خريطة جديدة للسيطرة على النفط الليبي

خريطة جديدة للسيطرة على النفط الليبي

طرابلس

أحمد الخميسي

أحمد الخميسي
01 مارس 2019
+ الخط -
لم يعد الصراع على ثروات النفط في ليبيا شأناً خاصاً بالفرقاء المتنازعين داخل البلاد، بل أصبح هناك دور كبير لجهات خارجية وعلى رأسها الإمارات، في محاولة رسم خريطة جديدة للذهب الأسود، ليس داخل ليبيا فقط، بل في الدولة العربية التي تعاني أزمة اقتصادية خانقة في ظل اضطرابات أمنية وسياسية متفاقمة خلال الفترة الأخيرة. 
وتشير خريطة النفط الليبية إلى سيطرة حفتر وقواته على حقول النفط الرئيسية خاصة الواقعة في الشرق والجنوب في محاولة للسيطرة على أكبر مصدر للنقد الأجنبي في البلاد.

وتتأهب الإمارات، لعقد اجتماع بين أطراف الصراع الليبي والمؤسسة الوطنية للنفط في محاولة لحل أزمة حقل الشرارة، أكبر حقول النفط الليبية. والإمارات هي أكبر داعم لقائد قوات شرق ليبيا، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي سيطرت قواته هذا الشهر على حقلي نفط في الجنوب هما الشرارة والفيل.

وأكد المتحدث باسم رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فائز السراج، على موقع تويتر، أن السراج سيحضر المحادثات. وفي بيان صحافي أمس، أعلنت حكومة الوفاق أنها اتفقت مع مؤسسة النفط على خطوات لإعادة فتح حقل الشرارة النفطي ورفع حالة القوة القاهرة. وكان حقل الشرارة الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 315 ألف برميل يوميا أغلق منذ سيطر حراس ورجال قبائل عليه في ديسمبر/ كانون الأول لتحقيق مطالب مالية.

وقال رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، إن حقل الشرارة لم يتم تأمينه لأن المسلحين الذين سيطروا عليه ما زالوا موجودين قبل إلاعلان عن الاتفاق المبدئي على إعادة تشغيله.

تدخلات إماراتية

تواصل التدخل الإماراتي في صراع الفرقاء الليبيين حول النفط والذي وصل إلى ذروته مع احتدام المعارك حول حقل الشرارة العملاق. وذكرت المؤسسة الوطنية للنفط بالعاصمة الليبية طرابلس عبر صفحتها بمواقع التواصل الاجتماعي، أول من أمس، أن رئيسها مصطفى صنع الله وصل إلى الإمارات للاجتماع بعدد من الأطراف الليبية والدولية، لم تحددهم، وذلك لمناقشة الإجراءات الأمنية الضرورية لإيجاد حل لأزمة حقل الشرارة.
وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط حالة القوة القاهرة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي عندما أوقفت إنتاج الشرارة الذي يقع في عمق جنوب ليبيا الذي يعاني من انعدام الأمن.

ويترأس السراج حكومة الوفاق المعترف بها دوليا التي تتخذ من طرابلس مقرا وتعارض الإدارة الموازية المتمركزة في الشرق والمتحالفة مع حفتر. ويقع مقر صنع الله في طرابلس مثل السراج، لكنه يسعى لإبقاء المؤسسة الوطنية للنفط بمعزل عن الصراع الدائر بين الحكومتين. وتتوسط الأمم المتحدة بين المعسكرين لتجاوز الخلافات والإعداد لانتخابات لكنها لم تحرز تقدما مذكورا.

كانت قوات شرق ليبيا قد بدأت في يناير/ كانون الثاني حملة لتأمين حقول النفط وقتال المسلحين في الجنوب مما يوسع المنطقة التي تسعى لبسط نفوذها عليها لما يتجاوز كثيرا الشرق الذي تسيطر عليه.

وتؤمن قوات شرق ليبيا بالفعل موانئ نفطية في الشرق، مما دفع المؤسسة الوطنية للنفط للعمل مع حفتر الذي تؤيده الإمارات ومصر.

ضغوط حفتر

تطورات متلاحقة وتجاذبات بين أطراف الصراع منذ الإعلان عن اجتماع الفرقاء في الإمارات، إذ أكدت مصادر برلمانية مقربة من حفتر أن الأخير لم يتجاوب حتى الآن مع الجهود المبذولة من أجل لقائه أمس، الثلاثاء، مع رئيس حكومة الوفاق، فائز السراج، في العاصمة أبوظبي، إلا أن جميع الاحتمالات مفتوحة في هذا الصدد.

وفي هذا السياق، أكدت مصادر من المؤسسة الوطنية للنفط، رفضت ذكر أسمائها، لـ"العربي الجديد" أن هناك اجتماعات مرتقبة لرئيس المؤسسة النفطية مع ممثلي القوات الموالية لحفتر ستعقد قريباً، وستشمل عدة نقاط منها توفير ضمانات للعاملين في حقلي الشرارة والفيل لتشغيلهما مع طرد المجموعات المسلحة التي استخدمت السلاح في وجه العاملين بحقل الشرارة تحديداً، ما أدى لإيقاف تشغيله منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وتعليقا على هذه التطورات، قال أستاذ الاقتصاد الليبي أحمد أبولسين في حديثه لـ"العربي الجديد" إن الصراع الحالي على آبار وموانئ النفط في البلاد سياسي وليس اقتصاديا. وأكد أبولسين على ضرورة أن يبقى حقل الشرارة مقفلا بسبب عدم الاستقرار الأمني في البلاد، مشيرا إلى أن معظم الإيرادات تذهب للإنفاق الاستهلاكي بدلا من التنمية.

خريطة الصراع

في ظل تفاقم الصراع حول الحقول النفطية تسابق المتصارعون في رسم خريطة جديدة للنفط الليبي حيث اتجه حفتر مدعوما من الإمارات إلى السيطرة على الحقول خاصة الواقعة في الشرق والجنوب، في حين تسيطر حكومة الوفاق على الموانئ النفطية والمؤسسة الوطنية للنفط، وما زالت بعض الحقول عالقة بين الأطراف المتصارعة، فبعضها يعمل والآخر مغلق.

وحسب بيانات نفطية فقد سيطرت القوات الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر على معظم الحقول النفطية في البلاد، فيما تسيطر حكومة الوفاق الوطني على ميناء الزاوية النفطي 48 كيلومترا غرب العاصمة طرابلس.

وميناء الزاوية يصدّر النفط الخام الذي ينتجه الشرارة، أكبر الحقول في المنطقة الغربية، بالإضافة إلى مجمع مليتة الذي يبعد حوالي 22 كيلومترا شرقي مدينة زوارة غرب ليبيا ويتم عبره تصدير جزء من الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى تصدير النفط من حقل الفيل.

وبموجب القانون الليبي، تسلم المؤسسة الوطنية في طرابلس المعترف بها دوليا إيرادات النفط إلى مصرف ليبيا المركزي بالعاصمة طرابلس، وتحصل بعد ذلك على مخصصات ميزانيتها من حكومة الوفاق. والنفط يمثل 95% من الإيرادات المالية للبلاد، حسب تقارير رسمية.

الشرارة

كان الشرارة أحدث وأكبر الحقول الذي سعت قوات حفتر للسيطرة عليه حيث تحالفت مع المجموعات المسلحة الموجودة بالحقل من أجل اقتناصه مقابل بقائها في الحقل النفطي، وفقا لمصدرين من الحقل النفطي لـ"العربي الجديد"، فيما رفض رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله وجود المجموعات المسلحة بالحقل.

وقال صنع الله في تصريحات سابقة، إن فرض حالة "القوة القاهرة" في حقل الشرارة ما زالت قائمة إلى الآن، إذ إن المجموعة المسلحة التي أجبرت العاملين على إقفال الحقل قبل 77 يوما لا تزال موجودة هي والمجموعات المدنية إلى اليوم.

وأضاف: "تعرض الحقل في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2018 إلى هجوم عنيف من قبل ما يعرف بحرس المنشآت النفطية أو الحراس في الحقل، وأجبروا العاملين على إقفال الحقل".
وحقل الشرارة (800 كلم جنوب العاصمة طرابلس)، كان ينتج 315 ألف برميل خام يوميًا، ويضخ لميناء الزاوية غرب ليبيا، ويدار حقل الشرارة النفطي بواسطة شركة أكاكوس، والتي تتوزّع أسهمها بين المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، وشركات ريبسول الإسبانية، وتوتال الفرنسية و"أو إم في" النمساوية، وهو يعتبر أكبر الحقول النفطية المنتجة حالياً.

الهلال النفطي

سيطرت قوات حفتر أيضاً على منطقة الهلال النفطي الذي يضم عدة مدن بين بنغازي وسرت (سرت 500 كيلومتر شرق العاصمة، كما أنها تتوسط المسافة بين بنغازي وطرابلس)، وتمثل المنطقة المخزون الأكبر من النفط، إضافة إلى موانئ السدرة ورأس لانوف والبريقة، وتصدر منطقة الهلال النفطي بليبيا نحو 500 ألف برميل يوميا.
وكانت قوات حفتر قد استحوذت على الهلال النفطي منتصف سبتمبر/ أيلول عام 2017، بعد أن تمكنت من إقناع المجموعات القبلية التي يترأسها رئيس حرس المنشآت النفطية السابق، إبراهيم جضران، بإعلان ولائها لحفتر.


ويقع ميناء السدرة التابع لشركة الواحة للنفط على الساحل الليبي حوالي 180 كيلو متر من مدينة سرت، ومنه يصدر النفط إلى الخارج، ويوجد بالميناء أربعة مراس مجهزة لسفن الشحن وبسعة تخزينية 6.2 ملايين برميل من النفط الخام.

الحريقة والفيل

يستحوذ على ميناء الحريقة النفطي حرس المنشآت النفطية المتحالفة مع قوات حفتر، ويقع على الشاطئ الجنوبي لخليج طبرق شرق ليبيا، ويضخ حقلا مسلة والسرير، البالغ إنتاجهما 200 ألف برميل يوميا إلى ميناء الحريقة النفطي، شرق ليبيا وتشغله شركة الخليج العربي للنفط وهي من كبريات الشركات النفطية المملوكة بالكامل لمؤسسة النفط الليبية وتدير 8 حقول نفطية وميناء لتصدير النفط الخام ومصفاتين لتكرير النفط ويتجاوز إنتاجها من النفط الخام أكثر من 250 ألف برميل يوميا.

وبالنسبة لحقل الفيل، فقد سيطرت عليه قوات حفتر بالتفاوض مع سكان محللين، ويقع في حوض مرزق، ويبعد نحو 750 كيلومتراً جنوب طرابلس، ويحتوي على أكثر من 1.2 مليار برميل من الاحتياطيات النفطية.

البحرية والصغيرة

لا توجد لطرفي النزاع أي سيطرة على الحقول البحرية بسبب موقعها الجغرافي في عرض البحر، ويبلغ إنتاج النفط للحقول البحرية "البوري والجرف والسلام"، نحو 100 ألف برميل يوميا، بالإضافة إلى حقل الوفاء الذي ينتج 30 ألف برميل في اليوم.

كما توجد حقول صغيرة تابعة لمجموعات مسلحة منفصلة، ومنها حقل الحمادة النفطي ويبعد 400 كيلومتر جنوبي العاصمة طرابلس، ويتكون الحقل من مجموعة من الحقول النفطية الصغيرة إلى محطة الزاوية لاستقبال الزيت. ويبلغ الإنتاج الحالي لهذا الحقل حوالي 10 آلاف برميل في اليوم، ويتم ضخ إنتاج الحقل إلى مصفاة الزاوية، وتسيطر عليه مجموعات مسلحة تتبع منطقة الزنتان.

ذات صلة

الصورة
فقدت أدوية أساسية في درنة رغم وصول إغاثات كثيرة (كريم صاهب/ فرانس برس)

مجتمع

يؤكد سكان في مدينة درنة المنكوبة بالفيضانات عدم قدرتهم على الحصول على أدوية، خاصة تلك التي للأمراض المزمنة بعدما كانت متوفرة في الأيام الأولى للكارثة
الصورة

منوعات

استيقظ من تبقى من أهل مدينة درنة الليبية، صباح الاثنين الماضي، على اختفاء أبرز المعالم التاريخية والثقافية في مدينتهم؛ إذ أضرّت السيول بـ1500 مبنى. هنا، أبرز هذه المعالم.
الصورة
عمال بحث وإنقاذ في درنة في ليبيا (كريم صاحب/ فرانس برس)

مجتمع

بعد مرور أكثر من أسبوع على الفيضانات في شمال شرق ليبيا على خلفية العاصفة دانيال، لا سيّما تلك التي اجتاحت مدينة درنة، وتضاؤل فرص الوصول إلى ناجين، صار هاجس انتشار الأوبئة والأمراض يثير القلق.
الصورة
دمر الفيضان عشرات المنازل كلياً في درنة (عبد الله بونغا/الأناضول)

مجتمع

ترك الفيضان كارثة كبيرة في مدينة درنة الليبية، كما خلف آلاف الضحايا، وقد تدوم تداعياته الإنسانية لسنوات، فالناجون تعرضوا لصدمات نفسية عميقة، وبعضهم فقد أفراداً من عائلته، أو العائلة كلها.