خفض الفائدة يرفع الرهن العقاري لمستويات قياسية في روسيا

خفض الفائدة يرفع الرهن العقاري لمستويات قياسية في روسيا

15 اغسطس 2017
ركود عقاري في روسيا رغم زيادة القروض (Getty)
+ الخط -
دفع تحسن الأوضاع الاقتصادية في روسيا واستمرار المصرف المركزي في خفض سعر الفائدة الأساسية، إلى ارتفاع معدل منح قروض الرهن العقاري إلى مستويات قياسية تاريخياً بلغت 155 مليار روبل (أكثر من 2.5 مليار دولار) في يوليو/تموز الماضي.

وحسب بيانات "وكالة الرهن العقاري"، فإن المصارف الروسية منحت خلال النصف الأول من العام، أكثر من 423 ألف قرض بقيمة إجمالية حوالي 773 مليار روبل (13 مليار دولار تقريبا)، مسجلة زيادة نسبتها 16 % مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، ومتجاوزة معدلات عام 2014. ويشير تقرير صادر عن "وكالة الرهن العقاري" كذلك إلى تحسن جودة حقيبة قروض العقارات، إذ بلغت نسبة الدفعات المتأخرة لأكثر من 90 يوما، 2.5 % فقط من إجمالي القروض، بينما كانت نسبة القروض المتعثرة تماما تبلغ 3 % قبل عام.

وتوقع معدو التقرير الذي اطلع عليه "العربي الجديد"، أن يتجاوز عدد قروض الرهن العقاري الممنوحة في روسيا في عام 2017، مليون قرض بقيمة إجمالية 1.8 تريليون روبل (حوالي 30 مليار دولار)، وهو أعلى رقم في تاريخ سوق الرهن العقاري الروسي. 

أكبر خفض للفائدة

وكان خفض سعر الفائدة الأساسية وما تلاه من انخفاض الفوائد على قروض الرهن العقاري محركا أساسيا لانتعاش هذه السوق. وأعلن "سبيربنك"، أكبر مصرف في روسيا، في أغسطس/آب الجاري، عن أكبر خفض آخر لأسعار الفائدة، لتتراوح بين 7.4 و10 % عند شراء العقارات بالمباني الجديدة، وبين 9 و10 % بالسوق الثانوية مقابل 10 - 12 % حاليا، كما تم تخفيض المقدم إلى 15 % فقط من قيمة الشقة. ويعتبر "سبيربنك" مصرفا رائدا في روسيا في مجال الرهن العقاري، إذ منح خلال الفترة من كانون الثاني إلى يوليو/تموز من العام الجاري، قروضا عقارية بقيمة 480 مليار روبل (حوالي 8 مليارات دولار).

ومع ذلك، لا تزال سوق الرهن العقاري في روسيا تعاني من مشكلات ناجمة عن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ عام 2014 على إثر مواجهتها صدمتي تدني أسعار النفط والعقوبات الغربية بسبب الوضع في أوكرانيا. ومن بين هذه المشكلات، تعثر بعض المقترضين عن سداد دفعات قروضهم، ناهيك عن أزمة المقترضين بالعملة الصعبة الذي تحول حلمهم بامتلاك سكن إلى كابوس بعد انهيار قيمة الروبل الروسي وارتفاع قيمة الأقساط بالعملة الصعبة بمقدار الضعف بما تعادله بالعملة الروسية.

ودفع هذا الوضع بالحكومة الروسية إلى تمديد برنامج دعم المقترضين المتعثرين عن طريق تخصيص ملياري روبل (حوالي 33 مليون دولار) لتحمل الدولة جزءا من أقساطهم وإعادة هيكلة ما لا يقل عن 1300 قرض.

ومن المقرر أن يشمل البرنامج المقترضين الذين تراجعت دخولهم بنسبة تزيد عن 30 % وأصحاب القروض بالعملة الصعبة في حال ازدادت قيمة أقساطها بنسبة أكثر من 30 % جراء تراجع الروبل.

وتعتبر قضية المقترضين بالعملة الصعبة حساسة للغاية في روسيا، إذ إنها عرّضت عشرات آلاف الأسر لخطر التشريد. وفي الوقت الذي ترى فيه المصارف أن هؤلاء اختاروا تحمل مخاطر تذبذب أسعار الصرف بكامل إرادتهم، يدعو "أسرى المصارف" إلى تقاسم عادل للمخاطر بين العملاء والمصارف والدولة، وينظمون فعاليات احتجاجية بشكل مستمر، وحتى أعلنوا اعتصاما وإضرابا عن الطعام بجوار أحد المصارف وسط موسكو مؤخرا. 

استمرار تراجع الأسعار

كان قطاع العقارات من أكبر المتضررين من أزمات الاقتصاد الروسي، إذ تراجع سعر المتر المربع في عقارات موسكو من أكثر من 5 آلاف دولار في عام 2013 إلى نحو 2800 دولار حاليا وسط توقعات بأن تسفر الفجوة بين العرض والطلب عن مزيد من تراجع الأسعار بالروبل حتى.

وعلى الرغم من انخفاض الأسعار، لا يزال شراء شقة في موسكو خارج متناول أغلب السكان، إذ تشير دراسة صادرة عن شركة "إنكوم" للعقارات إلى أن الشخص الذي يتقاضى راتبا متوسطا بواقع 1300 دولار، يحتاج إلى الاستمرار في الادخار لمدة 14.5 عاما لشراء شقة مكونة من غرفة واحدة أو 18.5 عاما لشقة مكونة من غرفتين.

وبذلك، يجد الراغبون في شراء سكن أنفسهم أمام خيارين، إما الاقتراض والاستمرار في سداد أقساطه لسنوات طويلة، وإما ادخار أكبر مقدم ممكن للحد من مدة القرض وانتظارا لمزيد من انخفاض الأسعار. 

فائض المعروض

ويوضح مركز "مؤشرات سوق العقارات" للتحليل والاستشارات، أن عدد المباني الجاري إنشاؤها في موسكو يفوق الطلب عليها كثيرا، بينما سيؤدي برنامج تجديد المباني القديمة والمتهالكة إلى طرح ملايين الأمتار المربعة من المباني الجديدة في السوق، مما سيترجم في زيادة الفجوة بين العرض والطلب وليس تقليصها، ومزيد من تراجع الأسعار.

وحسب تقرير صادر عن المركز، فإنه وسط استقرار نسبي للأوضاع الجيوسياسية والاقتصادية، أصبح الفائض في العرض عاملا رئيسيا يحدد الأسعار بسوق العقارات.

وأوضح التقرير أن معروض الشقق في المباني الجديدة في موسكو وضواحيها ارتفع من 4 إلى 5 ملايين متر مربع في أعوام 2011 و2012 و2013 إلى 7.5 ملايين بحلول بداية عام 2017 وسط توقعات باستكمال مشاريع جديدة وطرحها بالسوق في السنوات المقبلة.

على مدى الفترة الأخيرة، عكست مؤشرات الاقتصاد الروسي استمرار تكيفه مع واقع العقوبات الغربية وتدني أسعار النفط، وسط عودة الناتج المحلي الإجمالي إلى النمو، وانخفاض معدل التضخم إلى مستوى 4 %، وخفض سعر الفائدة الأساسية إلى 9 %، وارتفاع الاحتياطات الدولية الروسية إلى أكثر من 420 مليار دولار لأول مرة منذ نهاية عام 2014. إلا أن ثمة إجماع بين خبراء العقارات أن تحسن الأوضاع الاقتصادية لن ينهي ركود سوق العقارات، بل سينقذها من مزيد من التراجع بفضل زيادة حصة قروض الرهن العقاري.

ويعاني الاقتصاد الروسي منذ عام 2014 من أزمات عاصفة جراء مواجهته صدمتين خارجيتين في آن معاً تمثلتا في تدني أسعار النفط والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب الوضع في أوكرانيا. وكانت سوق العقارات من أكبر المتضررين من جراء هذا الوضع، قبل أن تبدأ الظروف الاقتصادية تتحسن في النصف الثاني من العام الماضي، وسط استقرار أسعار النفط عند مستوى أكثر من 50 دولاراً للبرميل دون أن يحدث ذلك الانفراجة المتوقعة بسوق العقارات. 

ارتفاع حصة الرهن

وكان نائب رئيس اتحاد الوسطاء العقاريين في روسيا، قسطنطين أبريليف، قد رأى في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد" أن خفض الفائدة الأساسية أسفر عن ارتفاع حصة الرهن العقاري في إجمالي عدد الصفقات دون أي زيادة تُذكر في الطلب بشكل عام، ليبقى الطلب على العقارات بمنأى عنه عن مستويات ما قبل الأزمة.

يذكر أن وتيرة ارتفاع أسعار العقارات في موسكو بدأت في الازدياد في العقد الأول من القرن الـ 21، مدفوعة بارتفاع أسعار النفط وتحول العاصمة الروسية إلى مركز اقتصادي عالمي. لكن بعد عام 2005، تحولت هذه السوق إلى "فقاعة"، إذ لم يعد معدل ارتفاع الأسعار يتناسب مع القوة الشرائية الفعلية لأغلبية السكان، قبل أن تعيدها الأزمات الحالية إلى مستويات تعكس أوضاع الاقتصاد الروسي بواقعية أكبر.