العمالة الإيرانية تخطف فرص التشغيل من العراقيين

العمالة الإيرانية تخطف فرص التشغيل من العراقيين... وقلق من فوضى التوظيف

24 مارس 2019
احتجاجات سابقة في البصرة ضد البطالة وتدهور المعيشة(فرانس برس)
+ الخط -


رغم الارتفاع المستمر لمؤشر الفقر والبطالة في العراق، إلا أن نسبة العمالة الإيرانية في البلاد ازدادت بشكل غير مسبوق وبات هؤلاء العمال في بعض المدن الجنوبية والوسطى الأوفر حظاً في الحصول على فرص تشغيل، وسط غياب القانون الذي ينظم العمالة الوافدة إلى البلاد.

وبحسب مراقبين، تتزايد ظاهرة العمال الإيرانيين في العراق بسبب انهيار العملة الإيرانية، وكذلك ارتفاع عدد الشركات الإيرانية التي تستثمر في قطاعات عدة تحميها جهات سياسية نافذة بالإضافة لسفارة طهران في بغداد التي أخذت دور الوسيط لحجز الفرص والمشاريع لصالح شركات إيرانية مختلفة، بعضها أهلي وبعضها الآخر يتبع السلطات الإيرانية.

وشهدت مدن عراقية خلال الفترة الماضية عدة وقفات احتجاجية لشبان عراقيين بينهم حملة شهادات عليا، يحتجون على توظيف الإيرانيين في فرص عمل هم أحق منهم بها على اعتبارهم مواطنين وأكثر كفاءة منهم، أبرزها في مدينتي السماوة والبصرة جنوبي العراق.

وفي هذا الإطار، قال مسؤول عراقي في بغداد، لـ"العربي الجديد" إن بعض نواب البرلمان قدموا طلبات للحكومة لتنظيم سوق العمالة الوافدة، وإلزام الشركات الإيرانية بأن يكون العنصر العراقي في اليد العاملة أكثر من النصف كما نصت عليه المادة 37 في قانون العمل.

ووفقا للمسؤول ذاته، الذي رفض ذكر اسمه، إن عام 2018 شهد دخول نحو 100 ألف عامل وافد إلى العراق، نصفهم من الإيرانيين الذين حصلوا على فرص نظرائهم العراقيين في قطاعات مختلفة أبرزها الطاقة والبنى التحتية والإنشاءات والصناعة والنقل.

ولفت إلى أن هناك مجاملات سياسية لإيران في ما يتعلق بالعمالة الوافدة، وهو ما شكا منه نواب بالبرلمان عن محافظات جنوبية طالبوا رئيس الوزراء بإلزام الحكومات المحلية في تلك المحافظات بإعطاء الشركات العراقية أولوية فرص العمل للمواطنين بدلاً من الجنسيات الأخرى".

ويتلقى العامل الإيراني أجراً شهرياً يتراوح ما بين 500 و800 دولار، وهو مبلغ يقول العراقيون إنهم أحق به من غيرهم مع ارتفاع نسبة البطالة في البلاد.

عضو الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق ياسر السماوي أوضح أن "مشكلة العمالة الإيرانية تتفاقم وأصبحت تنافس العراقيين على أرزاقهم بسبب الفساد وسيطرة الجهات المتنفذة، ووصل الحد إلى فصل عمال عراقيين من عملهم وتعيين إيرانيين مكانهم".

ويضيف السماوي لـ"العربي الجديد"، أن "هناك أكثر من 80 شركة إيرانية تعمل في العراق في قطاعات النفط والسياحة والبناء والإنشاءات والفنادق وغيرها وهذه الشركات لا تشغل إلا الإيرانيين".

ومع تردي الأوضاع الاقتصادية في إيران أخيراً، نتيجة العقوبات الأميركية، ارتفعت نسبة العمال الوافدين إلى العراق بشكل غير مسبوق تحت مظلة زيارة العتبات المقدسة، لكنهم يبقون في البلاد لينخرطوا في سوق العمل.

ويقول صاحب مكتب لتشغيل العمال، راضي البصري، إن "هناك عدة عوامل تساعد في تفضيل العمال الإيرانيين على العراقيين أبرزها الفساد وسوء التخطيط والمجاملة السياسية"، مؤكداً أن الوافد الإيراني لا يطلب إجازة ولا يتأخر عن العمل وقد يقبل بسعر أجور أقل من العراقي.

ويتابع البصري: "هناك عشرات آلاف العراقيين يعملون في العراق بمختلف القطاعات، وهو ما أثر على العمال العراقيين الذين سرحتهم شركات كثيرة واستبدلتهم بعمال إيرانيين".

وساهمت التسهيلات التي قدمتها الحكومة العراقية لطهران خلال السنوات الأخيرة كثيراً في احتكار إيران لسوق العمل في البلاد، ومنها إلغاء شرط نسبة العمالة الوطنية في المشاريع الإيرانية.

وبحسب المواطن عبد الباقي الجبوري، إن "عدة منافذ تدخل منها العمالة الإيرانية إلى سوق العمل العراقي وتستحوذ عليه، منها الاستثمارات والمشاريع الإيرانية في البلاد وخاصة في مدن الجنوب، وهنا سيفضل العامل الإيراني على العراقي خلافاً لقانون الاستثمار".

وحول عدم وجود استثمارات منافسة يمكنها فتح المجال أمام العمال العراقيين، يبين الجبوري أن "المشكلة هي التضييق الكبير على المنافسة التركية والخليجية والأوروبية في سوق العمل العراقي، وهو ما أعطى لإيران هيمنة شبه كاملة على السوق وانعكس بالتالي سلباً على العمال العراقيين وانتهى بهم المطاف إلى البطالة وقطع أرزاقهم".

ويكشف حسن طعمة، أحد رجال الأعمال في مدينة الكاظمية شمالي بغداد، التي شهدت قبل أسابيع محاولة عمال إيرانيين إلقاء مسن عراقي من بناية شاهقة، أن التاجر أو الشركة الإيرانية مدعومان من سفارة بلادهما في بغداد، ولهما تسهيلات عدة لا تتوفر لدى العراقيين.

وأكد طعمة أن المستثمرين الإيرانيين يعملون حاليا في قطاع الفنادق بكربلاء والنجف وبغداد ومدن أخرى وهم يشغلون إيرانيين فيها ويطردون العراقيين، مشيراً إلى شراء الإيرانيين فنادق ومطاعم وسط غياب رقابة المؤسسات الحكومية، وفقا لقوله. وأضاف أن "العراقيين ضاقوا ذرعا بهذه الظاهرة ويشعرون بأن هناك من ينافسهم على لقمة عيشهم وداخل وطنهم".

الخبير بالشأن الاقتصادي العراقي سلام الصفار، أوضح لـ"العربي الجديد"، أن الحسابات السياسية والنفوذ الإيراني بالبلاد تؤكد تمكنهم من السوق العراقي. ويضيف أن ملف استحواذ الإيرانيين على قطاع الاستثمار وحصولهم على الفرص الدسمة والمهمة لم يعد خافيا ولا يمكن لأحد إنكاره، موضحاً أن الشركات لا تلتزم بقانون العمل العراقي وتجلب عمالة إيرانية معها وهذا مخالف للقانون.

وأكد الصفار أن الحكومة مطالبة بتنظيم عملية منح الفرص والمشاريع الاستثمارية وجعلها شفافة ومنح دول وشركات أخرى حق المنافسة وإعطاء المواطن العراقي الأولوية في العمل على سواه من الجنسيات الأخرى".

وتتمتع طهران وبغداد بعلاقات سياسية واقتصادية قوية، وشهد العراق الشهر الجاري زيارة للرئيس الإيراني حسن روحاني، وقّع خلالها مع الجانب العراقي أكثر من 20 اتفاقية تجارية واقتصادية وسياسية وأمنية.

وكان رئيس غرفة التجارة الإيرانية العراقية المشتركة، يحيى آل إسحاق، قد أكد في تصريحات صحافية سابقة أن إيران تستهدف مضاعفة حجم تجارتها مع العراق لتقفز إلى 20 مليار دولار العام الجاري.

وفي وقت سابق من مارس/آذار الجاري، اقترح وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إلغاء تأشيرة الدخول بشكل متبادل بين بلاده والعراق أو تخفيض قيمتها، لكن الجانب العراقي طالب بالبقاء عليها، فيما اتفق البلدان على أن تكون مجاناً ومن دون أي رسوم.

ونقلت وكالة أنباء فارس، عن رئيس منظمة الحج والزيارة الإيرانية علي رضا رشيديان، قوه منتصف الشهر الجاري إنه "من المؤمل بدء إلغاء رسوم تأشيرة الدخول للعراق في الخامس من إبريل/نيسان المقبل، مضيفا أن "رسوم التاشيرة للعراق كانت قبل شهرين 40 دولاراً وارتفعت قبل شهر إلى 50 دولارا".

وتواصل إيران تحركاتها لتعزيز نفوذها الاقتصادي في العراق، وإيجاد طرق بديلة للإفلات من العقوبات التي جددتها الولايات المتحدة في أعقاب انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي في مايو/أيار من العام الماضي 2018.

ووقعت طهران وبغداد حزمة من الاتفاقات التجارية والنفطية والخدمية، على هامش زيارة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى بغداد منتصف مارس/آذار الجاري.

وعلى هامش الزيارة، قال السفير الإيراني في العراق، إيرج مسجدي، إن الولايات المتحدة تمارس ضغوطا شديدة على الحكومة العراقية للقبول بفرض عقوبات على إيران، مشيرا إلى أن المسؤولين العراقيين أكدوا مراراً عدم مواكبتهم للحظر الأميركي.

وقال نائب رئيس البرلمان العراقي السابق، همام حمودي، إن "رئيس الوزراء عادل عبد المهدي حريص على فتح آفاق واسعة لتعزيز العلاقات بما يجعلها نموذجاً للعلاقات مع دول الجوار، أساسه التعاون الصادق والمصالح المشتركة"، مضيفا: "البرلمان والحكومة العراقيان أعلنا أن العراق ليس ضمن الحصار على إيران، لأن العقوبات قرار فردي وليس دوليا".