تنزيلات وعروض في غزة بلا مشترين

أسواق غزة بلا مشترين رغم التنزيلات والعروض

25 يونيو 2017
التنزيلات لا تُجدي مع صعوبة الظروف المعيشية(عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -
لا يكاد يمر يوم إلا ويجد الغزيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عرضاً جديداً إما لمطعم أو محل تجاري لبيع الهواتف الذكية ومتعلقاتها، أو حتى محال العطور والملابس، في الوقت الذي يعيش فيه السكان أوضاعاً اقتصادية متردية.

ويفاجأ من يمر في أسواق غزة خلال الأشهر الأخيرة، بانتشار ظاهرة العروض والتنزيلات المطروحة من قبل أصحاب المحال التجارية ورجال الأعمال على بضائعهم، بعد أنّ كانت هذه الظاهرة موسمية مرتبطة بأوقات معينة، صارت في غزة دائمة نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب.

وباتت هذه السياسة التي تنتهجها أغلب المنشآت التجارية في القطاع المحاصر إسرائيليًا منذ عام 2006، وسيلة لهم للحصول على السيولة النقدية الشحيحة التي تعصف بالواقع الاقتصادي خلال السنوات الأخيرة، واشتدت عقب خصومات السلطة الفلسطينية الأخيرة لرواتب موظفيها في غزة.

ويقول الخبير الاقتصادي نهاد نشوان، إن الإجراءات الأخيرة التي قامت بها السلطة الفلسطينية حرمت السوق من نحو 20 مليون دولار أميركي شهريًا كانت تمثل سيولة نقدية للقطاعات التجارية المتنوعة.

ويوضح نشوان لـ "العربي الجديد" أن حاجة التاجر وصاحب رأس المال للسيولة النقدية باتت تدفعه نحو الهرب من تعظيم الأرباح والرغبة في استرداد ماله بشكل سريع من أجل الوفاء بالالتزامات والتعهدات المالية المترتبة عليه، في ظل الواقع التجاري الحالي.

ويرجع الخبير الاقتصادي أسباب التوجه والهرب نحو طرح العروض والتنزيلات الكثيرة في مختلف الوحدات التجارية، إلى واقع الأزمات اليومية التي يعيشها الغزيين بين الرواتب وانقطاع التيار الكهربائي وحالة الارتباك السياسي والقلق الدائم من مواجهات وحروب قريبة.

ويبين نشوان أن الحالة الاقتصادية المتدهورة لا بد أن تدفع تجار القطاع نحو تقليل أرباحهم بما يتوافق مع واقع السكان والتحول لبيع أكبر كمية ممكن من منتجاتهم وبضائعهم بنسبة ربح أقل، لضمان الحصول على السيولة النقدية واسترداد أموالهم بشكل أسرع ومنعًا لأي انهيارات.
ويشير إلى أن العام الحالي يعتبر الأسوأ بمختلف الجوانب الاقتصادية كونه شهد عملية التقليص التي طاولت آلاف موظفي السلطة الفلسطينية في غزة، وهو ما انعكس بشكل جلي على المشهد التجاري في موسمي رمضان والعيد وما سيلحقهما من مواسم.

ومطلع أبريل/نيسان الماضي، توجهت السلطة الفلسطينية نحو سياسة جديدة تمثلت في خصم 30% من رواتب موظفيها في القطاع فقط، فيما أبقت على رواتب الموظفين بشكل كامل في الضفة الغربية، الأمر الذي انعكس على القدرة الشرائية المنهكة بفعل الحصار وتلاحق الحروب.

استغلال موسم العيد

ويحاول التجار والباعة المتجولون وأصحاب البسطات قدر المستطاع استغلال موسم عيد الفطر، باعتباره الأفضل على مدار العام، وينتظره أصحاب البضائع المكدسة، إما لتعويض بعض الخسائر التي لحقت بهم جراء الأوضاع الاقتصادية الصعبة، أو لتحريك عجلتهم الاقتصادية التي راوحت مكانها لزمن.



ويؤكد الخبير الاقتصادي محمد أبو جياب لـ"العربي الجديد" أن ملف العروض والتنزيلات ليس جديداً على القطاع بقدر كونه بات مرتبطًا بالواقع الاقتصادي الذي أضحى متراجعًا بشكل كبير في ظل ضعف القوى الشرائية لدى الغزيين.

ويقول أبو جياب إن ضعف القوة الشرائية للسكان دفع الوحدات التجارية والتجار نحو إطلاق حملات واسعة وعروض قد يصل بعضها لمرحلة الخسارة في بعض الأحيان والهدف ليس منها ليس المنافسة بقدر الرغبة في الحصول على المال النقدي في ظل حالة غير مسبوقة من الركود الاقتصادي.

ويربط الخبير الاقتصادي بين تدهور القدرة الشرائية وخطوات السلطة الفلسطينية بحق موظفيها، والتي أسهمت في حرمان السوق المحلية من حصة كبيرة من السيولة النقدية التي كان معتاداً، بالإضافة إلى زيادة معدلات البطالة وغياب التوظيف الحكومي بغزة ورام الله.

ويبين أبو جياب أن العديد من أصحاب رؤوس الأموال أو التجار باتوا مفلسين حالياً بحكم الواقع الاقتصادي المتردي، ومن يعمل حاليًا في السوق هم بعض ممن لديهم سيولة نقدية أو ممتلكات تمكنهم من تدبر أمورهم في ظل ظروف القطاع المحاصر للعام الحادي عشر على التوالي.

ووفقاً لتقارير دولية رسمية، فإن معدل انعدام الأمن الغذائي في القطاع وصل لأكثر من 50%، فيما وصل اعتماد السكان على المساعدات الإغاثية لأكثر من 80%، في الوقت الذي سجلت البطالة ارتفاعاً كبيراً في صفوف خريجي الجامعات والشباب.

عروض لتحريك الأسواق

ويؤكد مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية بغزة، ماهر الطباع، أن فكرة العروض جاءت نتيجة الأزمات التي يعاني منها أكثر من مليوني مواطن غزي يعيشون في القطاع ونتيجة تراجع القدرة الشرائية لهم وتفاقم حالة الكساد في الأسواق.

ويلفت الطباع في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى أن العروض والتنزيلات باتت مرتبطة أيضًا بالبضائع الموسمية التي لا يريد التجار تخزينها للمواسم المقبلة خشية من الخسارة أو الاستمرار أو فقدان قيمتها والرغبة في الحصول على الأموال لتسديد الالتزامات.

ويواجه اقتصاد غزة صعوبات كبيرة في ظل العدوان الإسرائيلي المتكرر والحصار المتواصل منذ نحو 11 عامًا، إذ شهدت معدلات الفقر ارتفاعاً كبيراً في صفوف الفلسطينيين، الذين يعيشون في فقر مدقع في القطاع، فقد ارتفعت من 33.2% عام 2006 إلى 45% في نهاية عام 2015 وفقاً لتقرير البنك الدولي.

وتشكل فترات المواسم والأعياد نافذة أمل لشباب غزة المتعطلين، خصوصاً في ظل ندرة فرص العمل والوظائف. ولم يغيّر موسم رمضان هذا العام كثيراً من حالة الركود التي تعيشها أسواق غزة، إذ تسوء الأوضاع أكثر مع تواصل الحصار الإسرائيلي، فضلاً عن أزمة الرواتب التي نسفت ما تبقى من قدرات.

وبحسب إحصاءات اللجنة الشعبية لكسر الحصار (منظمة غير حكومية)، فإن نحو ربع مليون فلسطيني في القطاع البالغ عدد ساكنيه نحو مليوني نسمة عاطلون عن العمل، في الوقت الذي لا يتجاوز متوسط دخل الفرد اليومي دولاراً أميركياً.

وكان رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، جمال الخضري، قد قال في مؤتمر صحافي في مارس/ آذار الماضي، إنّ الآثار الكارثية للحصار الإسرائيلي تتصاعد وتزداد، مشيراً إلى أن سلطات الاحتلال تتحمل مسؤولية الأوضاع الكارثية المتفاقمة.

وأكد الخضري ضرورة ممارسة المجتمع الدولي ضغطاً حقيقياً على إسرائيل لإنهاء هذا الوضع.

المساهمون