فئة الخمسين جنيهاً، لحماية العملة وتحقيق استقرار في سعر صرفها، ولكنه أبقى على سريان فئة الـ 50 جنيهاً القديمة ليتم سحبها تدريجياً من السوق. إلا أن البنك وضع خطة أخرى بتعديل التركيبة الفئوية للعملة وإلغاء بعض الفئات لتعزيز الثقة في الجهاز المصرفي، وفق بيانات صادرة عنه.

المساهمون