الانقلابيون والتباكي على الاقتصاد المصري


الانقلابيون والتباكي على الاقتصاد المصري


08 نوفمبر 2014
المصريون يعانون أزمات معيشية متفاقمة (أرشيف/getty)
+ الخط -

في ديسمبر/ كانون الأول 2013، خرج وزير التجارة والصناعة المصري، منير فخري، بتصريح يعكس حقيقة الوضع الاقتصادي في مصر"البلد خلاص فلست"، وأثار التصريح جدلًا كبيرًا في حينه، وإن كان عبدالنور أصر على مضمون تصريحه خلال الفعاليات التي شارك فيها فيما بعد، مؤكدًا على قلة الموارد المتاحة بمصر.

وبعدها بنحو عام (نوفمبر/ تشرين الثاني 2014) أتت تصريحات رجل الأعمال، نجيب ساويرس، في أحد برامج الفضائيات المصرية، لتؤكد على نفس المعنى، بانتهاء احتياطي النقد الأجنبي، وتوقف السياحة، وصعوبة الحالة الاقتصادية لمصر، واعتماد مصر على معونات الدول الخليجية.

والمقصود من تصريح ساويرس بانتهاء احتياطي النقد الأجنبي لمصر، هو المكون الذاتي، حيث يعتمد احتياطي النقد الأجنبي لمصر الآن على الودائع الخليجية والليبية والتركية بالبنك المركزي المصري، لدعم احتياطي النقد الأجنبي، البالغ بنهاية سبتمبر/ ايلول الماضي 16.8 مليار دولار.

وإن كانت تصريحات منير فخري أتت في سياق مناشدة العمال وقف المطالبة بمستحقات جديدة، ووقف التظاهرات، فإن ساويرس خلص في تصريحه إلى نفس الهدف، مطالبًا بتأجيل الخلافات السياسية 4 سنوات، حتى ينطلق الاقتصاد المصري، معللًا ذلك بالأوضاع الصعبة للناس في مصر.

ولا تقتصر التصريحات حول صعوبة الوضع الاقتصادي في مصر، على أحد الوزراء، أو أحد رجال الأعمال، الذين أشرنا إليهما، ولكن هذه سمة عامة لدى معظم المسؤولين الداعمين للانقلاب في مصر، ولعل أبرزهم السيسي الذي صرح غير مرة عن اعتماد البلاد على المعونات الخليجية، وأنه يجب أن تبحث مصر عن مواردها الذاتية، أو تعبيره الأشهر "مفيش".

وعود لم تتحقق

منذ وقوع الانقلاب في يوليو 2013، والوعود بأن الاقتصاد المصري سيشهد تدفقات مالية واعدة لم تنقطع، مثل تصريح الصحفي الكويتي، الذي أعلن عن تدفق 100 مليار دولار لمصر من دول الخليج، في حال فوز السيسي بالرئاسة، أو المقولة الشهيرة للسيسي "بكرة تشوفوا مصر"، وأنه يحتاج إلى مهلة زمنية قدرها سنتان، والواقع أن ما حصلت عليه مصر من مساعدات بلغت ما يزيد عن 20 مليار دولار، كان بمثابة مسكنات لأوضاع اقتصادية تحتاج لعلاج جذري.

فالمساعدات الخليجية من الصعوبة بمكان أن تستمر إلى ما لا نهاية، وهو ما اتضح من خلال تصريحات الملك السعودي، ووزير خارجية الإمارات، عقب فوز السيسي برئاسة مصر، بأنهم سيدعون لمؤتمر مانحين لمصر، وأنهم سيستعينون بالمؤسسات المالية الدولية، للنهوض بالاقتصاد المصري.

أين أموال الصناديق السيادية الخليجية التي تمتلك أكثر من تريليوني دولار موظفة في الخارج، فمصر تحتاج إلى استثمارات وليس مساعدات، فضلًا عن أن جزءًا كبيرًا من المساعدات التي قدمتها الدول الخليجية لمصر، عبارة عن ودائع بالبنك المركزي، وقروض طويلة الأجل.

ومع ذلك فقد بدأت أزمة هبوط أسعار النفط تنعكس على الوضع المالي لدول الخليج، فالسعودية وكما نشرت وسائل الإعلام لجأت إلى احتياطياتها من النقد الأجنبي، التي تزيد عن 740 مليار دولار، لتسحب منها 15 مليار دولار منذ يوليو/ تموز الماضي، فماذا إذا ما استمرت موجة هبوط أسعار النفط؟.

ولن يقتصر الأمر على أزمة انخفاض أسعار النفط بالنسبة للدول الخليجية الداعمة للانقلاب في مصر، بل الواقع المعيش الآن، الذي يضعها في حالة استنفار أمني، يزيد من نفقات هذه الدول على التسلح والأمن، بما يجعلها تعيد التفكير في دفع المزيد من المساعدات لمصر، فضلًا عن مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة، وتذمر سكان بعض الدول الخليجية من تكاليف الأعباء المعيشية.

إن عجز الموازنات الخليجية في الطريق، وسوف يكون الوضع صعبًا في تقديم المزيد من المساعدات لمصر خلال الفترة القادمة، لذلك سعت مصر إلى اللجوء للاستدانة من السوق المحلية والدولية لتدبير 50 % من مستحقات شركات النفط الأجنبية. وماذا تنتظر مصر من مؤتمر المانحين، إن الاستثمارات الأجنبية لا تأتي لبلد يعاني من غياب الأمن والاستقرار، وفقدانه لأكبر ميزة كانت تمتلكها مصر لجذب الاستثمار الأجنبي وهي الطاقة الرخيصة.

إن بلدًا يبلغ عدد سكانه قرابة الـ 90 مليوناً، وتتراكم لديه مشكلات اقتصادية واجتماعية متشعبة، من الصعوبة بمكان أن يعتمد على مساعدات خارجية مهما كان قدرها في الأجلين المتوسط والطويل، ومن جهة أخرى لا تتوفر هذه الجهة التي يمكنها بهذا الدور تقديم المساعدات بشكل مستمر ولفترات طويلة.

فقدان البوصلة

على الرغم من إعلان النظام المصري منذ انقلاب 3 يوليو 2013 عن عدم امتلاكه للمقدرات المالية اللازمة لتقديم شيء للفقراء، وملاحقتهم بقرارات تقليص الدعم ورفع الأسعار، المنعكس في ارتفاع معدلات التضخم الرسمية لتصل إلى 12.5 %، في حين الواقع يشير إلى اقتراب هذه المعدلات من 20 %. نجد أن الدولة تتجاوز المنطق وتعفي عائلة ساويرس من استحقاق ضريبي يصل لـ 7.1 مليار جنيه مصري، على الرغم من ثبوت هذا الحق بأحكام قضائية.

إن الإدارة الاقتصادية لمصر اقتصر دورها منذ انقلاب يوليو 2013 على إدارة المديونية العامة، بمكونيها، الدين الخارجي والداخلي، ففي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، توجهت الحكومة المصرية للجهاز المصرفي المصري لتدبير 1.4 مليار دولار لسداد جزء من مديونية شركات النفط الأجنبية، وخلال هذه الأيام تتوجه وزارة البترول المصرية للبنوك الخارجية للمساهمة في دين لمصر بنحو 1.5 مليار دولار لسداد جزء آخر لشركات النفط الأجنبية.

وفي حالة نجاح الحكومة المصرية في اتمام الحصول على 1.5 مليار دولار من البنوك خارج مصر، فإنها تبقى مدينة بنحو 3 مليارات دولار للشركات الأجنبية، ومن حهة أخرى، فإنها لم تسدد أصل الدين، ولكنها مجرد عمليات لتدوير الديون، فبدلًا من أن يكون الدين بالكامل مستحقاً لشركات النفط الأجنبية، يبقى مقسمًا بين هذه الشركات والبنوك المصرية والأجنبية.

وبعد نحو 6 أشهر ستعود مديونية شركات النفط إلى ما كانت عليه، لاختلال بنية الإنتاج والعقود المبرمة بين هذه الشركات والحكومة المصرية، وكان الأجدى للحكومة المصرية أن تمتلك استراتيجية للتعامل مع أزمة الطاقة، التي تزيد احتياجات مصر منها سنويًا بمعدل 3 %.

الأمر لا يختلف بالنسبة للدين المحلي الذي تجاوز 1.8 تريليون جنيه مصري في نهاية يونيو/ حزيران الماضي، وهو مرشح لتجاوز هذا الرقم خلال المرحلة القادمة، في ظل تزايد عجز الموازنة، واستمرار الحكومة في الاقتراض عبر آلية أذون وسندات الخزانة، بل وطباعة النقود، التي تستجلب ديناً على الحكومة يستحق للبنك المركزي بقدر ما يُطبع من نقود، ناهيك عما يحدثه من ارتفاع معدلات التضخم.

إن الحديث عن ارتفاع معدلات البطالة والفقر، بات حديثًا مكرورًا، لا يحتاج إلى تدليل، ولكن المشكلة في نفس العقليات التي تدير الاقتصاد المصري، بنفس السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى ثورة 25 يناير، من انحياز للأغنياء على حساب الفقراء، والتوجه الثابت لأداء اقتصادي خدمي على حساب الاقتصاد الإنتاجي.

تعميق الركود

اتجهت الحكومة المصرية للإعلان عن مشروع قناة السويس خلال الأشهر الماضية، وعن مشروع استصلاح مليون فدان خلال الأيام الحالية، وإذا صحت الدراسات الخاصة بهذه المشروعات من حيث جدواها الاقتصادية والاجتماعية، فإننا أمام مشروعات لا تناسب الوضع المالي المصري، ولا طبيعة المشكلة التي يعاني منها الاقتصاد المصري منذ أربع سنوات، وهي مشكلة الركود. فهذه المشروعات فضلًا عن أنها تمول من خلال المديونية العامة، فإنها مشروعات طويلة الأجل من حيث مردودها الاقتصادي.

والأجدى للاقتصاد المصري أن يمتلك رؤية للأجل القصير، وأخرى للأجلين المتوسط والطويل، ولا بد من انعاش الاقتصاد المصري في المرحلة الحالية، من خلال المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتوجه بالاهتمام نحو الاقتصاد غير المنظم، الذي يمثل نسبة لا يستهان بها من الناتج المحلي الإجمالي، كما أنه يعتبر المشغل الأكبر في سوق العمل المصري.  

وماذا بعد؟

الآن يتباكى الانقلابيون من مسؤولين ورجال أعمال على حال الاقتصاد المصري، والتأكيد على قلة الامكانيات المالية لتلبية الاحتياجات للشعب المصري، ولكن ألم يكونوا يعلمون بذلك قبل أن يقوموا ويدبروا هذا الانقلاب؟، لو أننا وفرنا ما خسرناه على مدار 17 شهرًا مضت في بناء ذاتي لاقتصادنا، وتحسين وضعنا المالي، واصلاح حقيقي للاقتصاد المصري، اصلاح يعمل على خروج اقتصاد البلاد من دوامة الركود المميتة، وحسن توزيع الثروة، واحتضان أبناء الفقراء، بلا شك كنا سنصل لوضع أفضل مما نحن فيه.

إن حقوق الشعوب والمجتمعات تقتضي محاسبة من أوصلنا إلى هذه الحالة من العوز والشكوى، وليست مهمة من ساهموا وقاموا بالانقلاب أن يتباكوا الآن على حال مصر الاقتصادي، ولكنهم مطالبون بإخراج الاقتصاد من أزمته، والفقراء من عثرتهم، والعاطلين إلى فضاء العمل اللائق.  

المساهمون