تونس: الاحتكار يدفع أسعار الخضروات إلى ارتفاع قياسي

تونس: الاحتكار يدفع أسعار الخضروات إلى ارتفاع قياسي

17 أكتوبر 2017
ارتفاع أسعار السلع الزراعية بتونس (Getty)
+ الخط -
تقف حكومة يوسف الشاهد عاجزة أمام الارتفاعات المتواصلة لأسعار المواد الزراعية في تونس والتي بلغت معدلات قياسية في الفترة الأخيرة، وأكد مزارعون لـ "العربي الجديد" أن أيادي خفية وراء اشتعال الأسعار، إذ إن أغلب المنتجات التي تخرج من المزارع في اتجاه أسواق الجملة تمر عبر مسالك توزيع السوق الموازية التي يحكمها التجّار المحتكرون.
وبات التونسيون مهدّدين في قوتهم، وسط توقعات أن تبلغ معدلات التضخم قبل نهاية العام الحالي 6 % مقابل 5.5 % في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي إذا لم تتمكن الحكومة من إيجاد الحلول العاجلة لكبح جماح الأسعار.
وعلى عكس قوانين السوق التي تجعل من العرض والطلب المحدد الرئيسي للأسعار، تواصل غلاء الخضروات والفواكه رغم أن الأسواق التونسية لا تعرف في مجمل المحافظات أي نقص في المواد الزراعية حيث يوفر المنتج المحلي أكثر من 97 % من حاجيات السوق من الخضر والفواكه مع اللجوء إلى الاستيراد لبعض السلع الزراعية، التي تعرف تراجعا على مستوى الإنتاج بحكم تقاطع الفصول على غرار البطاطا، حسب تقارير رسمية.
ويقول المزارع بمنطقة منزل تميم شمال شرقي البلاد، ياسين الصغير، لـ "العربي الجديد" إن السعر الأقصى للطماطم والفلفل التي يطرحها المزارعون في مناطق الإنتاج لا تتجاوز 700 مليم (نحو 0.291 دولار) للكيلو غرام الواحد في حين يصل هذا المنتج إلى المستهلك النهائي بـ 3 دنانير أي ما يعادل 1.25 دولاراً .
ويعتبر ياسين أن المزارع والمستهلك ضحيتا عمليات احتكار منظمة يلعب فيها أصحاب مخازن التبريد دوراً مهماً، مشيرا إلى أن انتشار مخازن تبريد الخضر والغلال خلق نوعا من "مافيا" المواد الزراعية، حيث يعمد أصحاب المخازن إلى اقتناء كميات كبيرة من مختلف المنتجات الزراعية ثم ضخها تدريجيا في السوق بأسعار يتفقون عليها مسبقا، في ما تقف الحكومة عاجزة عن إيجاد حلول للحد من هذه الظاهرة، حسب قوله.
وشهدت نسبة التضخم في أسعار السلع والخدمات لشهر سبتمبر/ أيلول الماضي تراجعا إلى مستوى 5.5 % بعد أن بلغت 5.7 % خلال أغسطس/ آب لتوقف تصاعد التضخم منذ بداية سنة 2017، وفق بيانات نشرها المعهد الوطني للإحصاء الحكومي . وارتفعت نسبة التضخم من 4.6 % خلال يناير/ كانون الثاني 2017 إلى 5.0 % خلال إبريل/ نيسان تبعها استقرار في مستوى 4.8 % خلال شهري مايو/ أيار ويونيو/ حزيران، ثم ارتفاع كبير في أغسطس/ آب الماضي. ويعزى هذا التطور بالأساس إلى الارتفاع المسجل في أسعار مجموعة التغذية والمشروبات والحبوب والخضر الطازجة بنسب كبيرة.
ويشتكي رئيس غرفة تجار الجملة، حسين عيساوي، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، من سوء توزيع للأرباح بين مختلف المشاركين في العملية الإنتاجية والتسويقية، مؤكداً أن السبب الرئيسي لارتفاع أسعار المواد الزراعية هو غياب كل أشكال المراقبة لمخازن التبريد داعيا إلى التدخل الحكومي لإحكام السيطرة على مسالك التوزيع، متوقعا مزيدا من ارتفاع الأسعار خاصة مع تواصل انحباس الأمطار.
وأبرز العيساوي أن تحرير الأسعار يجب أن يكون مدعوماً بآليات رقابة وتحسن المستوى المعيشي للمواطنين، حتى لا تتفاقم الأعباء على المواطنين، وفق تأكيده. وأشار إلى أن أكثر من 60 % من المنتجات الزراعية التي كانت تمر عبر المسالك الرسمية لسوق الجملة أصبحت تباع عبر السوق الموازية.
وأضاف المتحدث أن فقدان الحكومة سيطرتها على مسالك التوزيع أدى إلى تراجع حصيلة الرسوم على المنتجات، التي تدخل عبر أسواق الجملة الرسمية، مشددا على أن هامش الربح الذي يذهب إلى الوسطاء يمثل حاليا أضعاف ما يجنيه بقية المتدخلين في حلقة الإنتاج والتوزيع المنظمة.
ويبدو أن الارتفاع في أسعار الخضر والغلال لم يأخذ هدنة وهو متواصل منذ سنوات، وحسب إحصائيات قام بها معهد الاستهلاك لفارق الأسعار خلال 10 سنوات بين سنة 2005 و2015، تبين أن هناك ارتفاعا في أسعار اللحوم بحوالى 84 % والأسماك الطازجة بـ 68 % والغلال بـ 95 % والخضر بـ 85 %. واعتبر الخبراء والعاملون بالقطاع الزراعي أن السبب الأساسي في ارتفاع الأسعار هو أن معظم المواد تباع في المسالك الموازية، وحذروا من تأثر النظام الغذائي للتونسيين ولا سيما في ظل تراجع الطبقة المتوسطة من 80 إلى 67 % من إجمالي التونسيين.
وفي هذه الأثناء تواصل الحكومة فنون "التقشف والضغط على المصاريف الأساسية للمواطنين وسط تهديد حقيقي بتحول عاداته الغذائية وشحوب مائدته، حسب ما تشير إليه عديد الدراسات الصادرة عن معهد التغذية الحكومي.
واتخذت الحكومة عدة خطوات نحو تقليص الدعم خلال الفترة الماضية، وأعلنت وزارات الطاقة والتجارة والمالية في شهر يوليو/تموز الماضي عن تعديل في أسعار المحروقات، باستثناء غاز الطهو والنفط المسال، فضلا عن زيادة لا تقل عن 6% في أسعار مختلف أصناف السجائر المحلية والموردة. وتحاول الحكومة تغطية عجز الموازنة حيث لم تشفع لها القروض التي تحصلت عليها لتحقيق ذلك، في ظل الأعباء الكبيرة على المالية العمومية، نتيجة كتلة الأجور الضخمة وتعطل جزء من آلة الإنتاج المحلي المرتبطة أساساً بالطاقة والفوسفات.

المساهمون