بارونات الاستيراد في الجزائر.. دولة موازية تتحكم بالاقتصاد

بارونات الاستيراد في الجزائر.. دولة موازية تتحكم بالاقتصاد

07 يناير 2017
ارتفاع الأسعار طاول أغلب السلع في الجزائر (Getty)
+ الخط -
أحيت الاحتجاجات التي شهدتها محافظات شرق الجزائر "بجاية" و"تيزي وزو" و"البويرة"، خلال الأيام الأخيرة، والتي كان الغلاء محركاً لها، الجدل حول من يصفه الجزائريون بـ "بارونات" الاستيراد ودورهم في إدارة الاقتصاد الموازي للدولة.
وانطلقت الاحتجاجات في الجزائر مع بداية الأيام الأولى من 2017، رفضاً للزيادات التي مسّت المواد واسعة الاستهلاك وكذلك للإجراءات التي جاء بها قانون الموازنة العامة الجديد من زيادة في أسعار الوقود والخدمات والضرائب.

وشهدت الجزائر خلال السنوات الأخيرة تحكماً من قبل بعض التجار الكبار في مقاليد الأسواق بمختلف أنواعها، لتشمل الفواكه والقمح والبن والحديد والإسمنت وحتى الأدوية التي دخلت هي الأخرى في معادلة "الحاويات"، والتي غزت موانئ الجزائر.
وعرفت أسعار الفواكه المستوردة وفي مقدمتها "الموز"، والذي قفز سعره بنسبة 150%، مسجلاً 500 دينار (4.5 دولارات) للكيلوغرام الواحد، مقابل 200 دينار.
كما ارتفعت أسعار أصناف عدة من البقوليات، ما أثار حفيظة المواطنين، ودفع بجمعيات حماية المستهلك إلى شن حملات مقاطعة، وسط اتهامات للقائمين على الاستيراد برفع الأسعار بنسبة كبيرة.

ويؤكد مصطفى زبدي، رئيس جمعية حماية وإرشاد المستهلك لـ"العربي الجديد"، أن "ارتفاع الأسعار سببه المضاربة التي قام بارونات الاستيراد المقربين من السلطة ويملكون رخص الاستيراد حصرياً ولا أحد يحاسبهم في وزارة التجارة أو الجمارك ولا يتم مطالبتهم بجلب الفواتير لمعرفة حجم وأسعار الكميات المستوردة".
وفي نفس السياق، يقول رضا كسوري، تاجر للمواد الغذائية في سوق "الجملة" بالضاحية الجنوبية للعاصمة الجزائرية لـ"العربي الجديد" إن "سعر القنطار الواحد (100 كيلوغرام) من البن نزل في الأسواق العالمية مع بداية الأشهر الأولى من السنة الماضية، إلا أن أسعارها ارتفعت في الجزائر بقرابة 25% في نفس الفترة.

ويضيف كسوري: "هذا الارتفاع في الأسعار أبرز مثال على أن السوق يتحكّم فيه من يموّنه وليس العرض والطلب.. ندرك أن بارونات الاستيراد هم من يتحكّمون في السوق والأسعار".

التلاعب في القمح

حتى القمح طاوله "بارونات الاستيراد"، فبالرغم من تدخل الحكومة لضمان كميات كبيرة من القمح سنوياً من خلال إبرام صفقات شراء كبيرة مع فرنسا وكندا، إلا أن هذا السوق دخله التجار الكبار من باب عجز الحكومة عن تأمين الطلب الداخلي، والذي لم يتوقف عن الارتفاع مع مرور السنوات وتزايد عدد السكان.

وحسب طاهر بلنوار، رئيس جمعية التجار والحرفيين الجزائريين، فإن "عملية نصب ممنهجة تتم في الجزائر في ما يتعلق بعمليات استيراد القمح أو حتى جمعه من المزارعين المحليين لإعادة بيعه لدواوين القمح الحكومية، حيث يتم خلط القمح المحلي بالمستورد لتحقيق أكبر نسبة من الربح على حساب جيوب المواطنين".
ويقول بلنوار لـ "العربي الجديد" إن "بارونات القمح يستعملون حيلاً أخرى لتحقيق الثراء على حساب الشعب منها استيراد قمح مخالف للمواصفات أو من الدرجة الثانية والثالثة وتقديم فواتير بأسعارٍ مُضخمة".

الأموال مقابل الدواء

وكثيراً ما عانت رفوف الصيدليات في السنوات الأخيرة من ندرة حادة في العديد من الأدوية، منها المتعلقة بالأمراض المزمنة كالأنسولين للسكري وأمراض الضغط، وهي الندرة التي شغلت الرأي العام، وقادت وزراء الصحة إلى المساءلة البرلمانية، ودائما ما يربط المتتبعون للنظام الصحي في الجزائر هذه الندرة بالقائمين على الاستيراد، خاصة أن الجزائر يستورد سنوياً أدوية بأكثر من 2.5 مليار دولار.

ويقول صلاح الدين وضاح، الناطق باسم عمادة الصيادلة الجزائريين إن "استيراد الأدوية يتحكم فيه أشخاص يملكون سجلات تجارة رسمية ويملكون مخابر معتمدة، وكثيراً ما يلجؤون إلى نشر الإشاعات والمضاربة لضرب الصناعة الجزائرية في مجال المواد الصيدلانية".
ويضيف: "كلما صنعت شركة عمومية دواء جديداً أو أي شركة جزائرية أخرى دواء مماثلاً، انتشرت إشاعات تروج لفشله وأعراضه الجانبية الخطيرة، خاصة إذا تعلق الأمر بداء السكري أو ضغط الدم والصداع وهي أدوية واسعة الاستهلاك".

سوق العملة الصعبة

وما إن أحكم كبار المستوردين قبضتهم على موانئ الجزائر، فقد سعوا لتأمين ذلك عبر توفير العملة الأجنبية التي تعد المحرك الأساسي لتجارتهم، ما جعل السوق غير الرسمية للعملة بمثابة القلب الذي يضخ أموال غالبية العمليات التجارية الخارجية حسب عاملين في الأسواق.
ويسيطر بارونات الاستيراد على هذا السوق الموازية للعملة، والذي لا تكاد تخلو محافظات الجزائر الـ 48 من فرعٍ من فروعه يتم فيه بيع وشراء العملات الأجنبية.
وبينما تغيب الأرقام الرسمية حول حجم الأموال المتداولة في هذه السوق السوداء التي يطلق عليها الجزائريون "دوفيز"، فإن تقديرات الخبراء تشير إلى نحو تسعة مليارات دولار يتم تداولها سنوياً.

ويقول سليمان سعداوي؛ النائب في البرلمان الجزائري عن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم لـ"العربي الجديد" إن أسواق العملة السوداء هي دولة موازية تقارع الرسمية، ومن يسيّرها أناس أغنياء وذوو نفوذٍ يفضلون الاستثمار في سوق العملة الموازية بدلاً من بناء المصانع، حتى الوزراء أصبحوا يقصدونها".
ويشير لوناس محمد، أستاذ الاقتصاد النقدي في جامعة قسنطينة، في تصريح خاص، إلى أن "الأسماء الكبيرة في مجال الاستيراد أقامت مساراً محكماً يتم فيه إخراج العملة الصعبة بطرق ذكية"، مضيفاً: "كثيراً ما يلجؤون إلى رفع الأسعار في الأسواق الموازية لسحب كتلٍ نقدية كبيرة وإخراجها من البلاد".

رخص الاستيراد

ولمواجهة احتكار "مافيا الاستيراد"، كما يسميهم رجال القانون في الجزائر، استنجدت الحكومة بـ "القانون" من خلال تعديل قانون التجارة الخارجية منتصف عام 2015، وتم استحداث "نظام رخص الاستيراد" تُمنح وفق مناقصة وطنية مفتوحة للجميع، وهو النظام الذي عمل عليه وزير التجارة السابق ورئيس حزب الجبهة الشعبية الجزائرية عمارة بن يونس، والذي لم يخف وقوف "بارونات الاستيراد" وراء إقالته.

وبعد قرابة 11 شهراً من دخولها حيز التنفيذ، استطاعت هذه الرخص تقليص فاتورة الواردات، حسب الخبير الاقتصادي جمال نورالدين، إلا أنها "لم تغيّر من معادلة الأشخاص الواقفين وراء عمليات الاستيراد".
ويقول نورالدين: "بارونات الاستيراد لا يزالون يستحوذون على حصة الأسد في فاتورة الواردات وأصبحوا أمراً واقعاً وباعتراف وزير التجارة الحالي بختي بلعايب".