قانون الاستثمار والخيّاط المصري

قانون الاستثمار والخيّاط المصري

17 يوليو 2019
ممارسات الحكومة لا تشجع المستثمرين على القدوم (فرانس برس)
+ الخط -

يلعب الاستثمار الأجنبي المباشر، دوراً هاماً في تحريك وتقوية الاقتصادات التي يفد إليها، عن طريق ما يتسبب فيه من تدفق للعملات الأجنبية، ومن مشروعات يؤسسها، فتساعد على خلق فرص عمل جديدة. ويسمح دخول المستثمرين الأجانب بنقل أفكار وأساليب إدارة جديدة، تساعد على تطوير الشركات المحلية، وزيادة قدرتها على المنافسة في السوق العالمية.

وتزداد أهمية الدور الذي يلعبه الاستثمار الأجنبي المباشر وفقاً للقطاع الذي يذهب إليه، وأيضاً بقدر ما ينقله من تكنولوجيا متقدمة وابتكارات، في البلد المتلقي. 

وفي الولايات المتحدة، وجد الرئيس دونالد ترامب في الاستثمار الأجنبي حجة كافية يبرر بها، أمام شعبه، خوضه كل تلك الحروب التجارية، حيث وعدهم أن تدفع سياساته التجارية العدوانية الشركات الأجنبية إلى التواجد في السوق الأميركية، وأن تزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر الوافد إليها.

وقبل عشرة أيام تقريباً، وافق مجلس النواب المصري، على تقرير لجنة الشؤون الاقتصادية، بشأن مشروع تعديلات قانون الاستثمار الذي تم إقراره، بعد طول انتظار، قبل عامين فقط.
ونصت التعديلات على منح توسعات المشروعات الاستثمارية القائمة فرصة التمتع بالحوافز الخاصة بالاستثمارات الجديدة، من اعفاءات ضريبية وما شابهها، بالإضافة إلى وضع حد أقصى لرسوم التصديق على توقيعات الشركاء، أو من ينوب عنهم، على العقود، عند كل تعديل في نظام الشركة، وبغض النظر عن نظام الاستثمار الذي تخضع له. 

ومع الإعلان عن موافقة مجلس النواب، أكد الدكتور علي عبد العال، رئيس المجلس، أهمية تعديلات قانون الاستثمار "في جذب المزيد للاستثمارات الي مصر في ظل المنافسة العالمية في مجال الاستثمار". وقالت وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي إن "الهدف من التعديلات المقدمة من الحكومة هو الاستجابة لمعالجة المشاكل والتحديات (التي يواجهها المستثمر الأجنبي) على أرض الواقع".

ورغم التفاصيل الكثيرة المصاحبة للموضوع، كان واضحاً أن أقصى ما هدفت إليه التعديلات الجديدة، هو تقديم المزيد من "عروض تخفيض الأسعار"، في محاولة جديدة للاستحواذ على حصة أكبر من تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى الأسواق النامية والناشئة.

افترض مقترحو التعديلات أن المشكلة الوحيدة التي يعاني منها الاقتصاد المصري، والتي تقف حائلاً دون حصوله على نصيبه المستحق من الاستثمار الأجنبي، هي زيادة العبء الضريبي، أو ارتفاع تكلفة الاستثمار في مصر.

تعاملت الحكومة المصرية مع الاستثمار الأجنبي بفكر الخياط، الذي يسكن في حارة بعيدة، ولا يمكن الوصول إليه إلا بالمرور في طرق شديدة الوعورة، فلما ساء حاله لانصراف زبائنه عنه وتوجههم لشراء الملابس الجاهزة، ذات التصميمات الحديثة، التي لا يتقن صناعتها، لم يجد حلاً إلا تخفيض أسعاره. فهل يُذهبن كيده ما يغيظ؟
المستثمر الأجنبي الراغب في الدخول إلى السوق المصرية لم يشتك على الإطلاق من ارتفاع تكلفة الاستثمار في مصر، وخاصةً بعد تعويم الجنيه، الذي ذهب بأكثر من نصف قيمة العملة المصرية، حتى أصبحت الأصول المصرية، والعمالة، ومدخلات الإنتاج، ووسائل الاتصال واحدة من الأرخص على مستوى العالم.

ولو استمرت تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى مصر عند مستوياتها المنخفضة، رغم مرور أكثر من عامين ونصف العام على انهيار الجنيه أمام الدولار، يكون واضحاً أن تكلفة الاستثمار ليست هي المشكلة، وبالتالي لن يوجد الحل في تخفيضها.

الزبون الذي توقف عن الذهاب إلى الخياط كان يبحث عن جودة المنتج، وسهولة الوصول إليه، ثم خدمة ما بعد البيع. فلما وجد من يقدم له ذلك، توجه إليه، رغم الميزة السعرية التي قدمها، ومازال يقدمها، الخياط.

كذلك المستثمر، فهو يبحث عن جودة المنتج، ممثلةً في وجود فرص للاستثمار، تسمح بتحقيق أرباح حقيقية، وسهولة الوصول إلى تلك الفرص، عن طريق تيسير عقبات الدخول إلى السوق المصرية، وإتاحة البيانات الدقيقة، مع وجود شفافية في الإعلان عن – والتعامل مع – الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، حتى يتمكن المستثمر الأجنبي من توقع التحركات المستقبلية لسعر الجنيه مقابل الدولار، ومعدلات الفائدة على العملة المحلية، كونهما يؤثران بصورة واضحة على القيمة الحقيقية لما يحققه من أرباح باستثماره في السوق المصرية.

ومن ناحيةٍ أخرى، لابد أن يطمئن "الزبون" إلى توفر خدمة ما بعد البيع، إذ ربما تقابله بعض التحديات مع الموردين، أو العمالة، أو مؤسسات التمويل، أو حتى الحكومة. وبناء عليه، لابد أن تقدم الحكومة تطمينات إلى المستثمرين المحتملين، بتوفر البيئة التشريعية والقانونية اللازمة لحل أي نزاع، وتحجيم وتقنين تدخل الدولة، أو أي من مؤسساتها، في الاقتصاد، مع بذل جهود واضحة لمحاربة الفساد، وأن يبدأ ذلك من خلال التعامل مع المستثمرين الحاليين، الأجانب منهم والمصريين.
الأسبوع الماضي، أعلن مفوض الاتحاد الأفريقي للتجارة والصناعة أن اتفاقية التجارة الحرة بين البلدان الإفريقية، والتي وقع عليها أكثر من خمسين دولة حتى الآن، سيبدأ العمل بها اعتباراً من أول يوليو / تموز 2020، بهدف إزالة الحواجز أمام حركة تجارة السلع عبر الحدود داخل القارة.

وتوقع المفوض أن تؤدي حركة البضائع المعفاة من الرسوم، إلى تعزيز التجارة داخل المنطقة، ونشاط حركة التصنيع والتصدير، مع مساعدة بلدان القارة على الابتعاد عن تصدير المواد الخام بشكل أساسي، وبناء القدرة التصنيعية، لجذب الاستثمارات الأجنبية.

منطقة التجارة الحرة الأفريقية، التي ستضم أكثر من مليار نسمة، وناتجا محليا يدور حول 3 تريليونات دولار، وتعاملات تجارية تصل إلى 350 مليار دولار سنوياً، تعرف الكثير عن مصر بتاريخها وجغرافيتها وأعلامها، إلا أنه من المؤكد أن أشهر مصري لدى الأفريقيين حالياً هو محمد أبو تريكة.

ومع ما نراه من محاصرة إعلامية للنجم المحبوب، وامتناعه عن العودة إلى بلاده، خوفاً من بطش السلطة، واستمرار مصادرة أمواله، رغم صدور أحكام عدة بإلغائها، فإن الرسالة التي تصل لا يمكن اعتبارها بأي حال مما يساعد على زيادة الاستثمار الأفريقي، أو الأجنبي، في مصر.

المساهمون