رفع الفائدة الأميركية:الخليج مستفيد والمقترضون أكبر الخاسرين

رفع الفائدة الأميركية:الخليج مستفيد والمقترضون أكبر الخاسرين

15 ديسمبر 2016
رفع الفائدة الأميركية (Getty)
+ الخط -
طرح قرار زيادة مجلس الاحتياط الفدرالي(المركزي الأميركي) رفع أسعار الفائدة على الدولار ربع نقطة مئوية، العديد من الأسئلة، سواء تلك التي تتعلق بالأسباب التي دفعت صانع القرار الأميركي لاتخاذ هذا القرار في هذا التوقيت بالذات أو تأثيرات الرفع على الاقتصاد العالمي وتحركات الأموال
من بين الأسئلة: ماذا يعني رفع الفائدة الأميركية، وما هي تداعيات الزيادة على الاقتصاد الأميركي والعالمي وكذا على السلع والمعادن وسوق العملات، وما تأثيرات الخطوة على الصعيد العربي؟ ولماذا كل هذا الاهتمام بعائد الدولار دون غيره من أسعار الفائدة التي تعلن عنها البنوك المركزية؟
في هذا التقرير تسعى "العربي الجديد" للإجابة عن هذه الأسئلة.
على الرغم من أن البنك المركزي الأميركي رفع الفائدة ربع نقطة، وهي نسبة ضئيلة، إلا أن تأثيراتها ستكون ضخمة على صعيد السوق الأميركي وأسواق العالم، حسب محللين، لضخامة السوق والاقتصاد الأميركيين وتأثير عملة الدولار على أسواق واقتصادات العالم، باعتبارها العملة الأولى في التجارة الدولية واحتياطيات البنوك المركزية.
وحسب خبراء مال في لندن، فإن أهمية سعر الفائدة الأميركية تنبع من أهمية الدولار كعملة تسوية دولية للصفقات وأكبر العملات لإصدار سندات الدين في داخل وخارج أميركا، كما أن الدولار يعد عملة الاحتياط الرئيسية في العالم، حيث يقدر نصيبه من احتياطات العملات الصعبة في البنوك المركزية بأكثر من 64%.
وهذا الرقم الضخم من الاحتياطي الدولاري في العالم يجعل من زيادة الفائدة الأميركية ذات تأثير كبير على قيمة هذه الاحتياطات، فالدول التي لديها مثل هذه الاحتياطات، مثل دول الخليج، ستكسب من ارتفاع معدل الفائدة الأميركية على صعيد أرصدتها الدولارية مقارنة بسعر صرف العملات الأخرى.
كما أن رفع الفائدة الأميركية يترجم لحظياً في أسواق الصرف العالمية برفع قيمة الدولار، وبالتالي فإن العملات المرتبطة بالدولار مثل العملات الخليجية سترتفع قيمتها مقابل العملات الأخرى، كما أن رفع الفائدة سيقود تلقائياً إلى ارتفاع الدولار مقابل عملات العالم.
في هذا الصدد، يلاحظ أن الدولار ارتفع في سوق الصرف العالمي مباشرة بعد قرار رفع الفائدة، حيث قفز، أمس، إلى حوالي 0.8% مقابل سلة من العملات، ليسجل أعلى مستوى منذ أوائل 2003، في الوقت الذي ارتفعت فيه عوائد سندات الخزانة الأميركية.
ومقابل الين، ارتفع الدولار مسجلاً أقوى مستوى منذ فبراير/ شباط. كما سجل اليورو أدنى مستوي له في 21 شهرا، مقترباً بذلك من أقل سعر له في 2015 البالغ 1.0457 دولار، وهو أضعف مستوى له منذ عام 2003.
لكن لماذا يرتفع الدولار حينما ترتفع الفائدة الأميركية؟
حسب خبراء عملات في لندن، فإن السبب في ذلك هو أن سعر الاقتراض للدولارات يصبح مرتفعاً، وبالتالي فإن الحصول على دولارات جديدة من قبل مستثمرين سيعني سداد سعر فائدة أكبر، ولذا فإن الفائدة المرتفعة تعني دائماً ارتفاعاً في سعر العملة والعكس.
وعلى صعيد سوق الأسهم الأميركية، فإن رفع الفائدة سيقود إلى انخفاض أسعار الأسهم في "وول ستريت"، التي شهدت ارتفاعاً جنونياً، في ما يشبه الفقاعة، بسبب مخاوف التضخم وهروب المستثمرين من أدوات العائد الثابت وعلى رأسها سندات وأذون الخزانة الأميركية.
أما في سوق أدوات العائد الثابت، فقد أدى رفع الفائدة على الدولار لحظياً إلى زيادة عوائد سندات الخزانة الأميركية ومعظم عوائد الأدوات "الثابتة العائد" المقيمة بالدولار، وذلك ببساطة لأن الفائدة المرتفعة ستقلل من نسبة التضخم الذي يؤدي إلى تآكل العائد الثابت.
على الصعيد العربي، يمكن القول إن تداعيات الفائدة المرتفعة على الدولار، ستكون مفيدة بالنسبة للدول النفطية، لأنها تحصل على مداخيلها بالدولار من مبيعات النفط.


وتترجم الفائدة المرتفعة في دولار مرتفع، وهو ما يعني أن فاتورة الواردات من آسيا وأوروبا ستكون أقل كلفة، مقارنة بما كانت عليه قبل خفض الفائدة، حيث إن دول الخليج التي تحصل على دخلها بالدولار، ستشتري باليوان أو الين أو اليورو، أو الجنيه الإسترليني وتدفع بالدولار المرتفع القيمة.
وبما أن الدولار ارتفع مقابل هذه العملات، فإن ذلك سيعني أنها ستدفع دولارات أقل لمشترياتها الخارجية.
ويمكن القول إن ميزان الحساب الجاري سيتحسن في دول الخليج بعد رفع الفائدة الأميركية، وخاصة أن دول الخليج تشتري معظم سلعها وخدماتها من آسيا وأوروبا وليس من الولايات المتحدة، كما أن دول الخليج ستستفيد من ارتفاع الفائدة في الحصول على عوائد أعلى لسنداتها الأميركية.
ويلاحظ أن معظم هذه الدول لديها رصيد كبير من سندات الخزانة الأميركية وسندات وأسهم ممتازة في البنوك الأميركية الكبرى.
لكن الدولار المرتفع إذا تواصلت قوته، فإنه سيسبب انخفاضاً في الطلب العالمي على النفط، لأنه سيرفع كلف شرائه في معظم دول العالم، وحسب خبراء نفط، فإن هذا العامل سيقود تلقائياً إلى التأثير على أسعار الخام، حسب معادلة العرض والطلب.
وكانت أسعار النفط قد استقرت، أمس، وسط توقعات بشح وشيك في السوق في 2017 بسبب تخفيضات الإنتاج المزمعة بقيادة أوبك وروسيا، وذلك بعد تراجعات حادة في وقت سابق إثر رفع الفائدة الأميركية الذي أدى إلى نزوح المستثمرين عن السلع الأولية.

وقال بنك ايه.ان.زد، يوم أمس، إن أسواق النفط ستنتقل إلى عجز كبير في الربع الأول من 2017 إذا مضت أوبك والمنتجون الآخرون بقيادة روسيا في تخفيضات الإنتاج التي أعلنوها والبالغ حجمها نحو 1.8 مليون برميل.
وأضاف البنك: "من المرجح أن يدفع هذا أسعار النفط إلى أعلى بكثير من 60 دولارا للبرميل أوائل العام القادم".
وعلى الصعيد السلبي، يؤثر الدولار على خدمة الديون المصدرة بـ"اليورو دولار"، أي على الدول الخليجية والشركات التي استدانت في السابق بالدولار.
ولكن تلاحظ "العربي الجديد" أن الديون الخليجية بالدولار ليست كبيرة، وباستثناء حكومة دبي وشركاتها، فإن الديون السعودية والخليجية الأخرى ضئيلة جداً بسبب الفوائض النفطية وصناديق الادخار السيادية.
أما على صعيد الدول العربية غير النفطية، فإن تأثير ارتفاع الدولار سيشكل عقبة كبرى لها، حيث أن سعر صرف عملاتها سينخفض أكثر مقابل الدولار المرتفع من جهة، ومن جهة أخرى، فإنها ستضطر هذه الدول لدفع أقساط أعلى على خدمة ديونها.
كما أن الدول العربية غير النفطية لن تتمكن من الحصول على الدولارات التي تحتاجها لتمويل عملية الاستيراد، وذلك ببساطة لأن الدولار المرتفع تصاحبه "شحة"، وعادة ما ترفض البنوك إقراضه لدول فقيرة.
ويلاحظ أن البنوك المركزية الخليجية رفعت،  معدل الفائدة بالنسبة نفسها، تماشياً مع السياسة النقدية الأميركية، لأن عملاتها مسعرة على قياس الدولار، عدا الكويت التي أجرت تغييراً في مقياس سعر عملاتها وباتت مرتبطة جزئياً بالدولار.
ويمكن القول إن رفع الفائدة الأميركية ربما تكون له مخاطر على النمو الأميركي، لأن الفائدة المرتفعة تقود إلى انكماش القوة الشرائية، وبالتالي تحد من نمو أعمال الشركات وربما تقود إلى انكماش الوظائف، لأن المستهلك حينما ترتفع الفائدة يخف اقتراضه، وبالتالي سيقلل من المشتريات.

المساهمون