احتواء عجز الموازنة اللبنانية يتحدّى "عضلات" السلطة

بسبب الفساد والهدر... احتواء عجز الموازنة اللبنانية يتحدّى "عضلات" السلطة

29 يونيو 2019
ضغوط داخلية وخارجية هائلة تُربك حكومة الحريري (الأناضول)
+ الخط -
يتسبب الهدر والفساد وسوء الإدارة الكثيرة والمتشعّبة في لبنان، في إضعاف قدرة السلطة على احتواء عجز الموازنة العامة وفقاً للأهداف المرسومة في مشروع 2019، لتصبح مسألة غير قابلة للتحقّق، رغم الإشادة "الحذرة" التي سمعها المسؤولون أمس من وفد البنك الدولي.

ولا تخلو كل تصريحات التشجيع المتواترة من هنا وهناك، من تحذيرات ورهان على ضبط الإنفاق وترشيده وتعزيز الجباية وإيرادات الخزينة العامة، وهي تبدو شروطاً لا تقنع أحداً بأن الحكومة ستستطيع الوفاء بالتزاماتها.

وتفترض الحكومة في مشروع موازنة 2019، الذي تدرسه لجنة المال والموازنة النيابية حالياً قبل إحالته على الهيئة العامة لمجلس النواب بغية إقراره ليصبح ساري المفعول، أن العجز سينخفض من أكثر من 11% عام 2018 إلى 7.59% نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي عام 2019، وهو ما يشدّد رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير ماليته علي حسن خليل على ضرورة التمسّك به، من أجل إقناع مانحي مؤتمر "سيدر" بصرف أموال مشاريع في كافة القطاعات تفوق قيمتها 11 مليار دولار بين هبات وقروض.
ورغم الافتراض السابق للحكومة، إلا أن الشكوك كبيرة جداً من الداخل والخارج، بالقدرة الإصلاحية لطبقة سياسية ألِفَ أداءها اللبنانيون منذ انتهاء الحرب الأهلية وانطلاق مسيرة الإعمار بداية تسعينيات القرن العشرين.



في هذا السياق يندرج تقرير صادر عن وكالة التصنيف الأميركية "فيتش رايتينغز" Fitch Ratings الدولية هذا الأسبوع، واعتبرت فيه خفض العجز إلى 7.59% أمراً بعيدَ المنال في ظل الركود الاقتصادي السائد، وعدم فعالية جباية الضرائب، والتحديات المختلفة التي قد تَعوق معالَجة التكاليف الباهظة التي تتكبدها الحكومة من جراء التوظيفات وزيادة سلسلة الرتب والرواتب الأخيرة في القطاع العام.

لكن الوكالة تتوقع مع ذلك، تراجعاً لعجز الموازنة إلى 9% للعام 2019، مع استبعادها تطبيق مشروع قانون الموازنة المقترَح كاملاً، وتأكيدها وجوب خفض العجز إلى 5.5% بالحد الأدنى من أجل التوصل إلى استقرار في معدل الدين العام المقدّر بنحو 151% من الناتج الإجمالي، الأمر الذي يتطلب، برأيها، إصلاحات مالية وهيكلية إضافيّة.

والأخطر من تقرير "فيتش" ما ذهبت إليه "موديز إنفستورز سيرفيس" يوم الثلاثاء، من أن تباطؤ التدفقات الرأسمالية وتراجع نموّ الودائع يعزّزان احتمال تحرّك الحكومة لاتخاذ تدابير، تشمل إعادة هيكلة الدين أو إجراءً آخر لإدارة الالتزامات ربما يشكل تخلفاً عن السداد، وهو ما عاجله وزير المالية بالرد قائلاً إن "الأمور تحت السيطرة".
"رويترز" نقلت عن "موديز" يوم الخميس قولها: "رغم ما تضمنه مشروع موازنة 2019 من إجراءات للضبط المالي، فإن تباطؤ التدفقات الرأسمالية وضعف نموّ الودائع يعززان احتمال اتخاذ الحكومة إجراءات تشمل إعادة هيكلة للدين، أو إجراءً آخر لإدارة الالتزامات قد يشكل تخلفاً عن السداد بموجب تعريفنا".

وتشكل أزمة عدم كفاية إنتاج الكهرباء وضعف الجباية في هذا القطاع، واحداً من أبرز التحديات الإصلاحية، إذ ينقل التقرير الأسبوعي الصادر عن "بنك الاعتماد اللبناني" أمس الجمعة، عن الإحصاءات الشهريّة لوزارة المالية زيادة سنوية قدرها 428.29 مليون دولار عام 2018 في تحويلات الدولة إلى شركة "كهرباء لبنان"، التي ارتفع مجموعها إلى 2647.26 مليار ليرة تعادل 1756.1 مليون دولار العام الماضي، صعوداً من 2001.62 مليار ليرة تساوي 1327.8 مليون دولار سنة 2017.

وفعلت هذه التحويلات فعلها في عجز الموازنة العامة السنة الماضية، إذ تشير أحدث إحصاءات وزارة المالية هذا الأسبوع، إلى ارتفاع العجز الإجمالي إلى 6.25 مليارات دولار عام 2018، مقارنةً بعجز بلغ 3.76 مليارات في العام السابق.

والمؤشر الأكثر سوءاً أن الرصيد الأوّلي للموازنة سجّل عجزاً بلغ 636 مليون دولار، مقابل فائضٍ 1.43 مليار دولار سنة 2017، على ضوء تدنّي إيرادات الدولة 0.68% سنويّاً إلى ما دون 11.55 مليار دولار، وارتفاع نفقاتها 15.68% إلى أكثر من 17.79 ملياراً.
وجاء تراجع الإيرادات نتيجة انكماش الإيرادات غير الضريبية 11.46% إلى 2.27 مليار دولار، وانحسار إيرادات الاتصالات 16.63% إلى 1.07 مليار دولار.

في المقابل، كان واضحاً تحميل الاقتصاد والمواطنين مزيداً من الأعباء الضريبية، إذ ارتفعت إيرادات الضرائب 3.11% عام 2018 متجاوزة 8.47 مليارات دولار، مع نموّ إيرادات ضريبة القيمة المُضافة 10.51% إلى 2.55 مليار.



وبين ضغوط المجتمع الدولي، ممثلاً أساساً بصندوق النقد والبنك الدوليين، من جهة، والضغوط السياسية والنقابية في أروقة الحكومة ومجلس النواب والشارع من جهة أُخرى، يرتفع مستوى التحدّي لقدرة مؤسسات الدولة على الضبط المالي ولجم الفساد وإهدار المال العام، وعدم تحميل الشعب الثمن الباهظ لإهداء المانحين تدابير تقشفية، على حساب "جيبة" المواطن الرازح أصلاً تحت أعباء معيشية قاسية.

دلالات

المساهمون