كورونا ينهي سياسات المغرب المتأني في الاستدانة

كورونا ينهي سياسات المغرب المتأني في الاستدانة... قروض لتخفيف الصدمة

12 ابريل 2020
الواردات بلغت 50 مليار دولار في العام الماضي (Getty)
+ الخط -

 

قرر المغرب السحب من خط السيولة والوقاية الذي وضعه صندوق النقد الدولي رهن إشارته، دون أن يضطر إلى استعماله في الأعوام الماضية، نظراً لتوافر رصيد من النقد الأجنبي يتيح للمملكة مواجهة خمسة أشهر على الأقل من المشتريات من الخارج.

وقال بيان للبنك المركزي ووزارة الاقتصاد والمالية، قبل أيام، إن البلاد ستسحب خط سيولة بقيمة ثلاثة مليارات دولار متفق عليه مع صندوق النقد الدولي. وحسب البيان، فإن المبلغ قابل للسداد على مدى خمسة آعوام.

وشدد المركزي على أن الخط سيوضع رهن إشارة بنك المغرب وسيوظف لتمويل ميزان الأداءات، مشيرا إلى آن ذلك لن يؤثر على الدين العام، معتبرا آن ذلك يعد سابقة في تاريخ المعاملات مع صندوق النقد الدولي.

وأشارت مصادر لـ"العربي الجديد"، إلى أن الصعوبات التي يعيشها المغرب بفعل تراجع رصيد النقد الأجنبي فرض على البلاد استعمال ذلك الخط، ولا سيما مع التداعيات السلبية على الاقتصاد بسبب جائحة فيروس كورونا.

واعتبرت الحكومة أن الاستفادة من خط للسيولة والوقاية المفتوح من صندوق النقد الدولي، بمثابة تأمين يمكن اللجوء إليه من أجل مواجهة الصدمات الناجمة عن الأزمة العالمية أو ارتفاع أسعار بعض السلع مثل النفط، كذلك فإنه يشكل نوعاً من الضمانة على متانة الاقتصاد الوطني عند الرغبة في الاقتراض من السوق الدولية.

ويرى محمد بوستي، الخبير في المالية العمومية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الظروف الحالية الناجمة عن تداعيات فيروس كورونا، أتاحت مسوغات موضوعية من أجل استعمال خط السيولة والوقاية من قبل الحكومة المغربية.

وبحسب بوستى، يشهد المغرب تراجعاً لرصيده من النقد الأجنبي بسبب تراجع إيرادات السياحة وصادرات السيارات والنسيج والألبسة، هذا في الوقت الذي يجب عليه الحفاظ على مستوى كافٍ من ذلك الرصيد مع استيراد السلع التي لا غنى عنها، مثل آليات التجهيز والتجهيزات الطبية والسلع الغذائية، مثل القمح التي تزيد الضغط على فواتيرها.

واتخذ المغرب، الأسبوع الماضي، قراراً بتجاوز سقف التمويلات الخارجية المرخص لوزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، التي رخص البرلمان بإنجازها والتي كانت في حدود 3.1 مليارات دولار.

وذهب وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، إلى أن ذلك التدبير يأتي من أجل دعم رصيد المغرب من العملة الصعبة، التي سيمس نفادها بسيادة البلاد، التي تعاني من تراجع ذلك الرصيد جراء تراجع إيرادات متحصلة من السياحة وتحويلات المغتربين المغاربة وصادرات السيارات والنسيج والألبسة.

ومثل الوزير، الثلاثاء الماضي، أمام لجنة المالية والتنمية الاقتصادية في مجلس النواب، بهدف طرح مشروع مرسوم بقانون يقضي بتجاوز سقف الاقتراض من الخارج، الذي حدده قانون المالية في إطار خطط الدولة للحد من تداعيات الوباء الاقتصادية.

وأكد الوزير المغربي أن رصيد المملكة من النقد الأجنبي تآكل بسبب ما أفضت إليه كورونا من توقف إيرادات السياحة وتعليق صناعات السيارات وصادراتها وصادرات النسيج والألبسة.

ويرى بنشعبون أنه لا يجب الانتظار إلى حين جفاف الرصيد من النقد الأجنبي، مؤكداً أن التوجه إلى الاقتراض حالياً سيساعد على الحصول على قروض من السوق المالية بأسعار فائدة مخفضة.

وكان المغرب قد عاد في العام الماضي للاقتراض من السوق الدولية، حين طرح سندات بمليار يورو، بسعر فائدة في حدود 1.5 في المائة، وهو سعر اعتبر دليل ثقة من قبل السوق في أساسيات الاقتصاد المغربي.

ودأب مسؤولون في وزارة الاقتصاد والمالية في العامين الأخيرين، على التأكيد أن الدين الخارجي لا يشكل مشكلة بالنسبة إلى المغرب، على اعتبار أن الدين الخارجي للخزينة العامة للمملكة يمثل 14 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وهو مستوى يرتفع إلى 30 في المائة عند استحضار مديونية المؤسسات العمومية، علماً أنه كان في حدود 100 في المائة في الثمانينيات من القرن الماضي.

وكان محافظ البنك المركزي، عبد اللطيف الجواهري، قد اعتبر أن رصيد المغرب من النقد الأجنبي يصل حالياً إلى نحو 25 مليار دولار، ما يمثّل أكثر من خمسة أشهر من واردات السلع والخدمات. غير أن الجواهري عاد في ظل انتشار الفيروس، ليشدد على أن التطورات المرتبطة بفيروس كورونا مثيرة للقلق، لأن ذلك يخلق حالة من عدم اليقين، ما يجعل صعباً توقع المنحى الذي ستتخذه الأمور في الأسابيع المقبلة.

وينتظر أن تتراجع في ظل الوضع الحالي مصادر النقد الأجنبي، خصوصاً في ظل اعتماد المملكة على واردات يصعب الضغط عليها، ما يفاقم عجز الميزان التجاري. ففي العام الماضي، وصلت الواردات إلى نحو 50 مليار دولار، مقابل صادرات في حدود 29 مليار دولار.

ويأتي جزء وازن من صادرات المغرب في الأعوام الأخيرة من قطاع السيارات، التي وصلت في العام الماضي إلى نحو 8 مليارات دولار، وهي إيرادات يمكن أن تتعثر في ظل توقف مصانع "رينو" و"بيجو" بسبب كورونا.

وسيطاول الانخفاض كذلك إيرادات تحويلات المغاربة المقيمين في الخارج التي بلغت في العام الماضي نحو 7 مليارات دولار، إذ ستتأثر بالوضعية في بلدان الاتحاد الأوروبي، التي يرتقب أن يدخل اقتصادها في مرحلة انكماش.

ويأتي رصيد المملكة كذلك من صادرات الفوسفات ومشتقاته، في حدود 5 مليارات دولار، والصادرات الزراعية والغذائية في حدود 6.2 مليارات دولار، والنسيج في حدود 3.8 مليارات دولار، حسب بيانات مكتب الصرف.

كذلك يتوقع أن ينخفض تدفق الاستثمارات الخارجية المباشرة التي كانت في حدود 1.9 مليار دولار، متراجعة بنسبة 46.8 في المائة، غير أن الوضعية الحالية في البلدان المصدرة للاستثمارات لا توحي بإمكانية تدارك الأمر في المدى القريب.

ويعتبر الخبير في المالية العمومية، محمد الرهج، أن اللجوء إلى المديونية الخارجية في الظرفية الحالية لدعم ميزان الأداءات، أمر مفهوم بالنظر إلى الرغبة في مواجهة تداعيات فيروس كورونا التي أفضت إلى صعوبات على مستوى النقد الأجنبي.

ويؤكد الرهج في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الخروج إلى السوق الدولية في هذا الوقت يراد منه الاستفادة من الثقة التي ما زال الاقتصاد المغربي يتمتع بها في السوق، خاصة أن وكالات التصنيف العالمي، مثل ستاندرد آند بورز، ما زالت تمنحه إمكانية الحصول على قروض بشروط ميسرة.

غير أن الرهج يشدد على أهمية تحديد لائحة السلع التي ستستورد والتي لا غنى عنها للمملكة، حيث يجب ألا توجه القروض إلى شراء كماليات تساهم في تراجع رصيد النقد الأجنبي.

المساهمون