العقوبات الأميركية: رهان ترامب الخاسر على انهيار الاقتصاد الإيراني

العقوبات الأميركية : رهان ترامب الخاسر على انهيار الاقتصاد الإيراني

16 نوفمبر 2018
الريال شهد أكبر انهيار خلال الصيف الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

تأمل الولايات المتحدة أن يقود الحظر النفطي والمالي الذي تم تطبيقه في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري إلى انهيار الاقتصاد الإيراني وإجبار حكومة طهران تلقائياً على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لبحث اتفاق نووي جديد وبالشروط التي ترغب فيها أميركا. 

لكن هل سيحدث ذلك، وما هي الخيارات المتاحة أمام طهران لتفادي الحظر أو التعايش معه كما حدث في السابق وخلال فترة العقوبات الغربية؟

العديد من الخبراء يرون أن هنالك صعوبة في تركيع إيران اقتصادياً ومالياً حتى تقبل بالمفاوضات وفقاً للشروط الأميركية، وربما يمتد الحظر الأميركي لفترة طويلة من دون تحقيق نتائج، أو تتغلب الدول الخمس المعارضة لإلغاء الاتفاق النووي على المنطق الأميركي وتقنع واشنطن لقبول ابرام اتفاق جديد بإضافات شكلية على الاتفاق الأول.

وهذه الاحتمالات تثار على الرغم من هشاشة الاقتصاد الإيراني الذي يعاني أصلاً من عدة أزمات تبدأ بانهيار الريال والفساد وسيطرة الحرس الثوري الإيراني على الشركات وسوق المال، ولا تنتهي بنسبة التضخم والبطالة المرتفعة التي يقول البنك الدولي إنها بلغت نسبة 12.4% خلال الصيف الماضي، ويقدر أن تصل خلال العام المقبل إلى نسبة 30% بين الشباب مقارنة بمستوياتها الحالية البالغة 28.3%، حسب إحصائيات البنك في يونيو/ حزيران الماضي.

وبالتالي فما حدث من انهيار في سعر صرف الريال الإيراني خلال العام الجاري، وما تبع ذلك من احتجاجات واسعة في المدن الإيرانية وفسرته دوائر القرار في واشنطن، على أنه نتيجة مباشرة من نتائج الحظر الأميركي، يرى خبراء غربيون أنه غير صحيح، إذ يعود في جزء كبير منه إلى المشاكل المتراكمة التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني منذ عقود وتأزم الحياة المعيشية للمواطنين.

في هذا الصدد، يرى معهد أتلانتك في تحليل عن الحظر الأميركي أن إيران لم تخرج أصلاً من الحظر الأميركي، حتى بعد الاتفاق النووي المبرم في عام 2015. ولاحظ المعهد أن معظم الصفقات ومذكرات التفاهم التجارية التي وقعتها مع الشركات الأوروبية والآسيوية رفضت البنوك تمويلها.

ورفضت المصارف الغربية التعامل مع إيران رغم التشجيع الأميركي لها ومناشدة وزير الخارجية السابق لها بالتعامل مع إيران في اجتماع في لندن، وبالتالي يرى العديد من الخبراء أن إيران تستطيع التعايش مع الحظر الأميركي الحالي، كما تعايشت مع الحظر الغربي السابق.

وذلك ببساطة، لأن الاقتصاد الإيراني البالغ حجمه 447.7 مليار دولار، حسب إحصائيات البنك الدولي، لا يعتمد بشكل كبير على مبيعات النفط كما يعتقد بعضهم، بل يعتمد على أنشطة اقتصادية أخرى منها الزراعة والصناعة مثلا.

ووفقاً لإحصائيات البنك الدولي، فإن النفط يمثل 13.57% فقط من إجمالي الناتج المحلي في إيران، كما مثل نسبة 34% أو حوالى 22.5 مليار دولار من ميزانية عام 2017.

وبالتالي فإيران على الرغم من أنها دولة كبرى من ناحية احتياطات النفط والغاز، إلا أنها فشلت في تطوير هذه الإمكانيات بسبب سياساتها التوسعية في المنطقة وتحديها المستمر للسياسات الغربية.

وتقول إيران إنها استعدت جيداً للتعامل المالي والاقتصادي مع هذا الحظر الذي ينفذه رئيس أميركي لديه نزاعات مع العديد من الدول الكبرى في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية، ووسط واقع جديد في الكونغرس بعد انتخابات التجديد النصفي التي أسفرت عن سيطرة الديموقراطيين على مجلس النواب.

على صعيد الاستعدادات الإيرانية لمواجهة العقوبات الأميركية، ذكرت وكالة بلومبيرغ الاقتصادية، أن إيران شرعت منذ إعلان الحظر في استخدام شبكات لتهريب الدولارات من أفغانستان والعراق ودولة الإمارات العربية المتحدة، كما تستخدم شركات واجهة في العديد من الدول.

وحسب تقرير في معهد أتلانتك فقد استخدمت إيران شركات واجهة في دبي وأبوظبي وجزر القمر، ولديها رجال أعمال ينفذون صفقات لمصلحتها في عدد من العواصم الأوروبية.

وعلى صعيد الثغرات التي يمكن لإيران استغلالها في الحظر، يرى خبير الحظر الأميركي دان داغر في تعليقات لشبكة الإذاعة الأميركية " ناشونال راديو"، أن هنالك دائماً ثغرات لتفادي الحظر.

ويقول إن وسائل تفادي الحظر هي ذات الوسائل التي تستخدم في غسل الأموال مثل شبكات الشركات التي تؤسس في مناطق الأوفشور والسفن التي تخفي أصلها ووجهة السلع التي تحملها. وأشار داغر في تعليقاته إلى أن كيفية حصول إيران على قطع غيار الطائرات إبان فترة الحظر الأميركي السابق عليها.

من جانبها، ترى إليزابيث روزنبيرغ، مسؤولة الحظر السابقة في وزارة الخزانة الأميركية، أن هنالك ثغرات دائماً يمكن أن تستغلها الحكومة الإيرانية، ولكنها تقول ومن منطلق خبرتها السابقة، أن الحكومة الأميركية يمكنها مراقبة الصفقات المالية ورصدها عبر شبكة "سويفت" الدولية، وأن هذا سيساعد على تعقب التجارة الإيرانية ومعاقبة أية دولة أو شركة أو مصفاة تستخدم النفط الإيراني. ولدى أميركا وسائل لرصد شركات الشحن البحري ووسطاء تجارة النفط لمعرفة الشحنات الإيرانية.

وعلى الرغم من أن إدارة ترامب ترغب في وقف كل شحنات النفط الإيرانية بعد انتهاء فترة الاستثناءات الحالية التي تمتد لستة أشهر والممنوحة لثمانية دول في مقدمتها تركيا واليابان وكوريا الجنوبية، يقول بيتر هاريل الزميل بمركز "نيو أميركان سكيورتي" في تحليل حول الحظر، إن الدول التي لديها حاجة ماسة لاستيراد النفط الإيراني مثل الصين والهند، يمكنها التحايل على الحظر عبر إنشاء شركات صغيرة ليست لديها مصالح تجارية في أميركا، ويمكنها شراء النفط الإيراني عبر هذه الشركات، وبالتالي فإن الحظر الثانوي الذي تهدد به أميركا الشركات العالمية لن يكون مفيداً لمعاقبة مثل هذه الشركات أو حتى وضعها في القائمة السوداء بوازرة الخزانة الأميركية.

وعمل هاريل في وزارة الخارجية بقسم إدارة الحظر، إبان إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.

وحسب بيتر هاريل فإنه يمكن لكل من الهند والصين ودول الاتحاد الأوروبي استخدام "أسلوب المقايضة" في صفقات مشتريات النفط الإيراني.

يذكر أن النفط الإيراني الرخيص سيكون مغرياً للشركات العالمية بعد الحظر الأميركي لأنها ستشتريه بخفض كبير، وبالتالي ستتمكن من تحقيق أرباح ضخمة. وهذه الأرباح هي التي ستغريها بالمغامرة والتحايل بشراء النفط الإيراني وتفادي الحظر الأميركي.

كما يرى هاريل أن سفن النفط الإيرانية يمكنها التحايل على الحظر عبر إغلاق أجهزة التتبع في عرض البحار وتغيير العلم وحتى اسم السفينة والوجهة التي تقصدها.

وقال إنه أسلوب سبق أن اتبعته السفن. ولكنه يقول ومن منطلق خبرته أن الحكومة الأميركية تستطيع هذه المرة استخدام الأقمار الصناعية لمراقبة شحنات النفط الإيرانية إذا رغبت في تشديد الحظر على طهران.

ومن الناحية المالية، لم تحظر إيران كلياً حتى الآن من استخدام شبكة التحويلات المالية "سويفت" وإنما حظرت وزارة الخزانة الأميركية جزئياً بعض مؤسساتها، إلا أنه من المتوقع أن تحظر إدارة ترامب إيران حظراً كلياً من استخدام شبكة التحويلات المالية خلال العام المقبل حسب مراقبين، هذا إذا لم يجد ترامب معارضة من نواب الحزب الديمقراطي.

ولكن للتعامل مع هذا الحظر المالي الكلي المتوقع على طهران والذي يحرمها من استخدام الدولار في الصفقات التجارية، عملت إيران ومنذ العام الماضي على بناء شبكة من التعاملات مع عدة دول للتعامل بالمقايضة والصفقات المتكافئة التي لا تستخدم فيها الدولار، وإنما العملات المحلية. من بين هذه الدول الهند وروسيا والصين ودول الاتحاد الأوروبي.

على صعيد الطاقة، عقدت إيران اتفاقات مسبقة مع العديد من الدول في ما يتعلق بمبيعات النفط، وهو ما أجبر إدارة ترامب على إعطاء الإعفاءات للدول التي ترفض أصلاً تطبيق العقوبات الأميركية. وهي عملية يصفها محللون بأنها أشبه ما يكون لحفظ ماء الوجه لترامب وإدارته وليس أكثر.

ولاحظ مراقبون أن غالبية الدول التي تم إعطاؤها إعفاءات ترفض في الأساس إعادة فرض العقوبات على إيران، كما أن بعضها لديه اتفاقيات مبرمة مع إيران للتعامل بالعملات المحلية وتجاوز حاجز الدولار".

المساهمون