تخفيض جديد للجنيه المصري؟

تخفيض جديد للجنيه المصري؟

05 ديسمبر 2018
الدولار الجمركي رفع أسعار السيارات في مصر (Getty)
+ الخط -
أعلن البنك المركزي المصري، الأسبوع الماضي، إنهاء العمل بآلية تحويل أموال المستثمرين الأجانب، مشيرا إلى أنه يتعين على تلك الاستثمارات التعامل دخولاً وخروجاً من خلال سوق الصرف بين البنوك "الانتربنك".

وبعد تثبيته لأربعة عشر شهرًا متتاليًا عند 16 جنيهًا، قررت وزارة المالية زيادة سعر الدولار الجمركي للسلع غير الضرورية والترفيهية، ليصبح مساوياً لسعر الصرف المعلن من البنك المركزي، على أن يتم تحديده في بداية كل شهر، بناء على متوسط سعره خلال الشهر المنتهي.

وجاء ارتباط القرارين بالدولار الأميركي، ليثير مخاوف المصريين من اقتراب موجة جديدة من التخفيض لسعر الجنيه المصري مقابل الدولار، خاصة بعد تعدد المؤشرات التي تؤيد ذلك الاتجاه، حيث بقيت معدلات الفائدة على أدوات الدين العام المصري، من أذون وسندات خزانة، عند مستوياتها المرتفعة قرب العشرين بالمائة، رغم التدخل الرسمي وغير الرسمي لكبح جماحها.

واستمر الدين العام، وبصفة خاصة الجزء الخارجي منه، في الارتفاع، حتى وصل إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، رغم إعلان الحكومة نيتها وضع سقف للاقتراض الحكومي، بالإضافة إلى استمرار انخفاض أسعار الأسهم المصرية منذ ما يزيد عن سبعة أشهر، حتى أن بعض الطروحات تم تأجيلها خوفاً من التأثر بالأجواء السلبية التي تخيم على البورصة المصرية في الوقت الحالي.

بعد اتخاذ القرارين، سمعنا من المسؤولين تفسيرات لهما، حيث أعلن محافظ البنك المركزي المصري، وفقاً لجريدة المصري اليوم، عدد الأربعاء 28 نوفمبر 2018، أن قرار إلغاء آلية تحويلات المستثمرين الأجانب يسهم في تدفق أموال صناديق الاستثمار إلى السوق المصرية مباشرة، وبالتالي يستفيد منها الاقتصاد بشكل أكبر وأسرع.

وهو ما يؤكد ما سبق إعلانه في أكثر من مناسبة، على استحياء، من أن دولارات الأجانب التي قاموا بتحويلها للدخول في أذون وسندات الخزانة المصرية، لا يتم ضخها في الأسواق، ولا تتم إضافتها إلى احتياطي النقد الأجنبي، ويتم الاحتفاظ بها بصورة مستقلة، تجنباً لتأثيراتها السلبية على سعر الجنيه مقابل الدولار في حالة خروجها من السوق المصرية.

أما القرار الثاني والخاص بتعديل طريقة احتساب سعر الدولار الجمركي، ليكون مرتبطاً بسعره في البنوك خلال الشهر المنتهي، وبحسب موقع مصراوي، فقد نُقل عن وزير المالية قوله إنه لا مبرر لاستمرار تمتع السلع الاستفزازية والترفيهية بسعر الدولار الجمركي المخفض.
ورغم تأييدي التام للقرارين، إلا أنهما، مع ما لحق بهما من تفسيرات، قد سببا لي الكثير من الانزعاج، أولاً لدلالاتهما في ما يخص ما مضى، ثم لما يكشفان عنه مما هو آت خلال الفترة المقبلة.
ففي ما يخص إلغاء آلية المستثمرين الأجانب، تؤكد لنا تصريحات محافظ البنك المركزي أن السوق المصرية لم تستفد بالدولارات التي دخلت إليها في أعقاب تعويم الجنيه المصري أواخر عام 2016، بدليل أن المركزي لم يستخدمها طوال تلك الفترة، لا عن طريق ضخها في الأسواق لزيادة المعروض من العملة الأجنبية، وبالتالي تخفيض سعرها الذي تجاوز ارتفاعه توقعات أكثر المتشائمين قبل تنفيذ التعويم، ولا عن طريق إضافتها إلى الاحتياطي الأجنبي والاستغناء بها عن الاقتراض الزائد عن الحد.

ولو أخذنا في الاعتبار أن البنك المركزي عمد في الفترة الماضية إلى تثبيت سعر الدولار مقابل الجنيه لدى البنوك، واتبع آلية المستثمرين الأجانب التي تضمن للأجانب شراء دولاراتهم عند الخروج خلال كل تلك الفترة، فإن ذلك يعني بصورة غير مباشرة أن البنك المركزي قد اقترض كل تلك المليارات من دولارات الاستثمار في أدوات الدين الحكومي بسعر فائدة الجنيه المصري، وغني عن البيان حجم التكلفة الرهيبة التي تحملتها خزانة الدولة.

أما موضوع التخلي عن السعر "المميز" للدولار الجمركي في ما يخص الواردات من السلع غير الضرورية والترفيهية الآن، فيقول لنا ببساطة إن الدولة كانت تدعم، على حسابنا جميعاً، أطعمة الكلاب والقطط المستوردة، حتى تصل إلى السوق المصرية بسعر "في متناول المواطن محدود الدخل"، منذ تعويم الجنيه المصري في نوفمبر 2016، وحتى لحظة إعلان القرار الأسبوع الماضي.

وفي ما يخص ما هو آت، فإن الدلائل تشير إلى قرب حلول موعد حلقة جديدة من مسلسل تخفيض قيمة الجنيه المصري، مع ما يعنيه ذلك من انخفاض آخر في قيمة ممتلكات أغلب المصريين، ومستويات معيشتهم، وهو الأمر الذي بدأ يشعر به مرة أخرى المواطن المصري، الذي لسعته نيران تعويم الجنيه قبل عامين، فصار ينفخ في كل علبة زبادي تتيحها له إمكاناته المادية المحدودة.

وحتى مع عدم اقتناع البعض بوجود علاقة مباشرة بين القرارين واحتمالات انخفاض قيمة الجنيه، فإن الواقع الذي نلمسه بأيدينا جميعاً، من استمرار العجز في الميزان التجاري، وعدم قدرة بقية بنود ميزان المدفوعات، من سياحة واستثمار أجنبي مباشر وغير مباشر ودخل قناة السويس وصافي تحويلات المصريين في الخارج، على تعويضه، يعني بصورة أكيدة استمرار إهدار ما نقترضه من الخارج في سد ذلك العجز، مضافاً إليه فوائد الدين الخارجي التي نتحملها، والتي تضيف وحدها إلى عجز ميزان المدفوعات ما يقرب من خمسة مليارات دولار كل عام، الأمر الذي سيؤدي بالضرورة إلى استمرار ضعف الجنيه المصري أمام الدولار.

وتبقى بعد ذلك نقطتان بديهيتان، يفترض في صانع القرار أن يلتزم بهما، أولهما أن يكون التخفيض التالي للجنيه المصري في حدود 10% -12%، ليصل بالدولار إلى مستوى يدور حول العشرين جنيهاً، وبذلك لا يتضرر المواطن المصري، صاحب المدخرات بالعملة المحلية، حيث إنه يتحصل على فوائد تفوق تلك النسبة، وبالتالي فهو ما زال رابحاً، والأخرى ألا يتم ذلك التخفيض قبل نهاية يونيو/ حزيران 2019، وذلك لتجنب التأثير السلبي على الموازنة العامة للدولة، والتي تتعرض بدورها لضغوط حالياً بفعل عدم واقعية بعض الافتراضات التي بنيت عليها في الأساس.

المساهمون