محاباة الأثرياء بين ترامب وماكرون والحكام العرب

محاباة الأثرياء بين ترامب وماكرون والحكام العرب

11 ديسمبر 2018
الرئيسان الأميركي والفرنسي في قمة العشرين الأخيرة (Getty)
+ الخط -

لا فارق بين موقف الحكومات الغربية والعربية من محاباة كبار المستثمرين والأثرياء ورجال المال والأعمال، فالكل أمام رأس المال سواء، محاباة مستمرة من الحكومات لهذه الطبقة عبر المزايا الضريبية والإعفاءات والدعم المالي، وربما الطاقة الرخيصة التي تمثل عنصراً مهماً في كلفة قطاع مثل الصناعة، بل ويربط كل هؤلاء الحكام بين تشجيع الاستثمار في الدولة والمغالاة في محاباة الأثرياء والإغداق عليهم بالامتيازات التي لا حدود لها ولا سقف.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب مثلاً حابى الأثرياء كثيراً في فترة حكمه، وكان من أوائل القرارات التي اتخذها خفض الضريبة على الشركات من 35% إلى 20%، في إطار مشروع الإصلاح الضريبي الذي تبناه وأقره مجلس الشيوخ يوم 20 ديسمبر/ كانون الأول 2017.

كذلك دافع ترامب عن مصالح الأغنياء حينما خاض حرباً تجارية شرسة ضد شركائه التجاريين، وراح يفرض رسوماً مرتفعة نسبتها 25% على الواردات القادمة من الاتحاد الأوروبي والصين واليابان وكندا وغيرها من دول العالم، كما هدد بفرض ضريبة على واردات السيارات الأوروبية حماية للمصانع الأميركية.

والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القادم من عالم المال والأعمال حيث كان يعمل مصرفياً، رفض، مساء أمس الاثنين، مطالب المحتجين الفرنسيين الثائرين عليه وعلى سياساته الاقتصادية بإعادة فرض ضريبة على الأثرياء، رغم تعهده بخفض الضرائب على أصحاب المعاشات الذين يتقاضون أقل من ألفي يورو وزيادة الحد الأدنى للأجور 100 يورو شهرياً ابتداء من عام 2019 دون تكاليف إضافية على أصحاب العمل.

وبنوك سويسرا وغيرها من البنوك الأوروبية والأميركية تحابي الأثرياء حينما تكفل لهم السرية المصرفية المطلقة، وتتيح لهم فتح حسابات ببصمة اليد أو العين أو الصوت، وتمنع ملاحقة هؤلاء قضائياً، حتى ولو كانت ثرواتهم أموالاً منهوبة من دول العالم الثالث أو ناتجة عن أنشطة مالية واقتصادية غير مشروعة مثل غسل الأموال والرشى والمتاجرة في المخدرات والسلاح والآثار والرقيق الأبيض.

وفي المنطقة العربية تحابي الحكومات الأثرياء أصحاب المال حينما تمنحهم مزايا عديدة، منها الأراضي الصناعية المجانية والإعفاءات الضريبة، وترفض فرض ضرائب على "هوامير" البورصة الذين يربحون مليارات الدولارات دون أي مجهود، كما تمنح الحكومات العربية الأثرياء وقوداً رخيصاً لمشروعاتهم الاستثمارية التي تربح مليارات الدولارات، مثل مصانع الحديد والصلب والأسمدة والإسمنت والسيراميك.

وفي مقابل محاباة الحكومات العربية للأثرياء، تضغط على الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة عبر خفض الدعم المقدم للسلع الرئيسية وزيادة الأسعار والرسوم والجمارك وفرض مزيد من الضرائب.

يمكن أن نتفهم محاباة حكام الغرب للأثرياء، وذلك في إطار تشجيعهم على الاستثمار وضخ المزيد من الأموال في مشروعاتهم وزيادة الصادرات وإيرادات الدولة من النقد الأجنبي، فالأثرياء في الغرب هم من يوفرون فرص العمل، ويرفعون معدل الإنتاج والنمو الاقتصادي، ويخفضون نسب التضخم بزيادة المعروض من السلع في الأسواق.

وتجلب قطاعات مثل الخدمات والسياحة والصناعة المملوكة للقطاع الخاص مليارات الدولارات للبلاد، فالدول الغربية لا تؤسس مصانع أو مشروعات، ولذا لا توفر فرص عمل، ولذا يراهن الحكام على القطاع الخاص لأداء هذا الدور الاقتصادي.

كما أن للأثرياء في الدول الغربية دوراً اجتماعياً ملموساً، فهم الذين يتبرعون بمليارات الدولارات لإقامة المستشفيات والمدارس والارتقاء بالصحة العامة ومكافحة الأمراض المستعصية، وهم الأكثر سداداً للضرائب.

أما في المنطقة العربية، فإن الحال مختلف، فالحكومات هي التي توفر فرص العمل، وهي من تؤسس المشروعات في كل القطاعات الاقتصادية، والمؤسسات الرسمية هي أكبر ممول للخزانة العامة، والبنوك والشركات والهيئات الحكومية أكبر دافع للضرائب، وبالتالي فإن الدولة هي التي تلعب الدور الأكبر في التنمية الاقتصادية وليس القطاع الخاص.

ولذا فإن محاباة الحكومات العربية للأثرياء لا مبرر لها، طالما لا يؤدون الدور المطلوب منهم، وفي مقدمته توفير فرص عمل، والمساهمة في مكافحة الفقر والبطالة والتضخم، ومساعدة الطبقات الفقيرة.

المساهمون