الأردن ... مساعدات خليجية دون الطموحات

الأردن ... مساعدات خليجية دون الطموحات

11 يونيو 2018
+ الخط -



قبيل انعقاد اجتماع مكة الذي جرى ليل الأحد بمشاركة قادة السعودية والكويت والإمارات، كانت تطلعات الأردنيين تجاه القمة متفائلة وكبيرة، حيث بنوا آمالا ضخمة عليها في تقديم منح ومساعدات تساعد في انتشالهم من الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية الخانقة التي يمرون بها منذ سنوات وزادت حدتها خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

ولذا توقع هؤلاء المواطنون أن تقرر القمة منح الأردن مساعدات خليجية تتجاوز 5 مليارات دولار، أو على الأقل تقديم نفس المبلغ الذي حصلت عليه المملكة في ديسمبر/كانون الأول 2011 عقب اندلاع ثورات الربيع العربي وهو 5 مليارات دولار، إضافة للموافقة أيضا على تقديم مساعدات عينية ونفطية تعوض الأعباء الناجمة عن زيادة أسعار النفط عالميا ونقص الغاز المصري.

بل إن التفاؤل ذهب ببعض الأردنيين إلى حد توقع حصول بلدهم على حزمة مساعدات خليجية تعادل تلك التي حصلت عليها مصر في العام 2013 والبالغة قيمتها 16.7 مليار دولار بشهادة وزارة المالية المصرية، وقد تضاعف هذا الرقم عقب إعلان دول الخليج عن تقديم مساعدات جديدة لمصر خلال مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي المنعقد في مارس/آذار 2015 بقيمة 12.5 مليار دولار، كما أعقبتها مساعدات أخرى، منها مساعدات نفطية مباشرة من السعودية بقيمة 23 مليار دولار وعلى 5 سنوات، وتجديد ودائع مستحقة تبلغ قيمتها 5 مليارات دولار.

لكن بعد إعلان بيان اجتماع السعودية، أصيب الأردنيون بخيبة أمل لأسباب عدة، فمبلغ المساعدات التي تم الإعلان عن تقديمه للأردن يبلغ 2.5 مليار دولار وهو ما يعادل 50% من حجم المساعدات التي تلقتها البلاد في العام 2011.


ونظرا لطبيعة المساعدات الخليجية الجديدة، وجد الأردنيون أنها تمثل عبئاً مالياً على بلدهم أكثر من كونها تمثل مساعدة نقدية له أو إنقاذا للاقتصاد، وأن أغلب المساعدات عبارة عن قروض أو ضمانات قروض لمصلحة جهات تمويل خارجية، فالمبلغ يتوزع ما بين وديعة في البنك المركزي الأردني (لم يتم تحديد قيمتها بعد)، وهذه الوديعة غالبا ما ستكون قيمتها بمليار دولار وسيتم رد قيمتها بعد انتهاء مدتها، لأن هذه النوعية من الودائع تصنف على أنها قرض مساند يضاف للاحتياطي الأجنبي البالغة قيمته 11.5 مليار دولار.

وفي تقدير الكثيرين، فإن الوديعة الخليجية لا تمثل قيمة مضافة للاقتصاد الأردني، بخاصة أن البنك المركزي يمتلك احتياطيا مريحا من النقد الأجنبي كافيا لتغطية كلفة الواردات وأعباء الديون الخارجية والتي زادت عن 37.4 مليار دولار في نهاية مارس الماضي.

وهناك جزء من المساعدات الجديدة سيتم منحه على شكل ضمانات في البنك الدولي لمصلحة الأردن، وهذا أمر لا يمثل أهمية قصوى، بخاصة أن الأردن لا يصنف على أنه دولة عالية المخاطر، أما بقية المساعدات فتتوزع ما بين دعم سنوي لميزانية الحكومة (لم تحدد قيمته) ولمدة 5 سنوات، وإن كانت مصادر تتحدث عن تقديم مليار دولار وبما يعادل 200 مليون دولار سنويا لدعم الميزانية، إضافة إلى أن جزءا من المساعدات سيكون عبارة عن تمويل مقدم من صناديق التنمية لمشاريع إنمائية في البلاد.

ببساطة، وجد الأردنيون أنفسهم عقب الإعلان عن نتائج قمة السعودية الأخيرة أنهم أمام مساعدات لا تسمن ولا تغني من جوع، بخاصة أن قيمتها لا تتجاوز 500 مليون دولار سنوياً، مساعدات لن تساعد الحكومة في إعادة الدعم للخبز مثلا، أو إلغاء ضريبة المبيعات المفروضة على السلع والخدمات والتي تسببت في زيادة الأسعار داخل الأسواق، أو التوقف عن زيادة أسعار الوقود، أو التخلي عن فكرة فرض ضرائب جديدة.

المساعدات الخليجية الجديدة لن تمكن الحكومة كذلك من إقامة مشروعات استثمارية وإنتاجية وصناعية تساهم في زيادة الصادرات، وخلق فرص عمل لما يقرب من مليوني شاب عاطل عن العمل، أو خفض عجز الموازنة العامة، أو سداد أعباء خدمة الديون الخارجية والبالغة 34.9 مليون دولار خلال الربع الأول من عام 2017.

مساعدات لن تجمد خطط الحكومة المتعلقة بزيادة فواتير الكهرباء بخاصة مع زيادة مديونية شركة الكهرباء الوطنية بعد انقطاع الغاز المصري عن الأردن، ولن تثني الحكومة عن مواصلة زيادة أسعار البنزين والسولار وغيره من المشتقات البترولية، مساعدات لن تخفف الضغط عن الدينار الأردني ولن تقضي على شائعات فك ارتباطه بالدولار.

مساعدات لن تحول بين الأردن وصندوق النقد الدولي وإملاءاته وشروطه التعسفية، أو وضع الحكومة في صدام مباشر مع الشعب بسبب ضغوط الصندوق التي لا تتوقف.

الأردن بحاجة إلى مساعدات نقدية مباشرة، أو على الأقل مساعدات تشبه تلك التي حصل عليها في ديسمبر/كانون الأول 2011، وهو ما ساعد حينذاك في تجاوز أزمة البلاد المالية، وخفف كثيرا من أعباء الموازنة العامة، بخاصة من حيث تمويل الطرق والمستشفيات والبنية التحتية المتقادمة، وهي المهمة التي قامت بها دول الخليج في مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي، وكان لها تأثير غير مباشر في تخفيف الضغوط عن الموازنة وتقليص الحاجة إلى إنفاق رأسمالي كبير.

الأردن بحاجة أكثر من أي وقت مضي إلى مساندة خليجية خاصة، وتم وعده من قبل بالانضمام لعضوية مجلس التعاون الخليجي، ورغم مرور أكثر من 6 سنوات على الوعد، إلا أنه لا يزال حبراً على ورق.

المساهمون