المغرب: غاز الطهي في مرمى نيران بنكيران

المغرب: غاز الطهي في مرمى نيران بنكيران

06 ديسمبر 2014
الفقراء بين الأكثر استفادة من دعم غاز الطهي بالمغرب(Getty)
+ الخط -

اعتبر رئيس الحكومة المغربية، عبدالإله بن كيران، عند مثوله أمام الغرفة الثانية للبرلمان، الأربعاء الماضي، أن رفع الدعم عن غاز الطهي ضروري، ما يؤشر على نية الحكومة تحرير أسعاره دون أن تحدد أفقاً زمنياً لشروعها في ذلك.
وقال بنكيران: "إن رفع الدعم عن غاز الطهي ضروري، لأن جهات أخرى غير المواطنين المنتمين للفئات الفقيرة تستفيد منه"، مشيراً في هذا الصدد إلى الفنادق والمطاعم والمزارع.
وتشير بيانات حكومية، إلى أن دعم أسطوانة الغاز التي تزن 12 كلغ يصل إلى 9.2 دولارات، ما يكلّف موازنة الدولة نحو 1.5 مليار دولار في العام سنوياً، تمثل نحو 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتطرق رئيس الحكومة إلى المواد الأخرى التي تحظى بدعم الدولة، حيث أوضح أن الدولة دعمت العام الماضي، الدقيق بنحو 224 مليون دولار والقمح اللين المستورد بـ44.8 مليون دولار، والسكر بـ391 مليون دولار، والكهرباء الموجه للاستهلاك المنزلي بـ537 مليون دولار.
وكانت دراسة أنجزها مجلس المنافسة بالمغرب قبل سنتين، حول تحرير أسعار المنتجات النفطية، توصلت إلى أن رفع الدعم عن غاز الطهي، سيرفع سعر الاسطوانة فئة 12 كلغ من 4.4 دولارات حالياً إلى 13.4 دولاراً، أي بزيادة 209%.
ويأتي حديث رئيس الحكومة عن اعتزامه رفع الدعم عن غاز الطهي، بعد ثلاثة أيام من إعلان الوزير المكلف بالشؤون العامة والحكامة، محمد الوفا، عن قرار يقضي برفع الدعم كاملاً عن المنتجات النفطية، باستثناء غاز الطهي، اعتباراً من نهاية العام الجاري.
ولم يفصح بنكيران عن الإجراءات التي ستعتمدها الدولة من أجل التخفيف عن الفئات التي ستتضرر من رفع الدعم عن غاز الطهي، لكنه أكد أن "الحكومة تبحث عن طريقة لمساعدة الناس الذين ليس لديهم إمكانيات".
وقال مصدر حكومي مطلع، لـ"العربي الجديد"، إن تصريح رئيس الحكومة، لا يعدو أن يكون في المرحلة الحالية، بالون اختبار لمدى استعداد المغاربة لقبول رفع الدعم عن غاز الطهي.
وأضاف المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن بنكيران سيمضي في ما عقد عليه العزم، خاصة بعدما تمكن من رفع الدعم عن أصناف المنتجات النفطية الأخرى دون أن ينال ذلك من شعبيته التي ذكّر مستشاري الغرفة الثانية، عندما كان يخاطبهم، بأنها تتجاوز 50%.


جيوب الناس

وظل تحرير دعم غاز الطهي في المغرب خطاً أحمر، لم تتجرأ عليه الكثير من الحكومات، على اعتبار أن 74% من دعم المواد النفطية يذهب إلى غاز الطهي، الذي تستفيد منه الأسر الفقيرة، رغم كون بعض أصحاب المزارع مثلاً يستعملون ذلك الغاز المدعوم من أجل ضخ المياه من الآبار.
ويعبّر رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك، بوعزة خراطي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، عن حيرته أمام النهج الذي تسلكه الحكومة التي بنت فرضيات الموازنة للعام الحالي على أساس برميل نفط في حدود 110 دولارات، لكنها لم تعمد إلى خفض الأسعار بما يتماشى مع تهاوي الأسعار في السوق الدولية التي قاربت 70 دولاراً للبرميل.
وذهب محمد بنقدور، رئيس الاتحاد الوطني لجمعيات المستهلك، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إلى أن رفع الدعم عن المحروقات بالكامل سوف يؤدي إلى رفع أسعار الخدمات والمنتجات، التي تعتمد على ذلك المنتج، ما يُثقل على المستهلكين، علماً أن الحكومة رفعت سعر الضريبة على القيمة المضافة على الخدمات والمنتجات الأساسية.
واعتبر بنقدور أن رفع الدعم عن غاز الطهي غير مبني على تطور شامل يراعي القدرة الشرائية للمغاربة، معتبراً أن الحكومة دأبت على تجزئة المشاكل، حيث تتعاطى مع كل مشكلة على حدة دون أن تتدبّر في تأثيرات ذلك على استهلاك المواطنين والإنتاج في البلد.
وأشار بنقدور إلى أن رفع الدعم عن غاز الطهي سوف يرفع سعر الاسطوانة الواحدة إلى مستويات لن تستطيع الأسر تحمّلها، ما سيؤثر، مع الإجراءات التي طالت أسعار المنتجات النفطية الأخرى، على قدرة تلك الأسر على الإنفاق وتحمّل تكاليف الحياة اليومية.

العجز أولاً

ويعزو مراقبون عدم لجوء الحكومة إلى خفض أسعار المنتجات النفطية في الفترة الأخيرة بما يعكس المستويات التي بلغتها في السوق الدولية، إلى رغبتها في عدم التأثير على العائدات الضريبية التي تجنيها من تلك المنتجات، والتي تبلغ مليار دولار.
وكانت الحكومة تفكر في توجيه جزء من الأموال التي ستوفرها من رفع الدعم عن غاز الطهي، إلى الفئات الفقيرة عبر الدعم المالي المباشر، غير أن المراقبين ما زالوا يتساءلون عن السبب وراء عدم وفاء الحكومة بوعدها ذاك.
وأكد رئيس الحكومة أمام الغرفة الثانية، بأن الحكومة تمكنت عبر رفع الدعم عن المنتجات النفطية منذ 2012، من توفير ما بين 7 و9 مليارات دولار، مؤكداً على أن تلك السياسة ساهمت في تحرير المغرب من الارتهان لتقلّبات الأسعار في الأسواق الدولية.
ويستورد المغرب 96% من احتياجاته من النفط. وسجلت المملكة في السنوات الأخيرة ارتفاعاً كبيراً بفاتورة تلك المنتجات، التي قفزت في السنوات العشر الأخيرة من 1.37 مليار دولار إلى 11.4 مليار دولار.
وتسعى الحكومة المغربية إلى خفض عجز الموازنة عبر رفع الدعم عن المنتجات النفطية، الذي ينتظر أن يصل في العام المقبل إلى 2.6 مليار دولار، مقابل 4 مليارات دولار في العام الجاري.
وتستجيب سياسة الموازنة التي تنهجها الحكومة المغربية لتوصيات صندوق النقد الدولي، الذي يدعو إلى التخفيف من نفقات الدعم وإصلاح أنظمة التقاعد، وهو ما يثير حفيظة الاتحادات العمالية التي لم تكف عن التنديد بتلك السياسة التي يرون أنها تنال من القدرة الشرائية للمواطنين، بل إن تلك الاتحادات نظمت قبل أكثر من شهر إضراباً عاماً اعتبرته إنذارياً، قبل أن تنخرط في جولة من المفاوضات مع الحكومة يوم الاثنين المنصرم.

المساهمون