تعرّف ببساطة على أزمة القروض السكنية في لبنان

تعرّف ببساطة على أزمة القروض السكنية في لبنان

27 مارس 2019
القروض لا تزال عالقة..والمواطن والاقتصاد يدفعان الثمن (فرانس برس)
+ الخط -

أصبح اللبناني عاجزاً، منذ أكثر من سنة، عن الحصول على قرض سكني يشتري به بيتاً يؤوي أسرته، لأكثر من سبب، أبرزها خلاف بين البنوك والمصرف المركزي على فوائد القروض المدعومة، وعدم قدرة غالبية اللبنانيين الساحقة على سداد أقساط خيالية للقروض المباشرة.

ملف قروض الإسكان لا يزال معطّلاً حتى الساعة منذ سنة ونصف تقريباً، رغم إصدار حاكم "مصرف لبنان" (المركزي)، رياض سلامه، تعميماً إلى البنوك، يتضمّن تحرير مبالغ مالية لها بشرط أن تمنح المواطنين، مقابلها، قروضاً بالليرة اللبنانية مدعومة بفائدة 5.9%، لكن البنوك ترفض منح هذه القروض بسبب ما تعتبره "الفائدة المنخفضة جداً"، علماً أن تمنّع البنوك عن تنفيذ تعميم للبنك المركزي ظاهرة نادرة الحصول.

مصادر في "جمعية مصارف لبنان" قالت في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن التعميم، أولاً وقبل كل شيء، لا يتخذ تطبيقه صفة إلزامية.

وعن حيثيات موقف الجمعية، توضح المصادر أنه "قبل سنة من الآن، كانت الفائدة على القروض المصرفية المباشرة غير المدعومة تبلغ 7.5% تقريباً، بعدما ارتفعت تدريجاً إلى 8% ثم إلى 9% ثم 9.5% إلى أن تجاوزت الآن 10%".

وجاء ذلك نتيجة الأوضاع السياسية التي كانت سائدة في البلد وتهدّد بانهيار اقتصادي ومالي منذ ما قبل الانتخابات النيابية التي أُجريت في 6 مايو/ أيار 2018 وما أعقبها من تكليف لرئيس الحكومة سعد الحريري بتشكيل حكومة جديدة لم يُفلح بتأليفها إلا بعد أكثر من 8 أشهر من الخلافات السياسية على الحقائب وعدد المقاعد بين الأطراف السياسية.
أثناء الانقسام والاستقطاب السياسي الحاد، تقول المصادر، إن كثيراً من العملاء أقبلوا على تجميد ودائعهم بالليرة لمدة 5 سنوات بفوائد مرتفعة تصل إلى 16%، والمصارف مضطرة لدفعها إلى الزبائن، ولهذا السبب لا يمكنها أن تخفض حالياً الفوائد على التسليفات، بما فيها القروض السكنية.

أما الفوائد على ودائع الدولار فتراوح حالياً بين 9% و10% تقريباً، تبعاً للبنك وحجم المبلغ المودَع.

الإقبال على الإيداع بفوائد عليا للدولار والليرة دفع بكثير من زبائن المصارف إلى تجميدها سنوات للتربّح من فوائدها المضمونة، وقابل ذلك إحجام عن الاستثمار في المشاريع وتوسعتها، وهو ما ساهم، تالياً، بالجمود الاقتصادي الحاصل والمستمر.

ومن هذا المنطلق، أكدت المصادر أن المصارف لن ترضى بأن تحصل على فوائد لقروض الإسكان المباشرة بالدولار بأقل من 10%، لأنها تدفع للمودعين على ودائع الدولار ما بين 9% و10%.

في السياق، مصدر قيادي مصرفي داخل الجمعية يقول لـ"العربي الجديد"، إن "ودائع الليرة تدفع عليها المصارف لزبائنها فوائد 14%، وبلغت في حدّها الأقصى 16%، بينما يطرح المصرف المركزي أن تكون فائدة القروض السكنية 5.9% على قروض الإسكان المدعومة بالليرة، ولذلك ترفض المصارف تنفيذ تعميمه، في حين أن ما يرضيها لا يقل عن 10%، وهو ما يرفضه مصرف لبنان"، ما يعني، بنهاية المطاف، أن قروض الإسكان ستبقى مجمّدة حتى إشعار آخر.

وهذا الإشعار الآخر، يعني، بحسب هذا المصدر، أن يستجدّ أمر ما، كأن تُصرف القروض والهبات الموعودة من المانحين بموجب مؤتمر "سيدر" الباريسي، وأن يحظى قطاع الإسكان منها بمشاريع دعم لقروض شراء الوحدات السكنية بفوائد معقولة.
كلفة فلكيّة لقرض الإسكان التجاري

في غياب قروض الإسكان المدعومة، قد تشكل القروض المباشرة من المصرف التجاري للزبون حلاً معقولاً. لكن لأي نوع من الناس؟

المصارف دائماً ما تمنح عملاءها قروضاً سكنية مباشرة بالدولار غير مدعومة من المصرف المركزي، والآن تبلغ الفائدة عليها 10.41%، وهي لا تمنح قروضاً بالليرة اللبنانية لقطاع الإسكان بسبب المخاطر المحتملة على القدرة الشرائية للعملة الوطنية على المدى البعيد ونتيجة تقلبات المُناخ السياسي المتكرّرة.

في اتصال مع أحد مديري "خدمة الزبائن" في أحد البنوك التجارية اللبنانية الكبرى، أفاد بعدم وجود إقبال على القروض السكنية المباشرة بالدولار، والسبب أن من يحصل على قرض بقيمة معيّنة الآن وبالفوائد المرتفعة حالياً، سيدفعه بعد 30 سنة مضاعفاً أكثر من 3 مرّات، وهي كلفة تتزايد باضطراد كلما زادت الفائدة أكثر.

مثلاً، أحد عملاء هذا البنك قدِم إليه، قبل شهر تقريباً، طالباً قرضاً لشراء شقة بقيمة 150 ألف دولار أميركي، قبل أن يولّي الرجل "هارباً" عندما علم أن المبلغ الذي سيسدّده بعد 30 سنة سيصل إلى 484 ألف دولار من دون احتساب مصاريف أخرى يتوجّب عليه دفعها أيضاً.

لكن ماذا لو علم هذا الزبون "الفارّ" بأن كلفة هذا القرض قد زادت خلال شهر واحد 27 ألف دولار نتيجة تزايد الفائدة؟

اليوم، الأربعاء، احتسبنا مع مسؤول في "خدمة الزبائن" تفاصيل هذا القرض، فكانت هذه المفاجأة غير السارّة:

- قيمة القرض المطلوب 150 ألف دولار.

- مدة السداد: 30 سنة، وهي المدة التي يطلبها معظم الزبائن عادة.

- الفائدة على قرض الدولار: 10.74%.

- القسط الشهري: 1419 دولاراً.

- المبلغ الذي يسدّده الزبون بعد 30 عاماً: 510 آلاف و840 دولاراً.

أي أن المبلغ المسدّد بنهاية الفترة يعادل 3.4 أضعاف القرض الأساسي، من دون احتساب مصاريف الملف وكلفة التأمين على الحياة وضد الحريق. فكلفة التأمين على الحياة تناهز 120 دولاراً شهرياً على مدى أول 15 سنة كفيلة بتغطية هذا التأمين طوال مدة القرض خلال 30 سنة، وبعدها يدفع الزبون فقط 80 دولاراً سنوياً مقابل التأمين ضد الحريق.
من يستطيع أن يقترض بهذه الفوائد؟

يبلغ الحد الأدنى للأجور في لبنان 675 ألف ليرة، أي أقل من 448 دولاراً أميركياً، ما يعني أن أصحاب هذا الدخل مستبعدون كلياً من القروض السكنية في كل الأحوال، ما لم تكن لديهم مصادر دخل إضافية تجعلهم مؤهلين للاقتراض. (الدولار = 1507.5 ليرات سعراً وسطاً)

وتأسيساً على نموذج القرض الذي عرضناه بفائدة الدولار البالغة حالياً 10.74%، ليحصل المواطن على قرض قيمته 180 ألف دولار، يجب أن يكون راتبه الشهري بحدود 3 آلاف دولار كي يستطيع سداده على 30 سنة.

وإذا حصل العميل على قرض بقيمة 120 ألف دولار، فلن يشتري مسكناً لائقاً له ولأسرته، لأن أسعار الشقق أعلى بكثير من هذا الرقم. وعلى فرض أنه وجد شقة تناسبه ثمنها 120 ألف دولار، فيجب أن يكون راتبه 2000 دولار لينال القرض.

بهذه المعطيات تبدو أزمة الإسكان معلقة بانتظار معجزة ما تنهض به وبقطاع العقارات الهزيل، في حين أن ارتفاع الفوائد انعكس أيضاً على التسليفات المصرفية، بعدما أصبحت الفائدة على القروض الشخصية بالليرة اللبنانية الآن تبلغ (بسعر اليوم الأربعاء) 18.39%، وعلى الدولار 15.79%.

المساهمون