هل تقع إيطاليا في أحضان بكين بسبب "تسونامي" الديون؟

"تسونامي" ديون إيطاليا يهدد أوروبا...أميركا متخوفة من التداعيات

22 يونيو 2020
الحياة تعود ببطء إلى المعالم السيحية بروما (Getty)
+ الخط -

لم تكد إيطاليا تفلت من أزمة الديون التي اجتاحت منطقة اليورو في بداية العقد الحالي وكادت أن تفلس قطاعها المصرفي، خاصة بعد إفلاس دول ضعيفة بالقارة، حتى باتت أوروبا على حافة أزمة ديون جديدة، وهي تسونامي الديون الخطرة التي ربما تفجرها إفلاسات الشركات الإيطالية المحتملة وسط الضربات المتلاحقة لجائحة كورونا.

ويقدر مسح أجراه معهد الإحصاء الوطني الإيطالي في روما "ستات"، أن أكثر من نصف الشركات الإيطالية ستواجه أزمة نقص في السيولة، كما أن 38% منها ستواجه أزمة تشغيل وتمويل بنهاية العام الجاري. وشمل المسح 90 ألف شركة إيطالية، وهو ما يمثل عينة واسعة من الشركات الإيطالية.

وبالتالي هنالك مخاوف واسعة في أوروبا وأميركا، من أن تفجر إيطاليا قنبلة أزمة مالية جديدة في أوروبا، ربما ستقود تداعياتها إلى تفجر أزمة ائتمان في مصارف دول الاتحاد الأوروبي الغارقة بمستنقع الديون الإيطالية. وتقدر الديون المستحقة لهذه المصارف على إيطاليا بنحو 290 مليار يورو.

وحسب الخبير الاقتصادي والزميل بمركز الدراسات الأميركية "سنتر فور أميركان بروغرس"، سايمون كلارك، فإن أزمة إيطاليا المالية إذا تفجرت ستكون أكبر من أوروبا وستحتاج معالجتها إلى تريليونات اليورو، وبالتالي لا بد أن تتدخل الولايات المتحدة لحلها لأنها تهدد تماسك مشروع الاتحاد الأوروبي برمته.

ويحث كلارك في تحليله المنشور على موقع المركز، الإدارة الأميركية على الاستثمار في إيطاليا بإعادة بناء اقتصادها. وتعد إيطاليا من قطع الشطرنج المهمة في النزاع التجاري والاقتصادي والسياسي بين واشنطن وبكين لموقعها الاستراتيجي واهميتها الاقتصادية.

ويرى كلارك أن أوروبا تمكنت من احتواء أزمة إفلاس اليونان، لأن الاقتصاد اليوناني صغير الحجم مقارنة بالاقتصاد الإيطالي الذي يعد ثالث أكبر اقتصاد في أوروبا.

ويقدر حجم الاقتصاد الإيطالي بحوالى 2.1 تريليون دولار، حسب إحصائيات البنك الدولي في 2019. كما يقدر حجم ديون إيطاليا بنسبة 130% في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي حوالى 2.8 تريليون دولار.
وكانت شركة التقييم الائتماني الأميركية فيتش، قد أعربت في إبريل/ نيسان الماضي عن قلقها بشأن قدرة إيطاليا على خدمة الديون، كما توقعت أن ترتفع الديون الإيطالية بنهاية العام الجاري إلى 150% من إجمالي الناتج المحلي.

وتتخوف الولايات المتحدة من أن تقود أزمة المال في إيطاليا إلى وقوع روما في أحضان بكين، خاصة أن الحكومة الإيطالية قد وافقت على الانضمام إلى مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، التي تعمل واشنطن على إيقاف تمددها وتعتبرها من أكبر مهددات الهيمنة الأميركية في القرن الجاري.

كما تتخوف واشنطن كذلك من أن تقود الأزمة المالية في إيطاليا إلى تفتت الكتلة الأوروبية وتقديم دولها لقمة سائغة لتتقاسمها الصين وروسيا.

ويعتقد الخبير الاقتصادي كلارك، أن أية محاولة أوروبية لمعالجة الديون الإيطالية ربما ستقود إلى أزمة دستورية في ألمانيا، لأن الشعب الألماني يرفض تحمل ديون دول منطقة اليورو.

وتواجه إيطاليا أزمة مصرفية مستفحلة منذ عام 2011 ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة من حلها، وحتى الآن تتعامل معها الحكومة عبر حيل التمويلات القصيرة الأجل التي يمنحها البنك المركزي الأوروبي عبر برنامج شراء سندات الخزانة الإيطالية.

ويعد حجم الديون غير العاملة بالمصارف الإيطالية الأعلى في دول الكتلة الأوروبية، إذ يبلغ حوالى 7.0% من إجمالي الديون الإيطالية.

وتحمل المصارف الإيطالية حوالى 400 مليار يورو من سندات الدين الحكومية، كما أن هنالك العديد من الشركات الإيطالية شبه المفلسة التي أخذت قروضاً ضخمة من البنوك الإيطالية ولم تتمكن من سدادها خلال السنوات الماضية، وكل ما تفعله المصارف الإيطالية إعادة هيكلة هذه الشركات عاماً بعد عام.
ويتخوف محللون من تفاقم أزمة الديون الإيطالية، وتبعاً لذلك عدم قدرة شركاتها على تسديد الديون مع تقدم العام الجاري.

في هذا الشأن، يقدر اتحاد الأعمال التجارية الإيطالي " كونفوكوميرسيو"، أن 60% من المطاعم والأعمال التجارية الصغيرة في إيطاليا تواجه أزمة نقص في التمويل وأن 30% من المطاعم تشتكي من كلف تمويل عمليات التعديلات المطلوبة لتلبية متطلبات الإجراءات الصحية الجديدة لمقاومة انتشار فيروس كورونا.كما أن إيطاليا ستخسر هذا العام دخل السياحة. 

وعلى الرغم من فتح الحدود الأوروبية، فإن السياحة الإيطالية من غير المتوقع أن تدر دخلاً يذكر لإيطاليا خلال العام الجاري. وتشكل السياحة نسبة 13% من إجمالي الناتج المحلي الإيطالي، كما توفر وظائف لحوالى 4.2 ملايين موظف بالبلاد.

وبالتالي تعد السياحة من الماكينات الرئيسية في نمو الاقتصاد الإيطالي إذ نمت في العام الماضي بنسبة 2.8% في الوقت الذي انكمش فيه الاقتصاد بنسبة 2.4%. ولدى إيطاليا العديد من آثار الدولة الرومانية ودولة الفاتيكان والخصوصية الجاذبة لسياح العالم.

على الصعيد الصناعي تشير الإحصائيات الرسمية الإيطالية، إلى أن الدخل الصناعي تراجع في شهر إبريل/ نيسان الماضي بنسبة 46.9%، بينما تراجعت الطلبيات الصناعية بنسبة 49.9%. وتعمل الحكومة على إنقاذ الشركات الكبرى، إذ أن شركة فيات على وشك الحصول على قرض حكومي بقيمة 6.3 مليار يورو، وهو أكبر قرض تحصل عليه شركة سيارات في أوروبا. وهنالك آلاف الشركات التي تنتظر في الصف للحصول على القروض الحكومية.

وكانت حكومة رئيس الوزراء جوزيبي كونتي قد وعدت بتقديم تمويلات بقيمة 740 مليار يورو للشركات الإيطالية، ولكن لا يبدو أن هذا المبلغ يكفي لإنقاذ الشركات الإيطالية واحتياجاتها المالية المرتفعة. إذ حتى مايو / آيار الماضي بلغ عدد الشركات التي تقدمت بطلبات للقروض الحكومية 607.391 شركة ولم تلب الحكومة سوى نصف هذه الطلبات، حسب البيانات الإيطالية.

المساهمون