المصريون يخسرون نصف وظائفهم في الخليج

المصريون يخسرون نصف وظائفهم في الخليج

11 فبراير 2017
مصريون عائدون من ليبيا بسبب الصراعات المسلحة (Getty)
+ الخط -
باتت آمال المصريين الساعين إلى العمل في الخارج عالقة، في ظل نضوب الفرص في دول الخليج العربي، والتي تراجعت بأكثر من النصف خلال العام الماضي، وكذلك الارتفاع الكبير في قيمة ما تطلبه شركات إلحاق العمالة بالخارج، استغلالاً لارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري لأكثر من الضعف خلال الأشهر الأخيرة، وحاجة المصريين المتزايدة نحو اقتناص فرصة سفر بحثاً عن الرزق.

وفي الوقت الذي يعاني فيه المصريون في الداخل من غلاء المعيشة وارتفاع نسب البطالة إلى معدلات تاريخية، لن يكون الساعون إلى فرصة عمل في الخارج بأحسن حظاً في ظل العقبات الحالية.

وأظهرت بيانات صادرة عن شعبة إلحاق العمالة في غرفة القاهرة التجارية، أن عدد العمال الجدد الذين سافروا إلى دول الخليج العربي انخفض خلال العام الماضي 2016 بنسبة 56%، بعد أن وصل عددهم إلى 220 ألف عامل فقط، مقابل 500 ألف عامل خلال 2015.

وظلت دول الخليج العربي السوق الأكبر للعمالة المصرية، خلال العشرين عاماً الأخيرة، إلى جانب السوق الليبية التي تستأثر بنسبة كبيرة من العمالة الزراعية والتشييد والبناء تجااوزت في بعض الأوقات 1.5 مليون عامل، لكن ظروف الحرب والاضطرابات السياسية التي تشهدها الدولة المجاورة قلصت عدد المصريين هناك إلى عشرات الآلاف بعد أن كان عددهم يقترب من المليون ونصف المليون عامل قبل نحو ست سنوات.

ويسود قلق متنام في أوساط المصريين من تراجع الطلب على العمالة في الخليج، لاسيما في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجهها مصر وارتفاع معدلات البطالة، في ظل توقف الكثير من المشروعات.

وقال علي محمود، أحد مسؤولي شركة قباء للسفريات، التي تعمل وكيلاً لمجموعة بن لادن السعودية في إلحاق العمالة بها، إن الطلب على العمالة المصرية انخفض خلال العام الماضي للغاية، لتصل إلى 80% بالنسبة للحرفيين في مجالات الزراعة والتشييد والبناء والكهرباء، وبنحو 30% في مهن مثل المهندسين والأطباء والمحاسبين.

وأضاف محمود، في لقاء مع "العربي الجديد"، أن مجموعة بن لادن سرّحت خلال العام الماضي نحو 80 ألف عامل، جراء تقليص الحكومة السعودية المشروعات التي تنفذها الشركة.

السعودية تقلّص الأعداد 
وتعاني السعودية، أكبر دولة مُصدرة للنفط في العالم، من تراجع حاد في إيراداتها المالية، الناتجة عن تراجع أسعار النفط الخام.

وقلصت المملكة الإنفاق الحكومي، ما أدى إلى توقف الكثير من المشروعات، وإغلاق عدد كبير من الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعرضت الشركات الكبرى، خاصة في قطاع المقاولات، لأزمة مالية تسببت في تسريح عشرات الآلاف من العمالة وتأخر الرواتب، لا تزال توابعها قائمة. 

وهوت أسعار النفط عالمياً بأكثر من 51% منذ منتصف عام 2014 في ظل تخمة المعروض عالمياً، ليصل سعر البرميل حاليا إلى نحو 56 دولاراً، مقابل 115 دولاراً قبل عامين ونصف العام، ما دعا منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) والمنتجين المستقلين من خارجها إلى الاتفاق على خفض الإنتاج بنحو 1.8 مليون برميل يومياً بحلول يناير/كانون الثاني 2017، من أجل إعادة الأسعار للصعود. 



وقال محمد سعد، أحد العمال في شركة بن لادن، إن الشركة استغنت عن نسبة من العمالة المصرية لديها خلال العام الماضي، مع إعطائهم مهلة ثلاثة شهور لنقل كفالتهم إلى شركات أخرى، والوعد بسداد مستحقاتهم خلال فترة الثلاثة شهور.

وأضاف "بصعوبة كبيرة، استطعت أن أغير كفالتي وأن أجد فرصة عمل جديدة، يقل أجرها عن الراتب الذي كنت أحصل عليه في مجموعة بن لادن، لكنه في جميع الأحوال يعد أفضل حالاً من الوقوف في طوابير البطالة في مصر حال العودة".

وأشار إلى أن الحرفيين في السعودية يعانون من ضعف الأجور، خاصة خلال الفترة الأخيرة، ورغم ذلك تجبرهم الظروف الصعبة وعدم توافر فرص عمل بلدانهم على العودة إليها.

وأضاف أن نسبة كبيرة من العمالة الحرفية تعمل في أكثر من عمل عقب انتهاء الدوام، نظير الاتفاق مع الكفيل السعودي على تقاضيه مبلغا مقابل السماح له بذلك.

وقال إسلام محمود، إن غالبية الشركات السعودية أصبحت تفضّل العامل من دول جنوب شرق آسيا لانخفاض أجره مقارنة بالمصري الذي يتراوح بين 1500 و2500 ريال شهرياً (بين 400 و667 دولاراً).


قلق من جمود العلاقات

وبجانب تداعيات أزمة النفط على سوق العمالة المصرية في السعودية، التي تعد أكبر دول الخليج استقطاباً للعمالة، يشعر المصريون بقلق متنام من الجمود في العلاقات السياسية بين الرياض والقاهرة، بسبب الخلافات القائمة حول عدة قضايا، مثل سورية، وكذلك جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر، حيث ما تزال السعودية تأمل في تسليم النظام المصري الجزيرتين للمملكة، رغم أحكام القضاء المصري بمصريتهما.

وقال أحمد حسن، المسؤول في شركة المعالي لإلحاق العمالة بالخارج، إن الوضع في دول مجلس التعاون الخليجي، لم يعد كسابق عهده، في ظل انخفاض أسعار النفط عالمياً، وما تبعه من عمليات تقشف في دول الخليج، التي تستقطب نسبة كبيرة من العمالة المصرية.

وأضاف حسن، لـ "العربي الجديد"، أن الأمر يختلف نسبيا في دول الإمارات وقطر والبحرين، إذ تطلّب عمالة مدربة ومؤهلة، خاصة في قطاعات الهندسة والمحاسبة والطب، على أن تتم الاستعانة بالعمالة غير المدربة من دول جنوب شرق آسيا، خاصة الهند وبنغلاديش منخفضة الأجور مقارنة بالعامل المصري.

وتتراوح قيمة عقود العمل في السعودية بين 1500 و2000 ريال شهرياً لعمال البناء، بينما تتراوح بين 2500 و3000 ريال للفنيين، بينما قيمة عقود المهندسين تتراوح بين 6 آلاف و20 ألف ريال، والأطباء بين 7 آلاف و30 ألف ريال، وفقاً للخبرة.

وقال حسن إن السعودية قبل 2015 كانت تستحوذ على 80% من العمالة الحرفية للمصريين، خاصة عقب الأزمة التي تشهدها ليبيا نتيجة الصراعات المسلحة والانقسامات السياسية منذ 2011 .

وتراجع صافي التحويلات الجارية من المصريين العاملين في الخارج إلى 16.9 مليار دولار خلال العام المالي الماضي 2015/2016 الذي انقضى بنهاية يونيو/حزيران الماضي، مقابل 21.9 مليار دولار خلال العام السابق عليه.

وتمثل تحويلات المصريين في الخارج أهم موارد العملة الأجنبية للاقتصاد، إلى جانب إيرادات قناة السويس وقطاع السياحة والاستثمار المباشر وحصيلة الصادرات غير البترولية.

وبحسب خبراء اقتصاد، فإن تراجع الطلب على العمالة المصرية سينعكس بالسلب على معدلات البطالة في الداخل، خاصة في ظل الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد المصري وزادت حدتها خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.

استغلال الفرص الشحيحة

وبجانب تراجع فرص العمل في الخليج، تزداد محاولات المصريين في دخول هذه الدول صعوبة، في ظل القفزات في قيمة العمولة التي باتت تفرضها شركات إلحاق العمالة استغلالاً لارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه، بعد قرار السلطات النقدية تعويم العملة المصرية قبل نحو ثلاثة أشهر.

وقرّر البنك المركزي المصري، في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2016، تحرير سعر صرف الجنيه، مما أدى إلى صعود الدولار بنسبة تصل إلى 128%، مقارنة بمستويات الأسعار قبل ذلك التاريخ.

وقفزت أسعار عقود إلحاق العمالة بالخارج وتضاعفت قيمتها بعد تعويم الجنيه، ولم تعد عند المستويات المحددة سابقا والتي كانت تبلغ 2% من قيمة العقد السنوي.

وقال حمدي إمام، رئيس شعبة إلحاق العمالة بالخارج في غرفة القاهرة التجارية، لـ "العربي الجديد"، إن الفترة الماضية شهدت مخالفات من بعض الشركات في التعامل مع الراغب في إيجاد فرصة عمل بالخارج، من خلال زيادة النسبة المقررة قانوناً بـ2% من قيمة العقد في السنة الأولى.

وأضاف إمام أن بعض الشركات تتفق على مبلغ عرفي مع العامل، ولا يتم معرفة ذلك إلا في حالة قيام البعض بتقديم شكاوى ضد الشركات، مشيرا إلى تحصيل قيمة عمولة الشركات بالجنيه، بينما استغلت بعض الشركات الظروف وطلبت الحصول عليها بالدولار.

وتابع "الشعبة وحدها لا تملك حق معاقبة الشركة المخالفة، لذا طالبنا الحكومة، أكثر من مرة، بالتدخل بقانون جديد وعقوبات تطبقها وزارة الهجرة على الشركات المخالفة، خاصة في ظل وجود شركات أجنبية تعمل في القطاع من دون رادع". وقال "نتوقع ازدياد المخالفات الحالية، في ظل محدودية فرص العمل المتاحة بعد أزمة النفط في دول الخليج، التي يوجد بها أكبر جاليات مصرية".


ارتفاع البطالة إلى 13%

وتبلغ معدلات البطالة في مصر 13% من إجمالي القوى العاملة التي تزيد عن 28 مليون فرد قادر على العمل. وقالت شيرين الشواربي، أستاذة الاقتصاد في جامعة القاهرة، إن معدلات البطالة في مصر تستلزم معدلات نمو لا تقل عن 7% سنوياً، الأمر الذي يجب أن تعمل الحكومة على تنفيذه خلال السنوات المقبلة، مشيرة إلى أنه بدون تحقيق ذلك المعدل فستكون هناك عواقب سلبية كبيرة على مناخ التشغيل.

وكان البنك الدولي قد توقّع، في تقرير في يناير/كانون الثاني الماضي، أن تتراجع معدلات نمو الاقتصاد في مصر إلى 4% خلال العام الجاري 2017، بعدما بلغت 4.3 في 2016، بسبب تباطؤ معدلات الاستهلاك بسبب ارتفاع معدلات التضخم.

وارتفع معدل التضخم، إلى 25.86% على أساس سنوي، في ديسمبر/كانون الأول 2016، وفق بيانات البنك المركزي المصري، وهي أعلى نسبة منذ نحو عشرين عاماً.

وزادت معاناة المصريين، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، رغم الوعود المتكررة بتحسين الظروف المعيشية وكبح الغلاء، لتعد تلك السنوات الأشد وطأة على الحياة المعيشية، خاصة أنها شهدت زيادات ثقيلة في الأسعار، فاقت في بعض السلع 500%، وتحديداً في السلع الغذائية والسلع الاستهلاكية والأدوية والوقود.

وبحسب البيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، انتقلت نسبة الفقراء من 25.2% عام 2011 إلى 26.3 عام 2013 ثم 27.8% في 2015، بينما يتوقع تجاوز النسبة هذه المستويات بنحو كبير خلال 2016، والذي شهد غلاء غير مسبوق في الأسعار وانهيار القدرات الشرائية للمصريين.

ووفق البيانات، فإن عامي 2014 و2015 فقط سقط خلالهما نحو 1.4 مليون مصري جديد تحت خط الفقر، بينما يشير خبراء اقتصاد إلى أن 2016 فقط سجل سقوط ما يصل إلى ضعفي هذا الرقم على الأقل.


المساهمون