تونس: مطالبات عمالية بزيادة كبيرة في الرواتب والحكومة عاجزة

تونس: مطالبات عمالية بزيادة كبيرة في الرواتب والحكومة عاجزة

01 مارس 2015
ارتفاع البطالة وتزايد الأسعار يفاقمان الأوضاع بتونس(أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -


يترقب نحو 750 ألف موظف عمومي في تونس زيادة رواتبهم، بعد أن أمضت الحكومة والاتحاد العام للشغل (العمل) اتفاقا إطاريا للشروع في مفاوضات تتعلق بهذه الزيادة، التي قد تدفع الحكومة إلى الاستدانة خارجيا وفق خبراء اقتصاد لتلافي ضغوط اجتماعية تفاقمت خلال السنوات الثلاث الماضية، بسبب تأزم الوضع الاقتصادي للبلاد.

وبينما تسعى الحكومة الجديدة إلى خفض الإنفاق العام لتقليص حجم العجز في موازنتها، يطالب

اتحاد الشغل الذي يتمتع بتأثير قوي بزيادة في الأجور تصل إلى 6%.

وتبلغ قيمة الأجور في ميزانية 2015 ما قدره 11.19 مليار دينار (5.76 مليارات دولار)، من إجمالي ميزانية الدولة المقدرة بنحو 29 مليار دينار (14.9 مليار دولار).
وأعرب اتحاد الشغل عن تمسكه بالزيادة في الرواتب للحد من تدهور القدرة الشرائية، التي أدت إلى تآكل جزء من الطبقة المتوسطة.

وأجرى الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، حسين العباسي، طيلة الأيام الماضية مشاورات مكثفة التقى خلالها رئيس الحكومة الحبيب الصيد، وكذلك رئيس مجلس نواب الشعب، محمد الناصر.

ودعا الاتحاد مجلس نواب الشعب إلى الإسراع في إعداد قانون مالية تكميلي، يتضمن اعتمادات بزيادات الأجور في القطاع العام والوظيفة العمومية، فيما تواجه الحكومة الحالية في ظل شح الموارد العديد من الصعوبات لإيجاد اعتمادات إضافية.

لكن عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام للشغل، بوعلي المباركي، اعتبر في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن الحكومة غير مطالبة بالبحث عن موارد جديدة لزيادة رواتب الموظفين.
 
وقال المباركي "نقترح توظيف احتياطي وفوائض مشاريع التنمية غير المنجزة بنسبة تفوق 65%، والتي تم رصدها في ميزانيات 2012 و2013 و2014"، مشيرا إلى أن هذه الاعتمادات كافية لتحقيق زيادة محترمة في أجور موظفي القطاع العمومي، وإحلال السلم الاجتماعي للسنوات الثلاث القادمة على الأقل.

في المقابل يرى الخبير الاقتصادي، عز الدين سعيداني، أن زيادة الأجور بنسبة 6% كما يطالب الاتحاد العام للشغل، سيكلف الحكومة 600 مليون دينار سنوياً (308.8 ملايين دولار)، معتبرا أن هذه الزيادة ضخمة جداً مقارنة بالوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد.

وقال سعيدان في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن زيادة رواتب الموظفين سيضطر الحكومة إلى الاستدانة من الخارج مجدداً، متوقعا أن يزيد هذا الإجراء من عجز الموازنة الذي فاق حاليا الـ 5%، وهي نسبة تفوق المعدل العالمي، فيما كان من المفترض أن توجه فيه القروض الخارجية للاستثمار والتنمية.

ومنذ عام 2011 يحث المقرضون تونس باستمرار، على القيام بإصلاحات اقتصادية لإنعاش النمو وتقليص عجز الموازنة عبر خفض الدعم لكثير من المواد الأساسية والبنزين.

واقترح البنك الدولي التحكم في كتلة الأجور في البلاد، مع إقرار إصلاح جبائي (ضريبي) مع مراعاة تحقيق العدالة في هذا الشأن بالنسبة للمطالبين بدفع الضرائب.

ولجأت تونس في يناير/كانون الثاني الماضي إلى إصدار سندات بقيمة مليار دينار (514.8 مليون دولار) وهي أدوات للاقتراض من السوق المالية، وفي 2012 وافق صندوق النقد الدولي على قرض لتونس بقيمة 1.74 مليار دولار، مقابل تعهد بخفض الإنفاق وتقليص عجز

الموازنة، لكن يخشى الخبراء من أن الأموال المقترضة قد تصرف على الرواتب وزيادات الأجور.

ويتسم المشهد الاقتصادي التونسي طيلة الثلاث سنوات المنقضية، بالاختناق والتذبذب ومرّ بصعوبات ضيقت الخناق على التونسيين.

ووفق التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2014، الصادر في فبراير/شباط الماضي، فإن تونس من بين سبع دول عربية تخطت الحدود الآمنة للدين العام الذي ينبغي ألا يتجاوز نسبة 60% من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن بلغت نسبة الدين العام فيها 72.4%.

وحسب التقرير فإن هناك فجوة تمويلية تعاني منها البلدان التي تخطت نسبة الدين العام فيها 60%، ما يؤثر على أدائها الاقتصادي، حيث إن خدمة الديون أصبحت رقماً مهماً في أداء موازنات هذه الدول العام، من حيث الأقساط والفوائد، وبالتالي تؤثر بالسلب على تقديم الخدمات في قطاعات التعليم والصحة.

ولذلك فإن معظم هذه البلدان ومنها تونس تلجأ إلى صندوق النقد الدولي من جهة لتدبير احتياجاتها التمويلية، ومن جهة أخرى تسارع هذه الدول إلى تبني برامج للتخلص من الدعم الحكومي، خاصة المتعلق بالطاقة.

ولعل نسبة النمو الاقتصادي، هي أشد المنحدرات الاقتصادية خطورة في تونس. حيث يشير تقرير حديث للبنك الدولي إلى أن نسبة النمو خلال العام الحالي ستصل إلى 2.7%.

كما أن ملف البطالة يثير قلقا متزايدا، حيث اندلعت بسببه شرارة الثورة التونسية بوفاة البوعزيزي احتجاجا على البطالة والتهميش، وصيغت حوله أبرز شعاراتها "شغل، حرية، كرامة وطنية".

ووفق الإحصاءات الرسمية، بلغ عدد العاطلين عن العمل بعد الثورة في 14 يناير/كانون الثاني 2011، نحو 800 ألف شخص، بينهم قرابة 300 ألف شاب يحملون شهادات عليا. ولعل العمل على حل إشكالات هذا الملف ليس بالهيّن، ويتطلب إصلاحات هيكلية على مستوى سياسات التكوين والتشغيل والتنمية، وفق خبراء اقتصاد.

ويرى الخبير الاقتصادي، معز الجودي، أن أزمة البطالة تعود بالأساس إلى السياسات الاقتصادية التي انتهجتها تونس على مدار سنوات طويلة، وعدم الانسجام بين المنظومة التعليمية مع متطلبات سوق العمل.

وأشار الجودي، إلى ضرورة سنّ قانون جديد للاستثمار يشجع على استقطاب الاستثمارات ذات الطاقة التشغيلية العالية، بالإضافة إلى إرساء مناخ مستقر وآمن يشجع على الاستثمار.

وتفاقم البطالة من الضغوط المعيشية، لا سيما في ظل ارتفاع معدل تضخم أسعار المستهلكين.

 ووفق المصرف المركزي التونسي نهاية الأسبوع الماضي، فإن معدل التضخم ارتفع إلى 5.5% في يناير/كانون الثاني 2015، مقابل 4.8% في ديسمبر/كانون الأول 2014.
 
وحسب الجودي فإنّ الحد من غلاء المعيشة يقتضي "زيادة الإنتاج لتوفير السلع والقضاء على الاحتكار وتكثيف عمليات المراقبة الاقتصادية ومحاربة التهريب والاقتصاد الموازي غير المهيكل".

ويرى خبراء اقتصاد معدلات تضخم الأسعار المسجلة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، مرتفعة بشكل كبير مقارنة بالمعدلات في الأعوام السابقة التي كانت تبلغ نحو 3.6% في المتوسط، ما أدى إلى تأكل مدخرات التونسيين.


اقرأ أيضاً: التونسي بحاجة إلى 7 آلاف عام ليصبح مليونيراً