رغم التشاؤم... السوق الأميركية آمنة وسط الاضطراب

رغم التشاؤم... السوق الأميركية جزيرة آمنة وسط محيط من الاضطراب

23 فبراير 2020
قلق أصحاب الثروات يدفعهم نحو "وول ستريت" (Getty)
+ الخط -
رغم التشاؤم الذي يسود بعض التقارير المتخصصة حول مستقبل الاستثمار في الأسهم الأميركية، فإن سوق "وول ستريت" تبدو الملاذ الآمن لكبار المستثمرين والمليارديرات وسط محيط مضطرب في آسيا التي يضربها فيروس "كورونا"، وفي أوروبا التي تنتهج سياسة الفائدة السلبية يتراكم "الكاش" لدرجة أن المصارف في ألمانيا باتت تبحث عن خزائن للنقد الورقي المتراكم، حسب ما ذكرت وكالة "بلومبيرغ".

يوم السبت الماضي وفي اجتماع المساهمين لشركة "بيركشيرهاثاواى" القابضة للاستثمار التي يرأسها ويملك معظمها الملياردير الأميركي، وارن بيفت، بدا بيفت من كبار المتفائلين بصعود سوق المال الأميركي خلال العام الجاري، إذ وعد بوضع مزيد من المليارات في سوق المال الأميركي التي حقق منها أرباحاً بلغت 8 مليارات دولار خلال عام 2018.

وحتى الآن لا يبدو أن الاقتصاد الأميركي قد تأثر كثيراً بالفيروس، رغم أن شركات مثل آبل وبعض شركات التقنية المرتبطة بالتصنيع في الصين قد حذرت من تراجع أرباحها، ولكن في المقابل، تتوقع مؤسسة "زاك" المتخصصة في أبحاث الأسهم أن تعلن العديد من الشركات الكبرى في الولايات المتحدة عن أرباح ربعية ضخمة خلال الأسبوع الذي سيبدأ غداً الأثنين. وذلك وفقاً للتوقعات التي نشرتها بموقع "ناسداك" الأميركي.

والعامل الأول الذي يهم المستثمرين في سوق المال عموماً هو دخل الشركات الصافي والتوزيعات على الأسهم. وهو المتوفر حالياً بالشركات الأميركية أكثر من الشركات الآسيوية والأوروبية. 

أما العامل الثاني والأهم للأثرياء فهو الحفاظ على ثرواتهم من التآكل بسبب ضعف العملات. وبالتالي فإن بورصة "وول ستريت"، تستفيد ومنذ بداية الشهر الجاري من هروب المستثمرين وكبار الأثرياء من أسواق المال الآسيوية التي تأثرت بشدة من تداعيات الفيروس التاجي على العملات وأرباح الشركات، حيث ترتبط معظم أعمالها بالسوق الصيني.

وضرب الفيروس التاجي الاقتصاد الياباني في مقتل، إذ ضرب السياحة وسلاسل الإمداد بالشركات الصناعية اليابانية التي كانت تعتمد على تصنيع قطع الغيار والمكونات الصناعية الأخرى في الصين. ومعروف أن العديد من الشركات الصينية أجبرت على إغلاق مصانعها، كما أن بعض الشركات انسحبت من الصين.

وهذا العامل أدى إلى انكماش الناتج المحلي في اليابان بنسبة 6.3% في الربع الأخير من عام 2019. وبالتالي فهناك مخاوف مثارة من أن الاقتصاد الياباني دخل فعلاً مرحلة ركود وربما يكون أسوأ من الركود الذي أصاب الاقتصاد في بداية القرن الجاري. وذلك وفقاً لما ذكرته صحيفة "فاينانشيال تايمز" اليوم الأحد.

ودفعت مخاوف الركود في اليابان العديد من صناديق الاستثمار للهروب من سوق طوكيو إلى بورصة "وول ستريت" بنيويورك، كما دفع ضعف الين الياباني كبار الأثرياء للتحول منه إلى الحسابات الدولارية.

ويدفع الين الياباني ثمناً باهظاً جراء احتمال الركود، إذ تراجع إلى أدنى مستوى يوم الخميس ويواصل الخسارة. وبلغ في تعاملات الظهيرة اليوم الأحد، حسب مؤشر العملات بوكالة بلومبيرغ، 110.61 مقابل الدولار، وهو ما يمثل خسارة تقدر بنحو 0.49% من قيمته يوم الجمعة. ويذكر أن الين الياباني يعد واحداً من "عملات الملاذ الآمن" في آسيا الذي يلجأ إليه كبار أصحاب الثروات لحماية ثرواتهم من التآكل في لحظات الاضطراب المالي. 

ويرى خبراء أن التراجع الحاد للين الياباني سيدفع العديد من أثرياء آسيا، خاصة أثرياء هونغ كونغ والصين وكوريا الجنوبية التي باتت في مرمى الفيروس بعد تزايد حالات الاصابات فيها، للتحول تجاه الأصول الدولارية.  

أما العامل الثالث الذي يدعم مستقبل الأسهم الأميركية خلال العام الجاري، فهو الفائدة السالبة في أوروبا، إذ باتت البنوك التجارية تخسر من وضع فوائضها المالية في السندات أو حتى وضعها مع البنك المركزي الأوروبي. وبالتالي فإن الوجهة الرئيسية للاستثمارات الأوروبية باتت هي الولايات المتحدة وتحديداً سوق سندات الخزانة والأسهم. وتبلغ الفائدة على اليورو حالياً 0.75، ومن غير المحتمل عودتها إلى الموجب وسط المتاعب المالية العديدة التي تعاني منها أوروبا.

ويتفادى كبار المستثمرين حالياً سوق الدين الأوروبي، بسبب سوق السندات الحكومية ذات العوائد التي تقل عن الصفر في منطقة اليورو التي تضم 19 دولة. 

ويقدر حجم السندات التي تحمل عائداً سالباً في أوروبا بنحو 4 تريليونات يورو، كما يوجد مزيد من التريليونات بعوائد سالبة في سوق السندات الحكومية اليابانية وغيرها كثير حول العالم.

وبحسب بيانات البنك المركزي الألماني، التي نشرتها وكالة بلومبيرغ، فإن حجم حيازة السيولة الفعلي للبنوك الألمانية ارتفع إلى مستوى قياسي عند 43.4 مليار يورو (48 مليار دولار) في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهو تقريباً ثلاثة أمثال الكمية التي كانت موجودة بنهاية مايو/ أيار عام 2014، وهو الشهر السابق لتطبيق سياسة فرض رسوماً على الودائع.

ولكن رغم هذه العوامل الإيجابية التي تدعم ارتفاع سوق "وول ستريت"، فإن مصارف مثل مصرف "بنك أميركا ـ ميريل لينش" يرى أن فرص دخول الاقتصاد الأميركي في مرحلة من الركود تتزايد بسبب تداعيات فيروس كورونا. ويوافقه في ذلك الخبير الاستراتيجي بصندوق "بي أم أو" الأميركي لإدارة الثروات، يانغ يو ما، الذي يقول "بالتأكيد فإن تفشي الفيروس زرع نوعاً ما من عدم اليقين في السوق على المستويين القصير والطويل".