إيران: خلفيات وأسباب رفع أسعار البنزين الذي فجّر الاحتجاجات

خلفيات وأسباب قرار رفع أسعار البنزين الذي فجّر الاحتجاجات في إيران

طهران

العربي الجديد

العربي الجديد
16 نوفمبر 2019
+ الخط -
أحدث قرار الحكومة الإيرانية رفع سعر البنزين 300% ليلة أمس الجمعة، صدمة كبيرة لدى المواطنين الإيرانيين، وأعقبته انتقادات واحتجاجات في مدن إيرانية، وسط تطمينات رسمية بتوزيع عوائد ارتفاع السعر بين 18 مليون عائلة تضم 60 مليون شخص. وفيما تؤكّد مصادر الحكومة أنّ قرار الزيادة يحظى بتأييد غالبية أركان السلطة وأن لا علاقة له بتغطية عجز الموازنة، فإنّ أغلب الأسباب المعروضة لهذا القرار، ترتبط بترشيد الاستهلاك وحماية البيئة ومكافحة التهريب.

وأثار رفع سعر البنزين مخاوف الإيرانيين من أن تعقبه موجة ثانية لارتفاع الأسعار بعد أن أشعلت العقوبات الأميركية خلال السنة الأخيرة موجة أولى، الأمر الذي أطلق احتجاجات في البلاد منذ أمس الجمعة. وفقا لوكالة "فارس" الإيرانية، فقد شهدت مدن إيرانية في الجنوب والوسط والشرق، احتجاجات على رفع سعر البنزين، مشيرة إلى أنها كانت أوسع في مدن محافظة خوزستان ومدينة سيرجان بمحافظة كرمان.

وبحسب تقارير غير رسمية، خلفت الاحتجاجات في مدينة سيرجان وسط إيران، قتيلا واحدا. وجاء القرار برفع سعر البنزين في إطار السعي لإلغاء الدعم الحكومي للطاقة، لكن لم يشمل بعد كافة المحروقات إلا البنزين خوفاً من تأثيره الكبير في ارتفاع أسعار السلع والخدمات.

وفي قطاع البنزين أيضاً لم تلغ الحكومة الدعم نهائيا. وبحسب بيان للشركة الوطنية لتوزيع المنتجات النفطية، قررت تخصيص 60 ليترا للسيارات الشخصية بالشهر بسعر حكومي يبلغ 1500 تومان، (سعر الصرف 11500 لكل دولار) يتم شحنه شهريا على بطاقات خاصة لهذه السيارات، بالإضافة إلى تخصيص حصص خاصة لسيارات النقل العام. فعلى سبيل المثال، تمنح 400 ليتر شهريا لسيارات الأجرة، التي تستهلك فقط البنزين، والتي تستهلك الغاز والبنزين معا، تقدم لها 200 ليتر فحسب.

إلا أن هذا المقدار من الدعم لن يكفي لأسبوع أو أقل في حالات عادية، ولاستهلاك المزيد على الإيرانيين دفع 3 آلاف تومان لكل ليتر، أي 300% أكثر من قبل، بعدما رفعت الحكومة الإيرانية سعر البنزين من ألف تومان إلى ثلاثة آلاف تومان لكل ليتر اعتبارا من أمس الجمعة، الخامس عشر من الشهر الحالي.

أسباب الخطة

وفيما يعزو خبراء اقتصاديون سبب رفع سعر البنزين إلى سعي الحكومة لتعويض العجز

الحاصل في الموازنة العامة، التي فقدت موردها الأساسي أي عوائد صادرات النفط بعد فرض واشنطن حظرا شاملا عليها. إلا أن المسؤولين الإيرانيين يرفضون ذلك، مؤكدين أن العوائد ستوزع بين الأسر محدودة الدخل.

وحول أسباب رفع سعر البنزين، شرح الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أمس الجمعة، أنه "لا يتصور أحد أن الحكومة اتخذت هذا القرار لصعوبة الوضع الاقتصادي ولتعويض عجز الموازنة، ليس الأمر هكذا أبدا، ولن يذهب العائد إلى خزانة الدولة".

وأكد روحاني أن هذا الإجراء "جاء لمصلحة الناس والشرائح التي تعاني من المشاكل الاقتصادية"، مضيفا أن "الناس واجهوا ضغوطا اقتصادية شديدة خلال العامين الأخيرين والحكومة تعتزم تقديم دعم للأسر الأكثر تضررا لتوفير حاجاتها الأساسية".

وفي السياق، قسّم روحاني المجتمع الإيراني إلى شريحتين، الأولى "قرابة 75 في المائة يواجهون ضغوطا اقتصادية" والثانية "25 في المائة وضعهم الاقتصادي جيد"، مشيرا إلى أن "18 أو 19 مليون أسرة إيرانية أي حدود 60 مليون شخص، سيشملهم الدعم الحكومي الشهري"، من العوائد الحاصلة من ارتفاع سعر البنزين، التي قال وزير النفط الإيراني، بيجن نامدار زنغنة، إنها "تبلغ 31 ألف مليار تومان (دولار واحد=11500 تومان)".

كما اعتبر الوزير الإيراني أن من ميزات مشروع ترشيد استهلاك البنزين احتواء الاستهلاك الزائد له، وزيادة التصدير وتخصيص دعم مباشر للناس.

ووفقا لرئيس منظمة التخطيط والموازنة، مساعد الرئيس الإيراني، محمد باقر نوبخت، لقد تقرر أن تودع الشركة الوطنية للمنتجات النفطية، عوائد ارتفاع سعر البنزين في حساب خاص، لتوزع شهرياً خلال الأسبوعين القادمين، بين 18 مليون أسرة إيرانية، مضيفا أنه سيدفع لكل عائلة مكونة من شخص إلى 5 أشخاص فصاعدا مبلغا يتراوح بين 55 ألف تومان و205 آلاف تومان.

وفيما وجهت انتقادات حادة للحكومة وسط رفع شعارات ضدها وضد الرئيس روحاني خلال الاحتجاجات، إلا أن رئيس مكتب الرئاسة الإيرانية، محمود واعظي، نفى أن تكون الحكومة هي وحدها وراء القرار برفع سعر البنزين، محاولا توزيع المسؤولية من خلال القول إن "تعديل سعر البنزين كان قرارا لجميع أركان النظام والجميع شارك في اتخاذ هذا القرار والحكومة كانت تنفذ القرار فقط".

علمًا بأن القرار اتخذه المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي، المكون من رؤساء السلطات الثلاث في البلاد أي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، ومسؤولين آخرين يتبعون هذه السلطات.

بين التأييد والرفض

عموما، إلى جانب رواية الحكومة، يطرح مؤيدو رفع سعر البنزين، ثلاثة أسباب رئيسية:

الأول أن ذلك يقلل من عمليات تهريب الوقود، التي ازدادت خلال العام الأخير بسبب الفارق الكبير بين سعر المحروقات في إيران والدول المجاورة، بعد تراجع عملة الريال الإيرانية وتصاعد أسعار العملات الأجنبية. وتشير الإحصائيات إلى تهريب 15 إلى 20 مليون ليتر من الوقود إلى خارج البلاد يوميا.

والسبب الثاني أن الخطة تقلل من مخاطر الاستهلاك الكبير للبنزين على البيئة وتقلل التلوث البيئي، الذي تعاني منه المدن الإيرانية الكبرى وهو تزايد كثيرا خلال الأعوام الأخيرة.

والسبب الثالث هو إدارة أفضل لاستهلاك هذا الوقود والحيلولة دون زيادته على إنتاجه البالغ 100 مليون ليتر، إذ زاد الاستهلاك في بعض الأيام أكثر من 100 مليون ليتر؛ الأمر الذي كان من شأنه أن يدفع الدولة إلى استيراد هذه الطاقة مستقبلا وهو أمر يبدو غير ممكن على ضوء العقوبات الأميركية.

وفي الإطار، أعلنت الشركة الوطنية لتوزيع المنتجات النفطية في بيان أنه باليوم الأول من تنفيذ مشروع ترشيد استهلال البنزين من خلال رفع أسعاره، تراجع الاستهلاك نحو 20 في المائة.

في المقابل، يرى المعارضون للخطة أن تلك الأسباب إما مؤقتة أو غير نافعة؛ وفي ما يتعلق بالسبب الأول، أي الحدّ من عمليات تهريب الوقود، يعتبر هؤلاء أن رفع الأسعار لن يقلل التهريب بشكل كبير لأن الفارق في الأسعار في إيران والدول المجاورة لها مازال كبيرًا، وأنّ تراجع أرباح التهريب بنسبة ضئيلة لن يثني المهربين عن مواصلة المهنة.

كما أن المعارضين يعتقدون أن وجود سعرين للبنزين، سعر حكومي وآخر حرّ، يفتح الباب على الفساد في هذا القطاع.

ذات صلة

الصورة
	 في طوكيو: "أوقفوا العدوان على غزة" (ديفيد موروي/ الأناضول)

منوعات

"وحيدا وبصمت"، هكذا يصف الياباني فوروساوا يوسوكي احتجاجه المتواصل على العدوان الإسرائيلي المستمر لقطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
الصورة

سياسة

توعّد الحرس الثوري الإيراني، اليوم السبت، بـ"إغلاق بقية الممرات" المائية الدولية، إذا واصل الاحتلال الإسرائيلي جرائمه بحق سكان غزة.
الصورة

مجتمع

تلقى النائب العام المصري محمد شوقي عياد، اليوم الأربعاء، نحو 30 بلاغاً من أسر شباب معتقلين يفيد باختفاء أبنائهم قسرياً عقب القبض عليهم بالتظاهرات التي اندلعت الجمعة الماضي دعماً لقضية فلسطين ونصرة قطاع غزة في مواجهة عدوان الاحتلال الإسرائيلي الممنهج
الصورة
احتجاجات السويداء 2 (العربي الجديد

سياسة

تبدو احتجاجات السويداء تحدياً غير مسبوق للنظام السوري، ذلك أن معارضة الأقلية الدرزية تمثّل انقلاباً على تكتيكات النظام الذي حمل خطاب "تخويف" موجّه للأقليات مفاده: أن "خطراً وجودياً قد يحدق بها في حال خسر النظام السلطة".

المساهمون