مصر واستثمار روسيا السياسي

مصر واستثمار روسيا السياسي

12 ديسمبر 2016
روسيا تسعي لمد نفوذها الاقتصادي بعد السياسي في المنطقة
+ الخط -



أعلنت شركة إيني الإيطالية للنفط والغاز، اليوم الاثنين، وبشكل مفاجئ، عن بيع 30% من حصتها في منطقة امتياز شروق البحري المصري، وشروق لمن لا يعرفه هو منطقة امتياز للتنقيب عن الغاز الطبيعي، يقع في المياه الإقليمية المصرية بالبحر المتوسط وتصل مساحته إلى 1775 كيلومترا مربعا.

وكانت الحكومة المصرية قد أعلنت عن اكتشافه قبالة سواحل بورسعيد في شهر أغسطس/ آب 2015 وتقدر احتياطياته بنحو 30 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، واعتبرته الحكومة وقتها بمثابة أكبر كشف للغاز في تاريخ البلاد وكذا في المياه العميقة بالبحر المتوسط، بل وأكبر اكتشاف نفطي في التاريخ على الاطلاق.

المفاجأة في الصفقة لا تكمن فقط في التعليق الهزلي لمسؤول بوزارة البترول المصرية والتي قال فيها إنه لا علم للوزارة بالصفقة وتفاصيلها، وأن مصر لم تتلقى أي طلبات رسمية فيما يخص التنازل عن حصة في امتياز شروق وحقل ظهر التابع له، ولا تكمن في ضخامة قيمة الصفقة البالغة 2.8 مليار دولار.

كما لا تكمن المفاجأة في بيع شركة إيني جزءاً مهماً من حصتها في الحقل المصري العملاق، فالمتابعون للمركز المالي لشركة النفط الإيطالية الكبرى يعرفون الظروف المالية الصعبة التي تمر بها والتي دفعتها لخفض استثماراتها 20% هذا العام ووقف الإنتاج في حقول نفط والانسحاب من بعض الدول التي كانت تنقب عن الغاز والنفط بها، وبالتالي لا يمكن النظر للصفقة على أنها عملية بيع تحاول إيني من خلاله الحصول على سيولة تمكنها من مواجهة أزمتها المالية التي ألمّت بها خلال السنوات الأخيرة.

صحيح أن "إيني" اضطرت لبيع 30% من حقل الغاز المصري لتغطية خسائرها الفادحة البالغة 8.82 مليارات يورو (أكثر من 9 مليارات دولار) في العام الماضي 2015، وصحيح أيضا أن الاستثمارات الإيطالية تشهد تراجعا في مصر مع تصاعد الخلافات بين القاهرة وروما على خلفية مقتل الباحث ريجيني.


لكن المفاجأة هنا تكمن في اسم المشتري لحصة إيني في حقل الغاز المصري وهي شركة روسنفت التابعة للحكومة الروسية وأكبر شركة نفط بالبلاد، صحيح أن الصفقة تعد أول تواجد قوي للشركة الروسية في مصر ومنطقة شرق البحر المتوسط.

لكن لا يمكن النظر للصفقة الروسية بعيداً عن طبيعة العلاقات: المصرية الروسية، الروسية الأميركية، الروسية الأوروبية، العقوبات المفروضة على موسكو منذ العام 2014 على خلفية أزمة أوكرانيا، وبالتالي فإن الصفقة تعد سياسية بامتياز، فالصفقة تكشف عن التقارب الشديد بين النظامين المصري والروسي رغم تداعيات حادث سقوط الطائرة الروسية فوق شبه جزيرة سيناء نهاية شهر أكتوبر 2015، وإصرار موسكو من وقتها على عدم إرسال سياحها لمصر.

كما تريد روسيا من صفقة الاستحواذ على 30% من حصة إيني في الحقل المصري إرسال رسالة مضمونها قدرتها على إقامة علاقات دولية في مجال الطاقة، ومواجهة تداعيات العقوبات الغربية المفروضة عليها منذ نحو 3 سنوات، وأن في مقدرتها بناء علاقات اقتصادية بعيداً عن ضغوط أميركا وأوروبا اللتين تناصبان روسيا العداء، وبعيداً أيضاً عن العقوبات الغربية التي فُرضت عليها عقب الثورة الأوكرانية عام 2014، حيث اتهم الغرب روسيا بدعم الانفصاليين في شرق أوكرانيا ونشر جنود لها في داخل البلاد، وتلا ذلك فرض عقوبات اقتصادية من قبل أميركا والاتحاد الأوروبي أثرت سلبا على الاقتصاد الروسي من حيث الاستثمار وهبوط العملة.

ولا يمكن النظر لصفقة التواجد الروسي القوي في قطاع الطاقة المصري دون النظر لخريطة الغاز في منطقة الشرق الأوسط ومحاولة روسيا أن تكون لاعبا رئيسيا في تصدير الغاز المصري الذي ستحصل عليه بموجب حصتها في امتياز الشروق سواء لأوروبا أو لدول جنوب شرق أسيا، ومحاولتها كذلك دعم صادراتها من الطاقة وفي مقدمتها الغاز لأسواق جديدة ، ويدعم هذه الخطة محاولة روسيا أن تكون لاعباً رئيسياً في قضايا الشرق الأوسط خاصة في الملف السوري.

ولا يمكن النظر للصفقة الروسية بعيداً عن النزاع الروسي الأوكراني الأوروبي على الغاز، ومحاولة شركات النفط الروسية أن تكون هي الطرف الأقوى في هذه العلاقة، وخاصة أن الكرملين يعتبر قطاع الطاقة أهم الأصول التجارية والركائز الاقتصادية لتحقيق الاستقرار الداخلي في البلاد وزيادة حجم النفوذ في السياسة الخارجية.





المساهمون