اقتصاد "شباب امرأة"

اقتصاد "شباب امرأة"

16 ديسمبر 2015
اللاجئون العرب ينعشون اقتصاد أوروبا (Getty)
+ الخط -



ظل الفيلم المصري الشهير "شباب امرأة" عالقا بأذهان مشاهديه على مدار سنوات طويلة بل لعقود، فكيف لامرأة لعوب تشارف على وداع مرحلة شبابها أن تُسقط شابا في شباكها، تستنزف من حيوته قدر المستطاع ما يروي ظمأ رغبتها الفزعة من حلول شيخوخة غامرة.

إمام الذي جسد شخصيته الفنان (شكري سرحان)، الطالب الجامعي، يبدو أنه ملأ ربوع أوطاننا العربية التي تكتسي بالشباب، لكن اللعوب المستغلة في واقعنا ليست امرأة مثلما كانت "شفاعات" ذات الدهاء الذي عبرت عنه الفنانة (تحية كاريوكا) باقتدار، وإنما دول أوروبية وغربية استطاعت أن تنقذ شيخوختها عبر شباب العرب الهارب من بلاد خيّرته بين قبورها أو إشباع رغبات الابتزاز.

وليست الدول الأوروبية فحسب التي تقوم بدور "شفاعات"، بل ينتظر أن تطل أيضا دول آسيوية عدة في غضون سنوات من شرفات الشيخوخة، ليظل السؤال هل سيكون شبابنا أيضا هم وقود إعادة الدفء إلى اقتصادات هذه الدول، التي تخشى أفول نجم نموها.

فقبل نحو أسبوع حذر البنك الدولي من أن الدول الآسيوية تشيخ أسرع من أي مكان آخر في العالم، وإنها تحتاج إلى إصلاح أنظمة التقاعد بشكل عاجل.

وذكر البنك الدولي أن الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم ستفقد وحدها 90 مليون عامل خلال 25 عاما، حيث سيتسبب السكان المسنون في تقليص عدد السكان في سن العمل بنسبة أكثر من 10% وبنحو 15% في اليابان وكوريا الجنوبية وتايلاند ودول أخرى، لتتحول هذه البلدان من مجتمعات شابة نسبيا إلى مجتمعات عجوز ومن منتجة إلى مستهلكة.

وسبق أن حاصرت هذه التحذيرات أغلب دول أوروبا، ففي يوليو/تموز الماضي، خلصت دراسة أجراها معهد إحصاءات الاتحاد الأوروبي "يوروستات"، إلى أنه من المتوقع أن تخسر دول الاتحاد الثماني والعشرون 41 مليون نسمة من مجمل سكانها البالغ عددهم 507 ملايين نسمة بنهاية العام الماضي 2014.

كما أنه إذا أوصدت أوروبا أبواب الهجرة، زاد عدد المتقاعدين 31.7 مليون متقاعد، وتقلص عدد الشباب ممن هم في سن بين الـ 20 والـ 45 عاماً والأكثر اطلاعا على مستجدات العصر، 30.2 مليون نسمة.

اقرأ أيضاً: المركزي الأوروبي: الاستثمار في اللاجئين سيعزز اقتصاد أوروبا

وأظهرت الإحصاءات أن ثلث سكان أوروبا سيتجاوزون سن الـ 50 عاماً بحلول عام 2015، ما يمكن أن يهدد نمو هذه المجتمعات على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

لذا لم يكن من البريء أن تستقبل هذه البلدان مئات الآلاف من اللاجئين العرب، لاسيما من سورية، وهي نفس البلدان التي دعمت تدمير أوطاننا بشكل مباشر وغير مباشر.

وفي مواجهة الخلل الديموغرافي، تصبح الهجرة الأجنبية والتي لا يوجد أرخص من شباب العرب في معادلتها، هي حتمية لإنقاذ قارة أوروبا العجوز من الأفول.

في المقابل يبلغ عدد سكان العالم العربي نحو 367.4 مليون نسمة من أصل 7 مليارات نسمة عدد سكان العالم حاليا، وفقا لما جاء في النسخة العربية من التقرير الإقليمي حول حالة السكان للعام الحالي 2015، التي تم إطلاقها مؤخرا في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.

وبحسب التقرير فإن نسبة الشباب العربي دون الـ 25 عاما تبلغ نحو 70% من مجمل سكان المنطقة وهم الأكثر تعليما ولديهم خبرات ومهارات لم تتح للأجيال السابقة، خاصة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وهم الأكثر تفاعلا مع ثقافات العالم، والأكثر قدرة على الابتكار والإبداع، والأكثر طموحًا وتطلعًا للمستقبل.

لكن إحصاءات منظمة العمل الدولية تشير إلى ارتفاع معدلات بطالة الشباب في الدول العربية إلى نحو 28%، ليعبر عن مدى الفشل الذي تغرق فيه حكومات المنطقة لاستغلال طاقة الشباب في بناء اقتصادات قوية يكونون هم وقودها وليس ثروات النفط أو الغاز أو الفوسفات والتعدين.

وفي ظل هذا التجاهل من حكام المنطقة لأهمية الشباب، وانشغال بعضهم بالحروب على كراسيهم الزائلة على حساب أجيال مستقبلية، سيظل الشاب "إمام" رهينة رغبات دول لا تنظر لإنعاش اقتصاداتها إلا بحسابات "شباب امرأة".



اقرأ أيضاً:
البنك الدولي يخطط لتعويض جيران سورية عن إيواء اللاجئين
أوروبا تراهن على اللاجئين لإنعاش اقتصادها

دلالات

المساهمون