قواعد الاستثمار في الجزائر تُنفر المشاريع الأجنبية

قواعد الاستثمار في الجزائر تُنفر المشاريع الأجنبية

13 يوليو 2018
عمال في مصنع "رينو" في الجزائر (فاروق باطيش/فرانس برس)
+ الخط -

أجلت الشروط الاستثمارية التي تضعها الجزائر للأجانب، ميلاد مشروع مصنع إنتاج وتجميع السيارات للعملاق الفرنسي "بيجو"، وذلك بعد الاتفاق على إطلاقه سنة 2015، بسبب تحفظ الطرف الفرنسي على بعض الشروط من بينها قاعدة "51-49" الاستثمارية وفق ما قاله مدير مجموعة "بيجو سيترواين" لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، جان كريستوف كويمارد، لـ"العربي الجديد" خلال ندوة صحافية السبت الماضي، ما أعاد الجدل إلى الشارع الجزائري وعلى صفحات الجرائد حول القاعدة المذكورة التي "تعزل" البلاد اقتصادياً، وفق المحللين. 

وفُعلت القاعدة "51-49" بموجب قانون الموازنة العامة لسنة 2009، بعد أن تتضمنها قانون الاستثمار في المادة الرابعة مكرر، وتشير هذه القاعدة إلى أنه "لا يمكن إنجاز الاستثمارات الأجنبية إلا في إطار شراكة تمثل فيها المساهمة الوطنية المقيمة نسبة 51 % على الأقل من رأس المال الاجتماعي".

ورأى مراقبون للوضع الاقتصادي في الجزائر أن الحكومة مجبرة اليوم بقوة المؤشرات الاقتصادية الحمراء على تغيير "عقيدتها الاقتصادية"، لزيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية التي 3.1 مليارات دولار عام 2009، وأصبحت 2.6 مليار دولار في نهاية 2015، وهوت إلى أقل من 1.2 مليار دولار في 2017، كما أن تراجع الاحتياطي الأجنبي إلى 94 مليار دولار كما أعلن مساء الأربعاء يدفع في هذا الاتجاه.
ولا تُبدي الحكومة الجزائرية أي نية في إدخال أي تعديل في ما يخص "الثوابت الاقتصادية" الحامية للسيادة الاقتصادية للجزائر. واستطاعت الجزائر عن طريق تطبيق هذه القاعدة بسط يدها على العديد من الشركات الضخمة بعدما كان الأجانب يسيطرون على غالبية الحصص فيها.

وفي مقدمة هذه الشركات "الحجار للحديد والصلب" والتي كانت 71% من حصصها مملوكة حتى 2013 من طرف العملاق الهندي "أرسيلور ميتال" قبل أن تشتري الجزائر 22% من الأسهم بمليار دولار.

وبعد عام واحد، طاول الإجراء ذاته شركة الاتصالات "أوراسكوم تيليكوم الجزائر" بعدما اشترت الجزائر 51% من رأسمال الشركة بقيمة 2.66 مليار دولار.

ورأى النائب عن حزب العمال جلول جودي أن "هذه القاعدة هي صمام أمان للسيادة الوطنية، وهي الضامن لعدم انهيار الاقتصاد تحت سطوة الرأسمالية المهيمنة". وحذر في حديث مع "العربي الجديد" من تداعيات وخطورة توجه الحكومة إلى إلغاء أو تعديل قاعدة "51-49" حيث يعتبر ذلك "تنازلاً عن قاعدة سيادية".

وأسقطت الحكومة الجزائرية القاعدة المنظمة للاستثمارات مع الأجانب من مشروع قانون الاستثمار الجديد، مع الإبقاء على القاعدة في قانون الموازنة العامة للبلاد، وهي الخطوة التي اعتبرها النائب عن جبهة التحرير الوطني صاحب الأغلبية البرلمانية محمد سعداوي "تتماشى مع سياسة خصخصة جديدة غير معلن عنها، ستمس كل الشركات الجزائرية الكبرى الناشطة في مجال الأدوية والمناجم والحديد والصلب".

واقترح سعداوي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "يتم فرض القاعدة في المجالات الحساسة كالصحة والطاقة والمناجم والدفاع، وترك القطاعات الأخرى للتفاوض".

واستشهد الباحث في الشؤون الاقتصادية عمر دحماني في حديث مع "العربي الجديد"، بالنتائج التي جنتها الجزائر من خلال تطبيق قاعدة "51-49" التي لم تستطع أن تحقق السيادة والتحكم الاقتصادي الذي وعدت به الحكومة، بل لم تحقق حتى الاستثمار النافع.
وأدت هذه القاعدة إلى تجميد العديد من ملفات الاستثمارات الأجنبية في البلاد، ودفعت بالكثير من الأجانب إلى التريث قبل دخول الجزائر، كما هو حال المُصنع الفرنسي "بيجو" الذي توقفت المفاوضات بين إدارته والحكومة الجزائرية حسب ما علمت "العربي الجديد" من مصادر داخل وزير الصناعة، بسبب رفض الطرف الفرنسي حصر حصته في 49% من مصنع تجميع السيارات المنتظر تشييده في الجزائر.

و في السياق رأى مدير مكتب الاستشارات الاقتصادية والمالية "أس أم جي إتش" كمال كودار أن "الانتقادات الموجهة من الجانب الفرنسي والألماني ومؤخراً من صندوق النقد الدولي للقاعدة "51-49"، مشروعة، لأن الأخيرة تعرقل تدفق الأموال الأجنبية".

وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أن هذه القاعدة قدمت صورة سيئة عن الجزائر حيث كان هناك أجانب يحوزون على أغلبية الحصص في شركات مختلطة، وبين ليلة وأخرى أصبحوا يسيطرون على أقل من نصف الحصص، و هي أمور تزيد من غموض المشهد الاقتصادي الجزائري بسبب عدم استقرار التشريعات".

من جانبه، تساءل الخبير الاقتصادي نبيل جمعة في اتصال مع "العربي الجديد": "هل جميع الدول الأخرى فرطت في سيادتها بما أنها لم تعتمد على هذه القاعدة؟ وهل استطاعت الجزائر بفضلها أن تخفض من وارداتها أو أن تفك ارتباط اقتصادها بالريع النفطي؟ يجب تحرير الاقتصاد من هذه القيود".