غاز الجزائر الحائر بين عقود تصدير طويلة ومراوغة أوروبا

غاز الجزائر الحائر.. الحكومة تصر على عقود تصدير طويلة الأجل، وأوروبا تراوغ

19 ديسمبر 2017
أوروبا تخفف من ارتهانها للغاز الجزائري (Getty)
+ الخط -

دقّت ساعة المفاوضات بالنسبة للجزائر، لتجديد عقود بيع الغاز لبلدان جنوب أوروبا، فالعقود طويلة الأمد التي تربط الدولة بإيطاليا وإسبانيا وفرنسا تعيش آخر أيامها.

وينتهي عقد الجزائر مع شركة إينوي الإيطالية العام المقبل (2018)، في حين تنتهي العقود المبرمة بين باريس والجزائر، وبين مدريد والجزائر، بين سنتي 2019 و2022.

ولا تزال الجزائر تفضّل إبرام عقود طويلة الأمد مع البلدان التي تشتري منها الغاز، وهي الرغبة التي أصبحت تزعج بعض الشركات النفطية الأوروبية التي تفضل عقودا قصيرة الأمد، خاصة أن السوق تشهد تقلبات مستمرة في الأسعار.

ويُنتظر أن تدخل شركة "سوناطراك" الجزائرية، في الأيام القادمة، في مفاوضات مع شركة إيني الإيطالية، من أجل تجديد العقد المبرم بين الطرفين سنة 1994، وتم تمديده سنة 2005 إلى غاية 2018، ولم تكشف الشركة الإيطالية بعد عن كل أوراقها.

وأعلنت الحكومة في روما، في شهر إبريل/نيسان الماضي، على لسان وزيرة التنمية الاقتصادية الإيطالية، كارلا كاليندا، أن إيطاليا قررت عدم تجديد عقد استيراد عقود الغاز الجزائري عبر الأنبوب الذي يربط البلدين.

مناورة

على الرغم من خروج القرار الإيطالي، القاضي بعدم تجديد عقود استيراد الغاز الجزائري، من مصدرٍ حكومي رسمي، إلا أن بعض المتتبعين لمشهد الطاقة يرون أن القرار مجرد مناورة من روما.

وحسب خبير الطاقة ونائب رئيس الجمعية الجزائرية لصناعة الغاز، عبد المجيد عطار، فإن روما تسعى للضغط على المجمع النفطي الجزائري سوناطراك لكسر الأسعار وليّ ذراع الجزائر التي تصر على ثنائية تخفيض الأسعار مقابل عقود طويلة الأمد.

وأضاف المدير العام الأسبق لمجمع سوناطراك، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الشركات الإيطالية لو قررت تجميد استيراد الغاز من الجزائر، ستكون ملزمة بالخضوع لما ينص عليه عقد التموين، من خلال تعويض الطرف المتضرر، وهو ما سيقف حاجزاً بين الشركات الإيطالية وعدم تجديد عقود سوناطراك، كما يمكن أن يخلف قرار تجميد العمل بأنبوب الغاز أزمة سياسية أكثر منها اقتصادية بين البلدين.

واستشهد المتحدث ذاته بالأزمة الحادة التي عاشتها إيطاليا، في الأيام الأخيرة، عقب حادث وقع الثلاثاء الماضي، تسبّب في انفجار بإحدى أهم المحطات لتوزيع الغاز نحو أوروبا، تقع في "بومغارتن" في النمسا، حيث طلبت الشركة الإيطالية ايني من سوناطراك تزويدها بنحو 12 مليون متر مكعب، يومي 12 و13 ديسمبر/كانون الأول الحالي، ما يعني أن إيطاليا لا تزال تعول على الغاز الجزائري، بحكم القرب الجغرافي الذي يؤثر على الأسعار.


من جانبه، قال خبير الطاقة ومدير مكتب إيمرجي للدراسات في باريس، مراد برور، إن العقود طويلة الأمد التي تفضلها الجزائر أصبحت من منظور اقتصادي غير مجدية، فالجزائر كانت تراهن على العقود طويلة الأمد لأخذ قروض من صندوق النقد الدولي وبعض الدول، حيث إن عائدات العقود مضمونة لسنوات طويلة، إلا أن الجزائر الآن تعيش أوضاعا اقتصادية صعبة تحتم عليها الاستفادة من الأسعار التي تفرضها سوق الطاقة العالمية.

وأضاف نفس المتحدث، لـ "العربي الجديد"، أن الدول المستوردة للغاز لم تعد تفضل مثل هذه العقود، عكس ما كان عليه الحال الماضي، حيث كانت تبحث الدول المستهلكة عن عقود تمنحها الراحة "الطاقوية" لسنوات طويلة، إلا أن مع تطور وسائل نقل الغاز تغيرت المعطيات".

معطيات جديدة

وتعتبر الجزائر من أهم مموّني القارة الأوروبية بالغاز الطبيعي، إذ تستورد القارة العجوز قرابة 30% من احتياجاتها من الغاز من الجزائر، عبر ثلاثة أنابيب لنقل الغاز، أولها أنبوب "GLSI"، والثاني "MEDGAZ"، والثالث المخصص للنقل إلى إسبانيا عبر المغرب وهو "GAZODUCMAGHREB-EUROPE".

وتحوز إيطاليا أكبر حصة من الغاز الجزائري بنحو 60%، تليها إسبانيا بنحو 20%، وفرنسا بقرابة 12%، ثم البرتغال بنحو 7%، وسلوفانيا بـ 1%.

إلا أن هذه الأرقام يمكن أن تتغير إذا لم تنجح الجزائر في تقديم عروض مغرية لزبائنها الدائمين، في ظل دخول منافسي الجزائر بمعطيات جديدة.

فروسيا أكبر منافس للغاز الجزائري في القارة العجوز أطلقت، بداية الشهر الحالي، مشروع "يامال" الغازي الذي تبلغ قيمته 27 مليار دولار، ويعد من أكبر المشاريع في العالم وأكثرها طموحا، فضلا عن بناء مصنع لتسييل الغاز يسمح بإنتاج 16.5 مليون طن سنوياً اعتبارًا من 2019، على ثلاث مراحل.

ويهدف المشروع الذي تملكه "نوفاتيك" بنسبة 40% والفرنسية "توتال" 20%، والشركتان الصينيتان، النفط الوطنية 20% وصندوق طريق الحرير "سيلك رود فاند" 20%، إلى إمداد قارة آسيا بنحو 54% من الغاز الروسي و46% منه إلى أوروبا.

وعلى الرغم من تصاعد الخلافات السياسية، وحرب العقوبات الاقتصادية، بين روسيا والغرب، منذ أكثر من ثلاث سنوات، ظلت إمدادات الغاز الروسي إلى بلدان الاتحاد الأوروبي بمنأى عن هذه التوترات، بل سجلت ارتفاعاً ملحوظاً، بينما يظل الغاز الأميركي، الذي وصفه خبير في الطاقة بـ"الدعائي" بعيدا عن خيارات الدول، لارتفاع أسعاره.

وسجلت صادرات الغاز الروسي إلى بلدان خارج رابطة الدول المستقلة (الجمهوريات السوفييتية سابقا)، أرقاما قياسية جديدة بلغت نحو 180 مليار متر مكعّب في العام الماضي، و148.6 مليار متر مكَعّب منذ بداية العام الحالي 2017، أي بزيادة نسبتها 10.3%، مقارنة بنفس الفترة من 2016. وبذلك تتجاوز حصة روسيا في إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الوقود الأزرق، حاجز الثلث.

يضاف إلى التحديات التي تواجه الغاز الجزائري، دخول شركة "شيل" الهولندية النرويجية كمنافس قوي، بعد استكشافها حقولا جديدة في جنوب النرويج مؤخرا، ما يرفع حجم العرض والمنافسة، ويجعل الجزائر في رواق ضيق، ويزيد غموض وتعقد معادلة الحكومة الجزائرية المبنية على الإبقاء على حصة الجزائر في السوق الأوروبية من دون تخفيض أسعار الغاز مع الفوز بعقود طويلة الأمد.

وبعد حروب الغاز بين روسيا وأوكرانيا، التي أسفرت عن اضطرابات في توريد الغاز إلى أوروبا، سعى الاتحاد الأوروبي إلى تنويع مصادر إمداداته عن طريق إطلاق مشروع خط أنابيب الغاز "نابوكو" لنقل الغاز من أذربيجان وتركمانستان بطاقة تمريرية بين 40 و50 مليار متر مكعب سنويا، وزيادة واردات الغاز الطبيعي المسال، ما خفف من ارتهان القارة العجوز إلى الغاز الجزائري الذي على الرغم من ذلك لا يزال يتميز بالعامل الجغرافي حيث قرب الأسواق.

عروض متوسطة الأجل

وإلى ذلك، قال كمال الدين جادي، وهو مسؤول سابق في وزارة الطاقة والمناجم الجزائرية، "إن سوناطراك تعد قائمة اقتراحات لتقديمها لشركة "غاز دو فرانس" بعقود متوسطة الأمد، ونفس الشيء ستحاول تقديمه لإسبانيا وإيطاليا". وجاءت هذه الخطوة، حسب تصريحات جادي، لـ "العربي الجديد"، تحت ضغط المنافسة التي فرضتها روسيا، بعدما أبدت استعدادها لتموين الجنوب الأوروبي بالغاز، وهي المنطقة الأكثر استهلاكا في القارة العجوز، بالنظر لارتفاع عدد السكان مقارنة بالشمال.

وأضاف المتحدث ذاته أن الجزائر لديها تحد داخلي آخر لا يقل أهمية، وهو تدني قيمة الدينار، ما يجعل الجزائر بين مطرقة إرضاء عملائها وسندان الظفر بأحسن الأسعار لتغطية تراجع عائدات النفط في السنوات الأخيرة.

وأنتجت الجزائر، حسب بيانات شركة الطاقة الجزائرية سوناطراك، العام الماضي، ما يقارب 132.2 تريليون متر مكعب من الغاز، مقابل 128.3 تريليون متر مكعب في 2015.
وتحتل الجزائر المرتبة الحادية عشرة عالميا من حيث احتياطات الغاز الطبيعي التقليدي المقدر بقرابة 159 تريليون قدم مكعبة.

وتقدّر مفوضية الاتحاد الأوروبي صادرات الجزائر بنحو 25 تريليون متر مكعب، في حين بلغت قيمة صادرات الغاز الطبيعي بالنسبة للجزائر في 2013 حوالي 12.82 مليار دولار، مقابل 15.81 مليار دولار في 2012، ونحو 37.3 مليار متر مكعب في 2015، حسب أرقام وزارة الطاقة الجزائرية.



المساهمون