تعويم الريال اليمني يهدّد بارتفاع كبير في الأسعار

تعويم الريال اليمني يهدّد بارتفاع كبير في الأسعار

17 اغسطس 2017
قلة الدولار تُعرّض الريال اليمني لمضاربة واسعة(محمد حواس/فرانس برس)
+ الخط -
أكد رجال أعمال وخبراء اقتصاد يمنيون أن تعويم الريال يهدد بارتفاع الأسعار للسلع المستوردة، وتوسع السوق السوداء، متوقعين تهاوي العملة اليمنية إلى مستويات قياسية وأن يتراجع إلى 500 ريال للدولار الواحد في غضون شهرين، من 215 للدولار الواحد بداية الحرب. 
ويعتقد يحيى غمضان، المدير العام لمجموعة غمضان التجارية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن أسعار السلع سترتفع حتى لو لم يرتفع سعر الصرف، لأن سعر الدولار الجمركي ارتفع من 250 ريالا للدولار إلى 370 ريالا للدولار منذ الثلاثاء الماضي.
وكان تجار الواردات يدفعون الرسوم الجمركية بموجب السعر الرسمي للصرف 250 ريالا للدولار، وسيدفعون حاليا بسعر الصرف الحالي بعد قرار تعويم العملة المحلية، وستتم إضافة الزيادة في الرسوم على أسعار السلع.
وقال مسؤول في الجمارك اليمنية، لـ"العربي الجديد": "الأثر الحقيقي الذي سيثقل كاهل المواطن المنهك أصلا هو زيادة الرسوم الجمركية على السلع المستوردة من الخارج، فالجمارك تطبق السعر الرسمي للدولار عند احتساب الرسم الجمركي على السلعة، وقرار التعويم سيرفع سعر الدولار من 250 ريالا إلى 370 ريالا وربما أكثر، والفارق الكبير سيدفعه التاجر ويحمله المستهلك".
وقرر البنك المركزي اليمني، الثلاثاء الماضي، تحرير سعر صرف الريال، بحيث يحدد سعر العملة وفقا لآليات العرض والطلب. وأكد أن سياسة الصرف ستقوم على التعويم وأن الدولة أو المصرف المركزي لن يتدخلا في تحديدها.
وأكد محافظ البنك المركزي اليمني منصر القعيطي، في وثيقة اطلعت عليها "العربي الجديد "، إلغاء التعامل بسعر الصرف الرسمي 250 ريالا للدولار الواحد. وحدد البنك سعر صرف الريال رسمياً عند 370 ريالاً مقابل الدولار الواحد للشراء.
ويعاني السوق المصرفي في اليمن من شح الدولار الأميركي بشكل حاد، إذ اختفى من المصارف وشركات ومحال الصرافة منذ مطلع أغسطس/ آب الحالي مع ارتفاع سعر الصرف إلى 372 للريال اليمني مقابل الدولار الواحد من 355 خلال يوليو/ تموز الماضي.
وأوضح نائب محافظ البنك المركزي اليمني عباس باشا، أول من أمس، أنه منذ مايو/ أيار 2016، ظل سعر الصرف الرسمي الذي تحدد إداريا بـ250 ريالا يمنيا للدولار الأميركي سعرا دفتريا في البنوك ليس إلا، ولم يكن له أثر فاعل في عملية العرض والطلب للنقد الأجنبي.
وقال باشا، في بيان: "استغلت بعض البنوك الفارق بين السعرين الرسمي والموازي لتعظيم منفعتها الخاصة للاستحواذ على فارق سعر الصرف الناتج عن ذلك لصالح حساب المتاجرة والكسب السهل، كما نتجت عن ذلك بعض الممارسات المخلة، وبهذا يمكننا أن نطلق على ذلك بأنه كان سعرا وهميا في الاقتصاد اليمني، وبالتالي قرار البنك المركزي اليمني هو تصحيح لوضع قائم وليس انتقالا لسياسة سعر صرف جديدة".
وأوضح باشا أن قرار تحرير أسعار الصرف، سيساهم في جذب المنح وغيرها من موارد النقد الأجنبي المتأتية من الخارج، خاصة المنح التي سيطلقها البنك الدولي والمانحون الآخرون، وأن هذا القرار يعد تمهيدا لأوضاع مناسبة لإطلاق ومباشرة برنامج إعادة الإعمار.
وتشهد السوق اليمنية مضاربة شديدة على النقد الأجنبي، في ظل انخفاض المعروض النقدي بسبب الركود الاقتصادي وتوقف الاستثمارات، فضلا عن عجز البنك المركزي عن التدخل في سوق الصرف واعتماده على آليات لم تُجدِ في تحقيق الاستقرار النقدي.
وشهد الدولار ارتفاعاً تصاعدياً منذ بداية الحرب في اليمن، (مارس/ آذار 2015)، ليصل إلى 335 ريالا للدولار الواحد من 215 ريالا للدولار قبل الحرب، وبزيادة 65% منذ بداية الحرب، ما ساهم في زيادة التضخم وتفاقم مستويات الفقر.
وكان البنك المركزي اليمني قرر، في 21 مارس/ آذار من العام الماضي، تخفيض سعر العملة المحلية إلى 250 ريالاً للدولار للشراء و251 للبيع من 215 ريالاً.
وأوضح طارق رشيد، أستاذ المصارف بالمعهد الحكومي للعلوم الإدارية، أن القرار سينعكس في ارتفاع أسعار السلع المستوردة ورسوم الجامعات ومعاهد اللغة الانكليزية والمحال التجارية التي تتعامل بالدولار.
وقال رشيد لـ"العربي الجديد": منذ عام 2014، عجز البنك المركزي بشكل تام عن التدخل في سوق الصرف وتغطية احتياجاته من العملة الصعبة، وتسبب نضوب الاحتياطي اليمني من العملات الأجنبية خلال الحرب في توقف البنك عن ضخ العملة الصعبة وعن توفير الدولار بالسعر المعلن (250 ريالا/ دولار) لاستيراد المواد الأساسية، لذلك ينحصر أثر قرار تعويم الريال في العقود المحلية فقط، مثل عقود الإيجارات بين المواطنين الموثقة بعملة الدولار والتي كانت تدفع بسعر 250 ريالا/ دولار، وكذلك رسوم الجامعات وغيرها، كلها ستتم معادلتها بالسعر الذي يتحدد في السوق.
ويعاني اليمن ضائقة مالية بسبب الحرب وتوقف إنتاج وتصدير النفط، وتوقف الإيرادات الجمركية، وتفاقمت المشكلة مع استنزاف جماعة الحوثيين المسلحة لما تبقى من موارد البلاد وتسخيرها للمجهود الحربي، الأمر الذي أدى إلى انخفاض وتراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي في المركزي اليمني.

من جانبه، اعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن يوسف سعيد، أن قرار التعويم (التعويم الحر) لم يأت بناء على دراسة الاحتياجات الاقتصادية وتطور مؤشرات الطلب الكلي والعرض الكلي للعملة الأجنبية وفق هذه الاحتياجات.
وقال سعيد لـ"العربي الجديد": قرار المركزي اتُخذ في الوقت الخطأ وفي بيئة اقتصادية مضطربة واقتصاد متراجع يعتمد على عوامل خارجية. ومع ارتفاع مستوى القلق وعدم اليقين، فإن من المحتمل أن يطلق القرار موجة جديدة من المضاربة في سعر الصرف وبالتالي موجة جديدة من تدهور سعر صرف الريال وليس العكس.
ومن المتوقع أن ينعكس القرار موجة جديدة من ارتفاع أسعار المستهلك، وفق سعيد.
وجاء قرار تعويم الريال بعد فشل الحكومة في الحصول على وديعة نقدية من السعودية بملياري دولار لدعم العملة المحلية وتعزيز موقف احتياطي النقد الأجنبي. ورغم إعلان الرئيس اليمني في فبراير/ شباط الماضي، عن موافقة السعودية التي تقود تحالفاً عربياً لدعم الشرعية في اليمن منذ مارس 2015، على تقديم الوديعة، لكن لم يحصل تقدم بعد مرور 6 أشهر.
وفيما يؤكد خبراء اقتصاديون ومصرفيون أن قرار تحرير أسعار الصرف سيترك تداعيات خطيرة على معيشة الناس، يرى آخرون أنه قرار مهم وخطوة في طريق الإصلاح الاقتصادي وحماية العملة المحلية.
وأكد الخبير المالي اليمني فكري عبد الواحد، لـ"العربي الجديد"، أنه من الضروري أن يكون السعر الرسمي مقارباً لسعر السوق، بما ينهي استغلال واحتكار واستفادة فئة معينة من الفارق الكبير بين سعر السوق والسعر الرسمي.
وقال عبد الواحد: "قرار تحرير الصرف مهم، وأي دولة في العالم ستتخذ هكذا خطوة، طالما هناك ضعف في صادراتها وتضخم وكساد في آن وندرة في العملات الصعبة، ستحاول مجاراة المضاربة المرتفعة في أسعار الصرف بقدر ما تستطيع".
من جانبه، رجّح الخبير المصرفي عمار الحمادي، أن يؤدي قرار التعويم إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار كون المؤشرات تبين التراجع المستمر لقيمة الريال أمام العملات الأجنبية، خصوصاً مع عدم توفر احتياطيات نقد أجنبي للبنك المركزي، وعدم وصول أي ودائع أو دعم مباشر للبنك المركزي وكذا استمرار توقف تصدير وبيع النفط باعتباره مصدرا رئيسيا لموارد البلد.
وأوضح الحمادي أن السوق المصرفي والمتعاملين فيه سيتأثرون - سلباً وإيجاباً - بهذا القرار، حيث سيتاح للعملاء سحب مدخراتهم إذا كانت بالعملة الصعبة من البنوك وفق سعر السوق وليس بسعر أقل من سعر السوق كما كان يحدث سابقاً، كما سيجبر العملاء الذين يرغبون بشراء دولار لأغراض السفر للعلاج والدراسة على شراء الدولار بسعر السوق والذي يعد سعرا مرتفعا.
وأشار الخبير اليمني إلى أن قرار التعويم قد ينجح في أن يعيد للسوق المصرفي بشكل خاص والاقتصادي بشكل عام عافيته في حال كانت الأوضاع مستقرة، حيث تسهم هذه الاستراتيجية في استقطاب الاستثمارات الأجنبية، كما تعيد الثقة للقطاع المصرفي باستقطاب ودائع بالعملة المحلية والأجنبية وعودة الدورة النقدية إلى طبيعتها.
وقال موظف في أحد البنوك التجارية لـ"العربي الجديد"، إن البنوك وشركات الصرافة استنفدت مخزونها من الدولار، واضطرت لإخراج نسخة قديمة إصدار عام 1996 حتى نفادها.
وكانت وزارة التخطيط أكدت في تقرير أخير لها، أنه لا يمكن وقف تدهور العملة المحلية من دون الاستناد إلى وديعة دولارية عاجلة تسمح للبنك المركزي بمواجهة ندرة المعروض والتعامل مع مطالب المستوردين.
وتشهد السوق اليمنية مضاربة شديدة على النقد الأجنبي، في ظل انخفاض المعروض النقدي بسبب الركود الاقتصادي وتوقف الاستثمارات، فضلاً عن عجز البنك المركزي عن التدخل في سوق الصرف واعتماده على آليات لم تُجدِ في تحقيق الاستقرار النقدي.
وقال أحد المتعاملين مع مصرف تجاري: "منذ أسبوعين أتردد على البنك لسحب تحويل مالي بقيمة 1500 دولار، ويتحجج الموظف بأنه لا توجد سيولة نقدية بالدولار، وعندما اتجهت إلى مدير البنك، أصدر أمراً بصرف المبلغ بالتقسيط بواقع 200 دولار يومياً".
وقال موظف في مكتب لشركة ويسترن يونيون لتحويل الأموال بالعاصمة صنعاء، لـ "العربي الجديد": "لا نصرف الحوالات المالية الخارجية التي تزيد عن 300 دولار، لكن نقوم بصرف مقابل التحويل بالعملة اليمنية بسعر صرف السوق الموازية".
ويعاني اليمن من أزمة حادة في السيولة من العملة المحلية واجهتها الحكومة بطباعة كميات من النقود الجديدة وصلت دفعات منها إلى العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (جنوبي البلاد) وتم طرحها للتداول، لكن كميات أخرى لم يسمح التحالف العربي الذي يسيطر على أجواء اليمن بوصولها.
واتهم محافظ البنك المركزي اليمني منصر القعيطي، السبت الماضي، خلية تابعة للتحالف العربي بإعاقة أعمال البنك. وأشار إلى أن الإعاقة شملت 13 رحلة، تم إلغاء تصاريح نزولها إلى عدن وتوريدها إلى خزائن البنك المركزي دون مبرر أو تفسير واضح.

المساهمون