من يحاسب على "مشاريب" قروض مصر؟

من يحاسب على "مشاريب" قروض مصر؟

18 نوفمبر 2019
مصر تتوسع في الاقتراض الخارجي على حساب الأجيال المقبلة(Getty)
+ الخط -

 

باتت الحكومة المصرية مغرمة بالأرقام القياسية، لذا تضع موسوعة غينيس هدفاً نصب أعينها، وتحرص من وقت لآخر على تسجيل بعض الأعمال والمشاريع التي تقوم بها في الموسوعة العالمية التي ترصد أضخم الأرقام.

مثلاً سجلت الحكومة إقامة أطول مائدة إفطار في العالم بالعاصمة الإدارية الجديدة في شهر يونيو الماضي والتي تجاوز طولها 3000 متر وبحضور 7000 مشارك.

واللافت ساعتها أن الحكومة احتفت بهذا الإنجاز في الوقت الذي كان يتنامى فيه معدل الفقر، خاصة المدقع، بصورة مخيفة، مع انهيار الطبقة الوسطى في المجتمع، وتفاقم الأسعار بصورة قياسية.

كما حرصت الحكومة المصرية على تسجيل كوبري "تحيا مصر" بمحور روض الفرج بموسوعة غينيس كأعرض كوبري ملجم في العالم بـ67.36 مترا. وفي العام 2015، حطمت مصر رقمًا قياسيًا بأطول مائدة طعام في العالم طولها 4.303 كيلومترات.

وفي نفس العام، دخلت مصر موسوعة غينيس بأكبر طبق فول في العالم بلغت مساحته 100 متر مربع ووزنه 5 أطنان.

حتى عندما دخل الجراح العالمي المعروف مجدي يعقوب الموسوعة العالمية بعد إجرائه 100 عملية قلب في عام واحد، تعاملت معه الحكومة على أنه إنجاز محلي.

التسجيل في موسوعة غينيس أمر يحرص عليه العديد من الحكومات من باب الدعاية للدولة وسياحتها والتسويق لصورتها في الخارج، وربما من باب أخذ "اللقطة" والصورة.

وبشكل عام ما تقوم به الحكومة المصرية أمر مشروع وربما محبذ، لكن ما ليس محبذاً بل ويعد أمراً مذموماً هو محاولة الحكومة ضم القروض الدولية التي تحصل عليها لموسوعة الأرقام العالمية حيث حصلت قبل أيام على قرض وعبر طرح سندات دولية بقيمة 2 مليار دولار تصل آجال سدادها إلى 40 عاما، وهي أطول فترة زمنية لقروض تحصل عليها دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

بعدها، خرج وزير المالية محمد معيط متفاخراً بأن هذه السندات هي الأطول في المنطقة من حيث المدة الزمنية، وأن الاكتتاب بها يعني ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد المصري على المدى الطويل، بل وتفاخر الوزير بحجم الإقبال غير المسبوق على السندات والذي تجاوزت قيمته 14 مليار دولار.

لكن ما لم يقله الوزير أن زيادة الاكتتاب على السندات المصرية جاءت بسبب سعرها وعائدها المغري، فالمستثمر المكتتب بها سيحصل على سعر فائدة يزيد عن 8% سنوياً، وهي نسبة مرتفعة جداً خاصة مع الاتجاه العالمي لخفض سعر الفائدة على الدولار وتراجع عوائد السندات، وانتشار الفائدة السلبية في العديد من الدول.

لذا، وجد المستثمرون العالميون والباحثون عن فرص استثمار عالية العائد ضالتهم في السندات المصرية المضمونة من الحكومة وتهافتوا عليها باعتبارها "لقطة" قد لا تتكرر، فمن يمنحهم ذلك السعر المغري غير حكومة مصر.

التفاخر بالاقتراض الخارجي من قبل مسؤولين كبار في الحكومة بات موضة، فالاقتراض عند هؤلاء يعني زيادة ثقة المؤسسات المالية الدولية في الاقتصاد المصري، وتدفق الأموال الساخنة على مصر يعني توجه الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد رغم خطورة هذه الأموال على الاقتصاد القومي وسوق الصرف.

بشكل عام، هناك حالة ولع وتفاخر بالاقتراض الخارجي من قبل المسؤولين المصريين، والحكومة لا تصر على إغراق الجيل الحالي في وحل ومستنقع الديون، بل تصر على إغراق الأجيال المقبلة بقروض تستحق السداد بعد 40 عاما.

ولا نستغرب إذا طرحت الحكومة في المرة القادمة سندات دولية مدتها نصف قرن، فلن يحاسبها أحد على "مشاريب" هذه التلال من الديون بعد أن تتحول جثثهم إلى تراب ويتم نعتهم في كتب التاريخ بأنهم كانوا عن حق وجدارة أحفاد الخديوي توفيق.

دلالات

المساهمون