ضغوط غربية على الجزائر لزيادة مساهمات الأجانب في المشروعات

ضغوط غربية على الجزائر لزيادة مساهمات الأجانب في المشروعات

01 يونيو 2016
مصنع لتجميع سيارات رينو الفرنسية في الجزائر (فران برس)
+ الخط -
تجدّدت الدعوات الغربية لتخلي الجزائر عن وضع سقف لنسب مساهمات الأجانب في المشروعات الاستثمارية، فيما لا تُبدي الحكومة أي نية لإدخال أي تعديل على ما تصفها بـ"الثوابت" الحامية للسيادة الاقتصادية. 
وأعادت جوان بولاشيك، سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في الجزائر، إحياء الجدال حول القاعدة المنظِّمة للاستثمارات الأجنبية المعروفة بـ"51 ـ 49"، حيث دعت إلى ضرورة التخلي عن هذه القاعدة الاقتصادية التي تراها "عقبة" في وجه رجال الأعمال الراغبين في الاستثمار بالجزائر.
وتنضم الولايات المتحدة إلى قائمة دول عدة على رأسها فرنسا والاتحاد الأوروبي عموماً، الذين لم يخفوا تحفظهم حول هذه القاعدة الاقتصادية.
وتقضي القاعدة "51 ـ 49" بأنه "لا يمكن إنجاز الاستثمارات الأجنبية، إلا في إطار شراكة تمثل فيها المساهمة الوطنية بنسبة 51% على الأقل من رأس المال"، بينما لا تتخطى المساهمات الأجنبية 49%. وجاء إقرار هذه القاعدة الاقتصادية، بموجب قانون الموازنة العامة لسنة 2009، بعد أن تضمنها قانون الاستثمار.
وفي مواجهة الضغوط من الدول الغربية، لا تُبدي الحكومة الجزائرية نية لإدخال أي تعديل على هذه القاعدة الاقتصادية، حيث قال رئيس الوزراء، عبد المالك سلال، في تصريحات صحافية، يوم الأحد الماضي، إن "هذه القاعدة لا تعرقل الاقتصاد، وإنما بالعكس تحمي الاستثمار".
واستطاعت الجزائر عن طريق تطبيق هذه القاعدة بسط يدها على العديد من الشركات الضخمة، بعد أن حاز الأجانب على أغلب الحصص فيها، ومنها شركة "الحجار" للحديد والصلب، التي كانت مملوكة بنسبة 71% لعملاق صناعة الحديد الهندي "أرسيلور ميتال" حتى عام 2013، قبل أن تشتري الجزائر 22% من حصة الشريك الهندي مقابل مليار دولار، لترتفع المساهمات الوطنية في الشركة إلى 51%.
الشيء نفسه تم بعد ذلك مع شركة الاتصالات "أوراسكوم تيليكوم الجزائر"، بعد أن اقتنت الجزائر 51% من رأسمال الشركة بقيمة 2.66 مليار دولار، تم دفعها لمجموعة "فيمبلكوم تيليكوم" الروسية.
ويرى جلول جودي، النائب البرلماني عن حزب العمال، أن "هذه القاعدة صمام أمان للسيادة الوطنية، وهي الضامن لعدم انهيار الاقتصاد الجزائري تحت سطوة الرأسمالية المهيمنة".
ويشير النائب عن الحزب اليساري المعارض إلى خطورة إلغاء أو تعديل قاعدة "51 ـ 49"، واصفا ذلك بـ"التنازل عن قاعدة سيادية".
لكن مع تهاوي إيرادات البلاد من بيع النفط، التي تشكل 96% من عائدات الجزائر، تسعى الحكومة إلى تنويع الاقتصاد من خلال الاستثمار في قطاعات أخرى، على غرار الصناعة والتجارة والفلاحة (الزراعة) والخدمات.
وبحسب محمد سعداوي، النائب عن جبهة التحرير الوطني صاحبة الأغلبية البرلمانية، فإنه يمكن فرض القاعدة على المجالات الحساسة، كالصحة والطاقة والمناجم والدفاع، وترك القطاعات الأخرى للتفاوض بين الطرفين.
وتسعى الحكومة إلى إسقاط القاعدة المنظمة للاستثمارات مع الأجانب، من مشروع قانون الاستثمار الجديد المعروض على البرلمان حالياً، مع الإبقاء على القاعدة في قانون الموازنة العامة للبلاد أو ما يعرف بـ"قانون المالية"، وهي الخطوة التي يعتبرها سعداوي "تتماشى مع سياسة خصخصة جديدة غير معلن عليها، ستمس كل الشركات الجزائرية الكبرى الناشطة في مجال الأدوية والمناجم والحديد والصلب".

ويقول: "إذا استطاع الطرف الجزائري أخذ أكثر من 51% من حجم الاستثمارات، فمرحبا بذلك. لماذا نلغي مشروعاً قد يكون مربحاً لا لسبب سوى أن الطرف الجزائري لا يحوز على 51% منه؟".
ويرى المراقبون للوضع الاقتصادي في الجزائر، أن الحكومة مجبرة اليوم بقوة المؤشرات الاقتصادية المتراجعة، على تغيير "عقيدتها الاقتصادية"، لزيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي استقرت عند 2.6 مليار دولار عند نهاية 2015.
ويقول عمر دحماني، الباحث في الشؤون الاقتصادية، إن "ارتفاع نسبة مساهمة الطرف الجزائري في الاستثمارات لا يمكن أن يعني بالضرورة تحقيق السيادة الوطنية".
ويرى دحماني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "القاعدة الاقتصادية المنظمة للاستثمارات الأجنبية لم تستطع أن تحقق السيادة والتحكم الاقتصادي الذي وعدت به الحكومة، بل لم تحقق حتى الاستثمار النافع، لذا يمكن لاستثمارٍ أجنبي 100% في بعض الأحيان أن يكون أفضل من استيراد سلعٍ أو أن تتدخل الدولة وتضخ أموالاً دون مقابل".
وأدت قاعدة "51 ـ 49" إلى تجميد العديد من ملفات الاستثمارات الأجنبية في البلاد، ودفعت بالكثير من الأجانب إلى التريث قبل دخول الجزائر، كما هو حال المُصنّع الفرنسي "بيجو"، الذي توقفت المفاوضات بين إدارته والحكومة الجزائرية، حسبما علمت "العربي الجديد" من مصادر داخل وزارة الصناعة الجزائرية، بسبب رفض الطرف الفرنسي حصر حصته في 49% من مصنع تجميع السيارات المنتظر تشييده.
وفي السياق، يرى كمال كودار، مدير مكتب الاستشارات الاقتصادية والمالية "إس إم جي اتش"، أن "الانتقادات الموجهة من الجانب الفرنسي والألماني وأخيراً الأميركي لقاعدة (51 ـ 49) هي انتقادات مشروعة".
ويعتبر كودار، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذه القاعدة "تعرقل تدفق الأموال الأجنبية إلى الجزائر"، مضيفا أنها "قدمت صورة سيئة عن الجزائر، حيث كان هناك أجانب يحوزون على أغلبية الحصص في شركات مختلطة، وبين ليلة وأخرى أصبحوا يحوزون على أقل من نصف الحصص، وهي أمور تزيد من غموض المشهد الاقتصادي في الجزائر".
ويتساءل نبيل جمعة، الخبير الاقتصادي، في اتصال مع "العربي الجديد": "هل جميع الدول الأخرى فرّطت في سيادتها بما أنها لم تعتمد على هذه القاعدة؟ وهل استطاعت الجزائر منذ أن تم إقرار هذه القاعدة في 2009 أن تخفض من وارداتها وأن تفك ارتباط اقتصادها بالريع النفطي؟".
ويقول جمعة إن الحكومة تستعمل خطاباً يعود إلى المرحلة الاشتراكية حين تتكلم عن السيادة الاقتصادية، بينما يجب تحرير الاقتصاد من مثل هذه القيود "السياسية" أكثر منها "اقتصادية" وألا نجعل من هذه القاعدة "الشجرة التي تغطي الغابة"، وخاصة أن دول الجوار تقدم امتيازات لا تُقدّر ولا تحصى للأجانب.
ويمر الاقتصاد الجزائري يصعوبات هي الأكثر حدة منذ نحو 17 عاما، حيث تهاوت مداخيل الطاقة بنسبة 70%، ما أدى إلى تسجيل عجزٍ قياسي في الخزينة العمومية للبلاد بلغ 14 مليار دولار في الشهرين الأول والثاني من العام الحالي 2016، وفق البيانات الرسمية.