تركيا تسعى لاقتناص فرص انكماش سلع الصين وإيران

تركيا تسعى لاقتناص فرص انكماش سلع الصين وإيران

27 فبراير 2020
تنوّع السلع التركية يسمح لها بالتمدد (الأناضول)
+ الخط -

 

مصائب قوم عند قوم فوائد... هكذا يمكن وصف حال الأسواق بعد انتشار فيروس كورونا الجديد في الصين وانتقاله إلى دول تحظى سلعها بحضور قوي في العديد من أسواق المنطقة العربية، منها إيران التي باتت منتجاتها مهدّدة بالانحسار، بينما يمثل الظرف الحالي فرصة في المقابل لدول أخرى لتتوسع في التصدير، ومنها تركيا التي لطالما ظلت المنافس الأكبر للسلع الصينية والإيرانية في أسواق مثل العراق، فضلاً عن حضورها الفعال في أغلب الدول العربية والأوروبية.

رأى أوزجان أويصال، الخبير الاقتصادي التركي، أن أمام بلاده "فرصة قلما تتكرر لتسد احتياجات الأسواق الأوروبية، بعد تعطل الإمدادات الصينية في كثير من المنتجات بسبب تفشي فيروس كورونا".

وأضاف أويصال لـ"العربي الجديد" أن "من المهم أن تقوم تركيا بتحصين حدودها من دخول الفيروس أولاً، وحسناً ما فعلت بعد إغلاق الحدود مع إيران التي تشهد تفشياً للوباء".

ووصلت قيمة صادرات تركيا خلال العام الماضي 2019 إلى نحو 180.5 مليار دولار، بزيادة بلغت نسبتها 6.8 في المائة عن العام السابق عليه الذي سجل 168.3 مليار دولار.

وتستحوذ دول الاتحاد الأوروبي على أعلى نسبة من إجمالي صادرات تركيا، لتأخذ نحو 49 في المائة من إجمالي الصادرات، مقتربة من عتبة 90 مليار دولار العام الماضي.

ورأى محمد نور الأتاسي، رجل الأعمال السوري، الذي يمتلك شركات للتصدير في تركيا، أن "تركيا قادرة إلى حدّ بعيد على سدّ احتياجات الأسواق الأوروبية واغتنام ما تسميه أوروبا عام الخطر"، مشيراً إلى أن اعتماد كثير من الشركات الأوروبية على التصنيع في الصين وعلى سلاسل الإمدادات هناك أدى إلى تراجع مخزون كثير من السلع في المتاجر والأسواق الأوروبية.

وقال الأتاسي لـ"العربي الجديد": "أتوقع أن تتجه الدول الأوروبية إلى الهند وتايوان والفيليبين، ولكن تبقى تركيا هي الأقرب، والفرصة الآن أمامها وأمامنا كتجار سانحة، لتزويد الأسواق بالمنتجات المطلوبة، وأهمها الألبسة والمنسوجات والمنتوجات البلاستيكية والخشبية والمعدنية ومواد البناء والمعدات الصناعية ومواد التجميل، وجميعها كانت تستوردها أوروبا من الصين".

بدوره اعتبر محمد كامل ديميريل، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في إسطنبول، أن "تفشي فيروس كورونا سيؤثر على الحلم الصيني تجاه أوروبا عبر طريق الحرير، الذي خصّصت له بكين نحو 150 مليار دولار، لتصل بضائعها مباشرة إلى الدول الأوروبية، فكورونا تسبب خلال الأيام الماضية في إغلاق كبير للمصانع في الصين".

وقال: "السلع التركية مرشحة لتكون بديلاً للمنتجات الصينية في الدول الأوروبية، ما سينعكس إلى أبعد من الاقتصاد"، مضيفاً: "تستطيع تركيا الاستفادة من اتفاقية الاتحاد الجمركي الأوروبي وهي عضو فيها وتذهب البضائع التركية لأوروبا من دون ضرائب، لتزيد انتعاش نحو مليون شركة صغيرة ومتوسطة في تركيا".

لكن محللين اقتصاديين يرون أنه رغم الفرص السانحة لتركيا في أوروبا، إلا أن أخذ مساحات من النفوذ الصيني في هذه القارة ليس سهلاً، خاصة أن الوجود الصيني لم يعد يقتصر على التصدير فقط، وإنما تمكنت الشركات الصينية من إنشاء أكثر من 2900 مشروع مشترك في دول الاتحاد الأوروبي، ونمت صادراتها بنسبة 14.7 في العامين الماضيين.

ومن المتوقع أن يزداد الوجود السلعي لتركيا في العديد من الدول العربية والخليجية، لا سيما العراق الذي ظلت السلع الصينية والإيرانية الأكثر سيطرة على أرض الأسواق فيه لسنوات طويلة، بينما حاولت المنتجات التركية مراراً اللحاق بهما.

ووفق خبراء اقتصاد، فإن انتشار كورونا في إيران، وعدم السيطرة عليه خلال الفترة المقبلة، من شأنهما أن يغلقا النوافذ القليلة، التي ظلّت مفتوحة أمام التجارة الخارجية الإيرانية، على ضوء العقوبات الأميركية، ومن أهمها الصين والعراق.

وفي الأساس، تأثر الاقتصاد الإيراني بتداعيات "كورونا" الاقتصادية، قبل أن يصل إليها، إذ تعدّ الصين مركز انتشار الفيروس الجديد، الشريك التجاري الأول لإيران، بينما ألحق "كورونا" بها خسائر اقتصادية فادحة. ويصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو 40 مليار دولار.

وبعد الصين، يشكّل جيران إيران الوجهات الرئيسية الأخرى لصادراتها، إذ تُشير البيانات الإيرانية إلى أن الصين والعراق والإمارات وتركيا وأفغانستان هي الوجهات الخمس الأولى للصادرات الإيرانية، لاستقبالها مجتمعة أكثر من 70 في المائة من هذه الصادرات.

ويأتي العراق في مقدمة الدول الجارة التي اتخذت إجراءات احترازية مشددة، منذ الخميس الماضي، منها منع السفر إلى إيران ودخول الوافدين منها ووقف الرحلات الجوية، وإغلاق منافذ حدودية.

ويتطلع العراق إلى بدائل عن المنتجات الإيرانية، بحسب عمر الجنابي، المحلل الاقتصادي العراقي، الذي أشار إلى أنه رغم إعلان هيئة المنافذ الحدودية العراقية أن التجارة مع إيران مستمرة، إلا أن تفشى كورونا في إيران سيؤثر على تدفق السلع، خاصة بعد وقف الرحلات الجوية، وحظر دخول الإيرانيين عبر الحدود.

وقال الجنابي لـ"العربي الجديد" إنّ البديل الأنسب اليوم هو الإنتاج التركي، نظراً إلى قرب المسافة وجودة وتنافسية السلع التركية من حيث الأسعار أيضاً، لافتاً إلى أن هناك مساعي تركية عراقية منذ عامين لرفع حجم التبادل من 16 مليار دولار إلى 20 مليار دولار وزيادة الشراكات والاستثمارات.

وأضاف: "قبل نهاية العام الماضي قالت منظمة تنمية التجارة الإيرانية إن طهران تسعى إلى رفع التبادل التجاري مع العراق إلى 20 مليار دولار سنوياً، مقارنة بنحو 13 مليار دولار حالياً"، لافتاً إلى أن إيران فرضت سيطرتها على معظم أسواق العراق، ما انعكس بشكل مباشر على الفائدة الاقتصادية لطهران.

وتعوّل إيران بشكل كبير على السوق العراقية، خاصة في ظل تهاوي صادراتها إلى أوروبا بسبب العقوبات الأميركية التي جاءت في أعقاب انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي، في مايو/ أيار 2018، التي تستهدف تصفير صادرات النفط وتجفيف منابع موارد النقد الأجنبي.

ووفق اقتصاديين أتراك، فإن اقتصاد بلادهم قوي وجاهز لإحلال البدائل أو بعضها في الأسواق التي أوقفت الاستيراد من الصين وإيران بشكل خاص، مشيرين إلى تنوع الإنتاج التركي.

وتظهر البيانات الرسمية أن المركبات التركية تستحوذ على النسبة الكبرى من الصادرات بنحو 13.9 في المائة، تليها الماكينات بنسبة 8.7 في المائة، والمجوهرات والمعادن الثمينة 8.5 في المائة، والإكسسوارات والملابس بمختلف أنواعها والمنسوجات 10.4 في المائة، والمعدات والآلات الكهربائية 5.5 في المائة، والحديد والصلب 4.3 في المائة، والمواد البلاستيكية 3.5 في المائة، والفواكه والمكسرات 2.7 في المائة، بينما تتوزّع النسب المتبقية على منتجات أخرى.

ووفق علي عثمان أكات، رئيس جمعية رجال الأعمال الأتراك والأميركان، فإن الشركات التركية من الممكن أن تزيد وجودها أيضاً في السوق الأميركية، عبر إمدادها ببعض المنتجات التي تستوردها الولايات المتحدة من الصين. وتستحوذ السوق الأميركية على نحو 5.2 في المائة من إجمالي الصادرات التركية لدول العالم، وفق البيانات الرسمية.

وقال أكات، في تصريحات صحافية قبل يومين: "أرى من المهم للشركات التركية المصنعة والمصدرة إظهار رد فعل سريع في هذا الصدد، واستغلال الفرصة المتاحة أمامها"، موضحاً أن "ثلث التجارة العالمية تقوم به الولايات المتحدة، وعلى رجال الأعمال الأتراك أن يكونوا أكثر نشاطاً ومبادرة". ودعا إلى "رصد الفراغ الحاصل في السوق الأميركية وتعويض النقص".

وتوقّع مصطفى غولتيبي، رئيس جمعية مصدري الملابس في إسطنبول، ارتفاع صادرات الملابس الجاهزة في تركيا بنسبة 10 في المائة، وسط تفشي فيروس كورونا في الصين، حيث تتأخر الشحنات منها.

المساهمون