المستهلكون الأميركيون يدفعون المليارات ثمناً للحرب التجارية

المستهلكون الأميركيون يدفعون المليارات ثمناً للحرب التجارية

06 مارس 2019
تعريفات ترامب سببت مشكلات كبيرة للاقتصاد الأميركي (Getty)
+ الخط -

 

توالت تقارير صادرة عن مراكز بحثية كبيرة في الولايات المتحدة، تؤكد حدوث خسائر كبيرة للطرف الأميركي، بفعل التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب على الواردات من الصين، فيما تكشف وزارة التجارة الأميركية، اليوم الأربعاء، عن بيانات التجارة الدولية للعام الماضي 2018، والتي يتوقع أن تظهر أكبر عجز تجاري في تاريخ الولايات المتحدة.

وخلال اليومين الأخيرين فقط، أكدت دراستان حديثتان أن التكلفة المبدئية لتعريفات ترامب على الاقتصاد الأميركي تقدر بمليارات الدولارات، وأن أغلبها يتحمله المستهلك الأميركي.

وتتعارض المؤشرات الحقيقية، مع تأكيدات ترامب بأن الرسوم الجمركية المشددة التي فرضها على البضائع المستوردة إلى الولايات المتحدة، لا تؤثر على الاقتصاد الأميركي، معتبرا أن هذه الرسوم الجمركية تدر مليارات الدولارات على خزائن الدولة.

وأكدت دراسة أجراها خبراء اقتصاد في مجلس الاحتياط الفدرالي " البنك المركزي الأميركي" وجامعتي برينستون وكولومبيا، اطلعت عليها "العربي الجديد" أن "المستهلكين الأميركيين هم الذين يتحملون بشكل تام العبء الكامل للرسوم الجمركية".

وقامت إدارة ترامب في 2018 بفرض رسوم جمركية مشددة تتراوح بين 10% و50% على منتجات مستوردة إلى الولايات المتحدة بقيمة 300 مليار دولار.

ورد شركاء واشنطن التجاريون، وفي طليعتهم الصين، بتدابير مماثلة وفرضوا رسوما جمركية مشددة بمتوسط 16% على حوالى 121 مليار دولار من البضائع الأميركية.

ويرى خبراء الاقتصاد أن هذه الحرب الجمركية أقحمت الولايات المتحدة في أولى مشكلاتها المرتبطة بالسياسة الحمائية "على نطاق واسع" منذ الكساد الكبير في الثلاثينيات، مشيرين إلى أن التوترات الحالية تطرح تساؤلات حول مستقبل تكامل التجارة الدولية.

وأشارت الدراسة التي نشرتها جامعة برينستون الشهيرة في ولاية نيوجرسي، إلى حدوث زيادات كبيرة في أسعار المواد الوسيطة والمنتجات النهائية، بالإضافة إلى تغييرات ضخمة في شبكة سلاسل التوريد، لافتة إلى اختفاء الكثير من المنتجات المستوردة، بسبب ارتفاع تكلفتها، إثر التعريفات التي تم فرضها عليها، وتم تمرير أغلبها إلى المستهلك النهائي.

وأكدت الدراسة التي شارك في إعدادها ستيفان ريدينج من جامعة برينستون، وديفيد وينستاين من جامعة كولومبيا، وماري أميتي من بنك الاحتياط الفيدرالي بنيويورك، أن التعريفات التي تم فرضها على ما تقترب قيمته من 300 مليار دولار من الواردات الأميركية، يخص المنتجات الصينية منها ما يقرب من 250 مليار دولار، كلفت الشركات والمستهلكين الأميركيين حوالي 3 مليارات دولار من الخسائر المباشرة شهرياً، بالإضافة إلى 1.4 مليار دولار إضافية من الخسائر غير المباشرة.

كما كلفت رسوم ترامب الشركات الأميركية 165 مليار دولار في السنة بفعل إعادة توجيه العمليات التجارية وإعادة ترتيب سلاسل التوريد. ويحاول الباحثون المشاركون في إعداد الدراسة حالياً وضع تقدير كمي لحجم الاستثمارات التي تم تعليقها بسبب حالة عدم التيقن المنتشرة في الأسواق بفعل الحروب التجارية.

وأكدت دراسة أخرى، تم إعداد مسودتها الأولى في سبتمبر/ أيلول الماضي، ونُشرت نسختها المعدلة، يوم الأحد الماضي، على موقع جامعة كاليفورنيا، وشارك في إعدادها باحثون من جامعات كاليفورنيا وييل وكولومبيا والبنك الدولي والمكتب الوطني لبحوث الاقتصاد، أن التعريفات تم تمريرها بالكامل إلى سعر المُنتج المستورد، وأن الخسائر السنوية الناتجة من ارتفاع تكلفة الواردات للولايات المتحدة بلغت 68.8 مليار دولار، تمثل 0.37% من الناتج المحلي الإجمالي.

وأشارت الدراسة إلى أنه بعد حساب المكاسب التي يحققها المنتجون المحليون، الذين استفادوا من ارتفاع تكلفة الواردات، يكون صافي خسارة الرفاه الأميركي حوالي 6.4 مليارات دولار.

وأشارت الدراسة إلى أن أكبر ضحايا تعريفات ترامب هم المزارعون الأميركيون، والعمال من ذوي الياقات الزرقاء، في المناطق التي دعمت ترامب في انتخابات الرئاسة في 2016.

وتتكامل نتائج الدراستين مع دراسة صدرت الأسبوع الماضي، عن معهد التمويل الدولي، تقدر خسارة الصادرات الأميركية، بفعل التعريفات الانتقامية من الصين وحدها، بما يقرب من 40 مليار دولار، لتظهر بوضوح أن تعريفات ترامب سببت مشكلات كبيرة للاقتصاد الأميركي.

وستعلن وزارة التجارة الأميركية، اليوم الأربعاء، عن أرقام الصادرات والواردات الأميركية لشهر ديسمبر/كانون الأول 2018، بعد أن تسبب الإغلاق الحكومي، الذي بدأ في الثاني والعشرين من الشهر ذاته، وامتد لنحو 35 يوماً، في تأخر الإعلان عن موعده.

وانخفضت واردات الولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بنسبة 2.9%، كما انخفضت صادراتها بنسبة 0.6%. وفي 2017، عانت الولايات المتحدة من عجز في الميزان التجاري يقدر بحوالي 567 مليار دولار، تسببت الصين في ثلثيه، ومع إضافة الخدمات، يصل العجز في الحساب الجاري إلى أكثر من 850 مليار دولار.

ورغم نجاح التعريفات في إجبار كندا والمكسيك على التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة لدول أميركا الشمالية، المعروفة اختصاراً بـ"نافتا" بعد تعديلها، وإجبار كوريا الجنوبية على مراجعة شروط اتفاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة، وإجبار الصين على تقديم تنازلات ضخمة، كما تعهدها بزيادة وارداتها من الولايات المتحدة، إلا أن عجز الميزان التجاري ما زال حتى الآن مستعصياً على النقصان، وفق تقارير المؤسسات البحثية.

وتشير أغلبية التقديرات إلى وصول العجز في الحساب الجاري الأميركي بنهاية 2018 إلى 914 مليار دولار، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة.

وأرجع اقتصاديون استمرار اتساع العجز التجاري للولايات المتحدة، رغم فرض التعريفات الجمركية، إلى قانون الإصلاح الضريبي الذي أقره ترامب مطلع العام الماضي، كما سياسات البنك الفيدرالي الداعمة لمعدلات الفائدة المرتفعة، التي ساعدت على تقوية الدولار، الأمر الذي سمح لمئات الشركات، وملايين الأفراد من المستهلكين بزيادة مشترياتهم من البضائع المستوردة.

ويقول شيرمان روبينسون، كبير الزملاء في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي: "القضية أن العجز التجاري لا يتحدد بناء على تجارة السلع فقط، وإنما يتأثر بكافة مكونات الاقتصاد الكلي".

المساهمون