صراع بأرواح السودانيين يخفي عشرات الأدوية من السوق

صراع بأرواح السودانيين يخفي عشرات الأدوية من السوق

11 ديسمبر 2016
تفاقم أزمة الأدوية في السودان (أشرف الشاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -
بدأت أزمة الدواء في السودان تتحول إلى كارثة صحية، بعد انقطاع أصناف كثيرة من السوق، خصوصاً تلك المرتبطة بالأمراض المستعصية والمزمنة. وتتفاعل الأزمة برغم قرارات وزارة الصحة الأخيرة بالتراجع عن الأسعار التي حددها المجلس القومي للأدوية والسموم سابقاً، والتي أطاحت بمدير المجلس.

خلاف على الأسعار
وكانت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي قد أعلنت في وقت سابق تحرير أسعار الدواء مما دعا المجلس القومي للأدوية والسموم إصدار تسعيرة جديدة رفعت من خلالها أسعار الأدوية بنسبة كبيرة تجاوزت 300%. وعلى الأثر، دعا عدد من المدونين إلى تنفيذ عصيان مدني لثلاثة أيام، ما دفع الحكومة لإلغاء التسعيرة الجديدة والعودة للعمل بالتسعيرة القديمة.

إلا أن تراجع وزارة الصحة عن التسعيرة وإقالة مدير المجلس لم يحقق غرضه، إذ ظلت الشركات المستوردة للأدوية والمنتجة له داخلياً تمتنع عن إمداد الصيدليات بالأدوية بحجة عدم استفادتها من التسعيرة القديمة. ما زاد من معاناة المرضى خاصة فيما يتعلق بالأدوية المنقذة للحياة.

ونشبت في الأيام الماضية، أزمة جديدة بين اتحاد الصيادلة وشعبة مستوردي الأدوية في السودان. ففي الوقت الذي ترى فيه الشعبة أن بعض الصيادلة "فاشلون وأصحاب أجندة ويزيدون الأسعار"، يقول الصيادلة أن مستوردي الأدوية تسببوا في غلاء الأدوية بعد دعوتهم السابقة إلى تحرير السعر.

ويقول أمين المال في اتحاد الصيادلة محمد عبد الله لـ "العربي الجديد" إن قضية تلاعب بعض الشركات بالأموال المخصصة للدواء أضحت معلومة لا تخفى على أحد. وما تم تخصيصه من اعتمادات لاستيراد الدواء من قبل بنك السودان والبالغ 10% من الكلفة، ذهب إلى 34 شركة فقط تصرفت بالأموال من دون أن تخصصها للدواء. ويؤكد أن حتى الأصناف المسجلة في السودان هي أقل من 5 آلاف صنف مقابل 35 مليون نسمة.

ويرى أنه توجد خشية من المنافسة، داعياً إلى مراقبة الشركات والمصانع والصيدليات عبر الجهات المختصة.

ممثل شعبة مُصنعي الأدوية علي بابكر، يقول بدوره إن مديونية شركات الأدوية بلغت 91 مليون دولار لمصانع خارجية، فضلاً عن مديونية الصيدليات للشركات.

ويلفت إلى أن أزمة الدواء متكررة وعانت منها الحكومات المختلفة من دون أن تجد لها الحلول. وأن اختلاف سعر الصرف أدى إلى مشكلة تهريب الدواء في ظل عجز الحكومة عن اتخاذ قرار مناسب رغم توافر المعلومات.

التداعيات على صحة المواطنين
وانعكست أزمة الدواء وتسعيرته مباشرة على المواطنين والمرضى، مع نقص واختفاء الكثير من الأصناف في غالبية صيدليات العاصمة الخرطوم.

الحاجة سعاد الشيخ مصابة بداء السكري ظلت تبحث عن "الأنسولين" من صيدلية إلى أخرى، وحينما تسأل عنه كان رد الصيادلة بعدم توافره يصيبها بالأسى والخوف. وكذا، والدة الموظفة أسماء عامر مصابة بمرض السكري، وتقول إنها ظلت تبحث عن "الأنسولين" لنصف يوم كامل، إذ كانت حياة والدتها مهددة، مبدية أسفها العميق أن تصبح الأدوية سلعاً تخضع لحسابات الربح والخسارة.

ويقول المواطن أحمد بشير: "للأسف دخلت الأدوية عالم التجارة في ظل انعدام كامل للأخلاق، فالأطراف التي تسببت في الأزمة هم الأطباء والمراقبون والحكومة والشركات، وما بين صراع الحكومة والشركات على قائمة الأسعار يموت المواطنون".

وتشرح طبيبة في صيدلية المك نمر (من أكبر صيدليات العاصمة الخرطوم) لـ "العربي الجديد" إن الأدوية المنقذة للحياة منعدمة في جميع فروع هذه الصيدلية، نتيجة إلغاء قائمة الأسعار الأخيرة، ووفقاً لذلك فإن الشركات امتنعت عن بيع عدد كبير من الأدوية المنقذة للحياة لأن البيع بالسعر القديم يكبدها خسائر فادحة.

وتعترف الصيدلانية سوسن الشفيع لـ "العربي الجديد" بوجود نقص حاد في الأدوية المهمة لحياة الإنسان، وتقول إن صيدليتها لا توجد فيها العديد من الأصناف الهامة والمنقذة لحياة الإنسان، ليس لأنها لا تملك القدرة على شرائها، ولكن لاختفائها من السوق بسبب إيقاف عدد كبير من الشركات عملية البيع.

وتقول إن أغلب الصيدليات تعاني من نقص حاد في أدوية حيوية منها أدوية أمراض السكري والضغط، وقطرات الأطفال وأهمها لحديثي الولادة، وأدوية أمراض تنظيم الدورة، ومسكنات الآلام وأدوية أمراض القولون.

ويلفت الطبيب الصيدلاني الطيب عبد الرحمن إلى أن المحاليل أيضاً دخلت قائمة الأدوية المختفية من الصيدليات مؤكداً أن الأزمة تزداد تعقيداً، لافتاً إلى أن الأصناف المحلية التي تعتبر بدائل أيضاً تعاني الشح، لأن المادة المستخدمة في تصنيعها مستوردة، فضلاً عن أن المواطنين يفضلون الأنواع الأكثر فاعلية بالنسبة لهم وهي المستوردة.

ويتخوف من استمرار الأزمة لأن الشركات المحلية مستمرة في التوقف عن التصنيع لارتفاع مدخلات الإنتاج بسبب ارتفاع الدولار مقابل العملة المحلية.


لا تخطيط ولا سياسات دوائية
ويطالب الأمين العام لجمعية حماية المستهلك ياسر ميرغني بإعادة ملف الدواء إلى وزارة الصحة، مستهجناً وجود 300 شركة لتوزيع الدواء الأمر الذي يصعّب سحب الدواء من السوق إذا لزم ذلك.

أما الخبير الاستراتيجي أحمد بشير فيرى أنه يجب وقف الدعم عن شركات الأدوية وتوجيهه إلى الإمدادات الطبية الحكومية، واصفاً الشركات بـ"المافيا".

ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور الفاتح عثمان لـ "العربي الجديد" إنه لا يوجد تخطيط مرتبط بقطاع الدواء، وإن سياسة دعم الدواء من قبل الحكومة تمت من دون أن تمتلك الأخيرة الأدوات المناسبة لتنفيذها، ما جعل الدعم يذهب لجهتين لا ثالث لهما جهة ليست لها علاقة بالدواء وأخرى لها علاقة تنقسم إلى قسمين، قسم يستورد الدواء ويتعامل معه بسعر السوق الموازي والآخر لم يستورد الدواء بل يستخدم النسبة في استيراد أشياء أخرى أو استورده بآجال بعيدة تزيد عن السنة.

ولكنه يرى أن أسعار الدواء في السودان تصل أحياناً إلى 18 ضعف سعره في بلاد المنشأ ما يعني أنه توجد فوضى إدارية في عمليات التسعير.

ويقول عثمان إن كل الشركات تسعر منتجاتها وفق سعر الصرف في السوق الموازية في البلاد، ويشدد على أن المشكلة الكبرى أن المجلس القومي للأدوية والسموم يتولى تسعير الدواء من دون أن يمتلك المعلومات المتعلقة بالأسعار، محملاً إياه مسؤولية هذه الأزمة.

ويدعو عثمان إلى تكوين جهاز أو لجنة للإشراف على الأسعار مع وضع خطة عاجلة لإنشاء شركة مساهمة عامة تتولى الاستيراد من الدول الأقل تكلفة.

المساهمون