أجواء ساخنة تلف مناقشات موازنة لبنان في مجلس النواب

أجواء ساخنة تلف مناقشات موازنة لبنان 2019 في مجلس النواب

11 يونيو 2019
لجنة المال في ثاني أيام مداولات الموازنة (مجلس النواب)
+ الخط -


استأنفت لجنة المال والموازنة النيابية اللبنانية، اليوم الثلاثاء، دراسة مشروع الموازنة العامة والموازنات الملحقة لعام 2019، حيث تم حتى عصر اليوم، الانتهاء من مناقشة الفصل الثاني المتعلق بقوانين البرامج، فيما استمرت مداولات الفصل الثالث المتعلق بالبنود الضريبية.

ونظراً لحساسية موضوع الموازنة والبنود الضريبية الداخلة فيه، انتقلت الجلسة التي عُقدت برئاسة النائب إبراهيم كنعان، من قاعة الندوات في الطبقة الرابعة من مقر مجلس النواب في وسط بيروت، إلى قاعة المكتبة، بسبب المشاركة الكثيفة للنواب الذين فاق عددهم الـ60 نائباً.

ومن تصريحات أدلى بها النائب كنعان بعد الجلسة الأولى للجنة اليوم، يتبيّن حجم الانقسامات بين الأطراف السياسية، حول بنود حساسة، لا سيما إعلانه أنه "لن تكون هناك إجازتان للاقتراض"، مشيراً إلى أن "الإصلاح البنيوي سيكون جدياً وواضحاً و"لن نسمح بالتجاوز لأي صلاحية ولأي استدانة فوق السقف".


وكشف كنعان أن الجلسة المسائية اليوم سوف تشهد تصويتاً على "توسيع رقعة الرقابة المسبقة على القروض والهبات على كل المؤسسات العامة والهيئات التي تدير مالاً عاماً"، مضيفاً: "سنتابع في الجلسة المسائية المواد الضريبية المرتبطة بالأمن العام وشركات السياحة ورسوم جمركية وصلاحيات جواز السفر واعفاءات للبلديات وسواها".


كما قال كنعان إن "النقاشات جدية والشفافية كبيرة والحضور في اللجنة مميز وستكون هناك اقتراحات جديدة لإيرادات تغذي الخرينة دون إثقال كاهل المواطن بضرائب جديدة"، مضيفاً: "حريصون على استقلالية السلطة القضائية وعلّقنا المادة المرتبطة بصندوق القضاة إلى الغد لحسمها وسنأخذ بالاعتبار المساواة والعدالة والظروف التي تحتم أحياناً احترام الخصوصيات وتوجهنا لاستكمال التفاهم مع وزارة المال لنتحدث لغة واحدة".

وكشف أيضاً أنه "حصل التزام بالتفاهم مع وزيري الدفاع والمال على إعادة اعتمادات للجيش إلى عام 2020 بدلاً من 2021"، متابعاً: "وجهنا سؤالاً لوزير المال عن إرجاء اعتمادات متعلقة بقانون برنامج للبناء الحكومي الموحد كبديل عن الأبنية المستأجرة وجواب الوزير أن هناك اعتمادات مدورة والإرجاء لا يؤثر على المشروع وطالبنا بالرقابة على دفتر الشروط والكلفة".

وأوضح أن "وزارة المالية التزمت بعدم إحالة قوانين برامج جديدة ضمن الموازنة ودخلنا اليوم في الاعتمادات السنوية لقوانين البرامج المقرة سابقاً من مرفأ جونية وطريق القديسين وسواها وحصل نقاش في كل البنود وأرجأنا قوانين التربية والطاقة والاتصالات لمناقشتها مع الوزراء"، كاشفاً عن أن مشروع الموازنة يلحظ أيضاً قروضاً مدعومة مخصصة للإسكان.

كما لفت إلى أن "قرارات ديوان المحاسبة في ملف التوظيف جيدة والمسار يجب أن يستمر وفائض الموظفين الملحوظ بالموازنة يجب أن يرتبط بالمحددين من قبل مجلس الخدمة المدنية".


وفيما تواصل اللجنة نشاطها بمعدّل جلستين يومياً على أمل الانتهاء من درس مشروع الموازنة وإحالته على الهيئة العامة لمجلس النواب خلال شهر واحد بدلاً من ثلاثة، كما هي المدة المقدّرة عادة، ينال المشروع وأداء الأفرقاء السياسيين المنقسمين حوله قسطاً وافراً من الانتقادات.




في السياق، أعلن "المجلس الاقتصادي والاجتماعي" في "حزب الكتائب"، في بيان اليوم، أنه "مع بدء مناقشة مشروع الموازنة في لجنة المال والموازنة، نستغرب الهجوم العنيف الذي تشنه معظم القوى السياسية الممثلة في الحكومة على مشروع قانون الموازنة كأنها تقرأه للمرة الأولى".

وأضاف: "نعتبر اللغة المزدوجة، والمزايدات التي اعتدنا عليها من هذه السلطة، مجرّد محاولة للتنصل من مسؤولية موازنة وضعها أفرقاء السلطة بالتكافل والتضامن خلافا للدستور، وضربت الطبقات الأكثر فقرا في عيشها اليومي في استعادة لأفعالهم، يوم أقروا قانون الضرائب السيئ الذكر من دون أن يرفّ لهم جفن".

ودعا "الكتائب" النواب الممثلين في الحكومة والمعترضين على هذه الموازنة، إلى أن "يُقرنوا الأقوال بالأفعال، ويتقدّموا باستقالاتهم للانضمام إلى المعارضة والعمل سوياً على تعديل الموازنة، بما فيه مصلحة لبنان واللبنانيين والاقتصاد اللبناني، وإلا فليوقفوا المزايدات المكشوفة".

"الأحزاب": الموازنة تمسّ معيشة المواطن وذوي الدخل المحدود

كما عقد لقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية، اجتماعه الدوري، وأصدر بياناً دعا فيه مجلس النواب إلى "إعادة النظر في البنود الواردة في الموازنة، والتي تمس بالأوضاع المعيشية للمواطنين، وخصوصا ذوي الدخل المحدود، لا سيما الضرائب غير المباشرة التي وردت في مشروع الموازنة المحال إلى المجلس النيابي، وخصوصا البند المتعلق بفرض رسم 2% على السلع المستوردة، والتي تطال الطبقات الفقيرة من دون استثناء".

واستغرب البيان أن "يجري المس بالقدرة الشرائية للمواطنين بدلا من العمل على وقف مسارب الهدر والفساد التي باتت معروفة للجميع، وإعادة النظر بالسياسات الاقتصادية والمالية التي اعتمدت منذ عام 1992 وتسببت بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة وأغرقت لبنان بالدين، وبالتالي أدت إلى العجز الدائم في الموازنة".

وتساءل المجتمعون عن "حقيقة حرص بعض المسؤولين على معالجة الوضع المالي السيئ للبلد، في الوقت الذي يتعمدون فيه إعفاء المتمولين المعتدين على الأملاك البحرية من الغرامات الفعلية، بدلا من استعادتها والاستفادة من تأجيرها لصالح الخزينة".

تقشف الموازنة وإهدارها يُشعلان "تويتر"

واتخذت شخصيات سياسية من "تويتر" منصّة لتقاذف الاتهامات وتوجه الانتقادات اللاذعة لمشروع الموازنة، فغرّد النائب جميل السيّد قائلاً: "من جلسات مناقشة الموازنة. هي موازنة أقل من تقليدية لمعالجة وضع أكثر من مأسوي. ‏يفتشون عن القرش في الجيوب والأركيلة، ‏ويتعامون عن سيول الهدر والبعزقة في المؤسسات العامة والمرافئ والصناديق والمجالس والهيئات والخليوي ومصرف لبنان والريجي والخليوي وغيره، وكلها محميات لهذا وذاك".


تمويل جمعيات الرعاية... اتهامات وردود

ولا يزال بند التقشف المتعلق بمؤسسات الرعاية الاجتماعية الخاصة محط نزاع بين الأطراف السياسية المستفيدة من تمويل جمعيات عديدة من هذا النوع.

والجديد اليوم تأكيد وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان بعد زيارته جمعية "سيسوبيل" أنه وجّه نداء أمس إلى "المقتدرين والمتمولين كيلا نترك مجتمعنا وانساننا، وفاعل الخير يريد عدم تعديل لائحة الطعام التي كانت تقدم الى الأطفال".

وقال إن "الأهل يطلبون كرامة أطفالهم، ونحن سنحافظ عليها، المؤسسة ستستمر لكل اللبنانيين والنواب مشكورون المهم أن يبقى علم سيزوبيل مرفوعا".

أضاف: "يجب الا نترك مجتمعنا، رئيس بلدية المطليب بول شديد أراد ان ‏يساهم مساهمة متواضعة لشهر كامل، هذا المبلغ المتواضع له مفعوله الكبير على المؤسسة وأتمنى من كل فاعلي الخير أن ينظروا إلى شعبهم".

وتوجّه إلى المغتربين بالقول: "البلد بحاجة إليك واللبنانيون بحاجة ‏إليكم، نحن بحاجة أن تبقى أبواب كل هذه المؤسسات مفتوحة نحتاج إلى مساعدتكم فلبوا النداء".

وغرّد قيومجيان على "تويتر" قائلاً: "سعادة النائب إبراهيم كنعان (رئيس لجنة المال والموازنة) يا ليت موازنة الجمعيات 600 مليار (ليرة)، ولكن هذا الرقم قال رئيس الحكومة في آخر جلسة موازنة إنه يعود لوزارة المهجرين. موازنة الجمعيات المتعاقدة مع الشؤون الاجتماعية 150 مليارا وتمر على ديوان المحاسبة قبل الصرف. أجوكم أوقفوا المزايدة بموضوع الجمعيات الوهمية".


وما لبث النائب كنعان أن رد عبر "تويتر" أيضاً على تغريدة قيومجيان، قائلاً: "الواضح معالي الوزير أنك غير مطلع على ملف الموازنة واعتماداتها ومساهمات الدولة في الجمعيات التي لا تتوخى الربح التي لا علاقة لها بوزارة المهجرين وصلت الى 624 مليار في 2018 وناهزت ال 500 مليار في 2019، فحبذا معاليك لو تقرأ الموازنة موافقتك عليها وقبل اتهامنا".

الغموض في مسألة الجمعيات استدعى تغريدة من النائب عماد وكيم قال فيها: "على سعادة الزميل ابراهيم كنعان... فلتوضح بالاسم اي جمعيات هي المقصودة حتى تتم معالجة المسألة بالطرق القانونية في سبيل الخير العام وإلا سيتحول هذا الموضوع حكماً إلى حفلة مزايدات".


أزمة أساتذة الجامعة اللبنانية والقضاة المعتكفين

في السياق أيضاً، عرض رئيس الجمهورية ميشال عون مع وزير التربية أكرم شهيّب مسألة الجامعة اللبنانية، والإضراب الذي دعا إليه الأساتذة، حيث جدّد شهيّب الدعوة إلى وقف الإضراب من أجل إنقاذ العام الدراسي الحالي، مؤكداً في المقابل أحقية مطالب المعلمين، ولافتاً إلى أنه والرئيس عون اتفقا على أن المسألة لا تتعلق بالمطالب، بل بالتوقيت.

وكشف شهيّب عن زيارتين سيقوم بهما إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، لبحث قضية الجامعة اللبنانية، آملاً التوصل إلى توافق حول كل المطالب.

بدوره، تمنى وزير المالية علي حسن خليل، أن يتعاطى القضاة المعتكفون بإيجابية مع النقاش الدائر في مجلس النواب حول مشروع الموازنة العامة، وأن يتجاوزوا بعض التحفظات من دون أن يمسّ هذا الأمر بروح استقلالية القضاء.



وخلال تمثيله رئيس مجلس النواب نبيه بري، في "مؤتمر رؤساء المحاكم العليا العربية" بمقر المجلس، دعا خليل إلى ضرورة أن يكون التعاطي الإيجابي بادرة لترجمة طموحات القضاة، وهو أمر تم تنسقيه مع الرئيس الأول القاضي جون فهد، ووزير العدل ألبير سرحان، بهدف تعزيز أدوار القضاة في حماية الدولة.

إلى ذلك أكد القضاة المعتكفون انفتاحهم على أي خطوات إيجابية تصدر عن المعنيين. وأصدر نادي قضاة لبنان بيانا اليوم لمناسبة الذكرى المئوية لمحكمة التمييز، أشار فيه إلى أن "الذكرى المئوية لمحكمة التمييز تحل في وقت لا يزال قضاة لبنان يناضلون للحصول على استقلالية سلطتهم الدستورية الفعلية، الأمر الذي يعكس حجم الأزمة التي ما فتئت تتعاظم إلى أن وصلت إلى حد من الخطر يتعذر التعايش معه".

وأعلن النادي أنه "بما يمثل ضمن الحراك القضائي الراهن، يؤكد في هذه المناسبة أن الصرخة الحالية للقضاة هي انتفاضة على واقع مزر، ضحيته الأولى دولة القانون ومبادئها السامية التي تتيح للإنسان أن يكون مواطنا بكل معنى الكلمة؛ ويتطلع النادي بنظرة تفاؤل إلى رعاية حامي الدستور فخامة رئيس الجمهورية لحفل إحياء ذكرى المئوية لما في ذلك من رمزية لا بد أن تتم ترجمتها قريبا لما فيه خير القضاء والوطن".

على كل حال، تبقى اجتماعات لجنة المال والموازنة بالبرلمان اللبناني مفتوحة على التدخلات السياسية، ما يعني تالياً، أن الأرقام المتعلقة بالواردات والنفقات والعجز المالي تبقى هي الأخرى عرضة للتبديل والتغيير، وهو ما يثير الشكوك حول إمكان التزام الحكومة خفض نسبة العجز من 11.4% إلى 7.59% من الناتج المحلي الإجمالي، كما تعهّدت عند إقرار مشروع الموازنة قبل إحالته إلى اللجنة.

المساهمون