فوسفات تونس في خطر

فوسفات تونس في خطر

23 يناير 2015
احتجاجات أمام شركة فوسفات قفصة (فرانس برس)
+ الخط -
أدت الاحتجاجات العمالية في تونس إلى خسائر فادحة لقطاع الفوسفات (أكبر ثروة معدنية في البلاد)، وقدّرت، أحدث الإحصائيات الرسمية، خسائر شركة قفصة (كبرى مدن الجنوب الغربي) بنحو 1.763 مليار دولار، خلال أربع سنوات، منذ اندلاع الثورة نهاية عام 2010، التي أطاحت بالرئيس السابق زيد العابدين بن علي.
ومؤخراً، أطلق وزير الصناعة التونسي، كمال بن ناصر، تحذيراً حينما أكد أن مخزون الفوسفات المتوفر في وحدات التحويل لا يتجاوز يوم عمل واحد، نتيجة سلسلة الإضرابات التي تطال هذا القطاع منذ عام 2011. وحسب الوزير فإن قطاع الفوسفات يمر بظروف صعبة تهدّد الآلاف من مواطن الشغل، معلناً عن دخول الإنتاج مرحلة الخطر.
وتحتل تونس رابع منتج للفوسفات في العالم، وتسوّق منتجاتها إلى أسواق آسيا وأوروبا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، غير أن موجة الإضرابات واحتقان المناخ الاجتماعي وتعطيل آلة الإنتاج في منطقة الحوض المنجمي (المحافظات المنتجة للفوسفات)، جعل تونس مهددة بخسارة موقعها في السوق العالمية.

خسارة عدة أسواق

واعتبر الخبير الاقتصادي، معز الجودي، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن موجة الاحتجاجات الاجتماعية في المحافظات المنتجة، جعلت تونس تخسر الكثير من الأسواق لفائدة منافسيها وسيصعب عليها استعادة تلك الأسواق، ما يعني، ليس فقط إهدار فرص التوسع نحو أسواق جديدة، بل المحافظة على الأسواق المتبقية.
وقال الجودي إن تواصل الاحتجاجات منذ أربع سنوات وحتى الآن يعني تكبد الدولة مزيدا من الخسائر، وبالتالي لجوؤها إلى التداين الخارجي بشروط مجحفة، باعتبار أن الفوسفات من أهم موارد العملة الصعبة، مؤكداً أن الحكومة الجديدة مدعوة إلى إيجاد حل جذري وسريع لملف الفوسفات في إطار المعالجة الشاملة للوضع الاقتصادي.


مطالب الأهالي

من جانبه، قال النقابي المنجمي، عضو مجلس نواب الشعب، عدنان الحاجي، لـ "العربي الجديد"، "لا أتوقع أن يهدأ الحوض المنجمي لأن أسباب الاحتقان التي أدت إلى اندلاع الشرارة الأولى للاحتجاجات في عام 2008 ما تزال قائمة، فالمنطقة لم تتحصل حتى الآن على نصيبها من التنمية أو من التشغيل، والوضع البيئي لم يتحسن بل كل ما حظيت به هو العصا الغليظة للبوليس والمحاكمات الجائرة لعائلات بأكملها، كما تواصل التهميش والفقر في المنطقة، إلى جانب تنكر كل الحكومات المتعاقبة لوعودها والتزاماتها تجاه أهالينا في الحوض، وننتظر من الحكومة الجديدة الاهتمام بهذا الملف".
وأشار الحاجي إلى أنه منذ ما يزيد على قرن من الزمن ومنطقة الحوض المنجمي تعيل الاقتصاد التونسي، وتدفع فاتورة المضار البيئية التي عادت على الأهالي وعمالة المناجم بالوبال من دون أن تتحصل على أبسط حقوقها في التنمية، ولم تنل من الحكومات إلا الوعود الواهية، معتبراً أن الاحتجاج عن طريق الإضراب هو الحل المتبقي للدفاع عن حقوق أبناء محافظات الحوض المنجمي المهدورة، وهو ما أدى بطبيعة الحال إلى تراجع إنتاج الفوسفات.
وأضاف الحاجي أنه لا يدعم الإضرابات أو الاحتجاجات ولكنه يساند كل أشكال التحركات الاجتماعية لأبناء المنطقة، مؤكداً أن الحكومة هي الوحيدة التي تملك الحل لإنهاء حالة الاحتقان في الجهة، معتبراً أنه آن الأوان لشركة فوسفات قفصة أن تتصالح مع محيطها، وأن تساهم في التنمية بالحوض المنجمي طبقا لما نصّ عليه دستور يناير/كانون الثاني 2014.

استنزاف شركة قفصة

قال المدير العام لشركة فوسفات قفصة، رمضان صويد، في تصريحات سابقة، إن الأزمة الحادة التي يعيشها القطاع، تعود إلى عوامل خارجة عن نطاق الشركة وترتبط بالاضطرابات والاحتجاجات الاجتماعية، ورغبة أغلبية المواطنين بهذه المناطق في الاستفادة من الشركة والحصول على وظائف بها، عبر فرض سياسة الأمر الواقع على الدولة والضغط عليها بشتّى الوسائل، حيث بلغ الأمر بالبعض إلى قطع السكة الحديدية التي تؤمن جانباً مهماً من عملية نقل الفوسفات إلى مصانع التحويل، بالإضافة إلى إضرابات شركات النقل التي أدت إلى تراجع مردودية هذا القطاع الحيوي للاقتصاد الوطني.
واعتبر صويد، أن تلبية مطالب المحتجين بتعيين عدد كبير على امتداد السنوات الماضية استنزفت القدرة التشغيلية للشركة، إلى درجة أنها لم تعد قادرة على استيعاب طالبي الشغل حيث ارتفع عدد العمال إلى ثلاثة أضعاف بعد الثورة، وقد أخلّ هذا الرقم بالتوازنات العامة للشركة، ما زاد من الأعباء المالية في مقابل تراجع الدخول.

وتوقع صويد أن يبلغ حجم إنتاج الشركة 6.5 ملايين طن عام 2015، داعياً إلى تحقيق السلم والاستقرار في محيط الشركة، خاصة وأن تونس خسرت ثلثي الإنتاج السنوي من الفوسفات، حيث قدّر الخبراء تراجع الإنتاج التونسي بنحو 70 % لتستقر عند معدّل 2.5 مليون طن مقابل 7.5 ملايين طن قبل الثورة.

بداية الاكتشافات

يعود اكتشاف الفوسفات في تونس إلى عام 1885 من قبل فيليب توماس على السفح الشمالي لجبل الثالجة قرب محافظة المتلوي بالجنوب الغربي. وبعد سنتين تم إنشاء خط حديدي يربط بين المتلوي وميناء صفاقس بغية تسويق هذه المادة. وفي عام 1899 افتتح أول منجم استخراج باطني عميق تحت الأرض، ثم في عام 1903 تم فتح منجمين آخرين عميقين بكل من الرديّف والقلعة الخصبة، وبعد سنة بدأ الإنتاج في منجم باطني عميق بأم العرائس.
وطوال هذه العقود ، تصاعد حجم الإنتاج من بضع عشرات آلاف الأطنان عام 1900 إلى أكثر من 8 ملايين طن سنوياً في الوقت الراهن؛ ما جعل تونس تحتل المرتبة الخامسة عالمياً من حيث الإنتاج.
وحسب التقديرات الحكومية تحتوي تونس على ثروة هائلة من خام الفوسفات، تقدر بأربعة مليارات طن في الحوض المنجمي في قفصة و240 مليون طن في توزر تكفي لمدة مائة سنة حسب تقديرات الخبراء، أما حقل سراورتان في محافظة الكاف بالشمال الغربي فيحتوي على خمسة مليارات طن.
ومن جانب ثان يشار إلى أن المغرب التي كانت تعد الدولة المنافسة لتونس بالمنطقة، حققت خطوات كبرى في هذا الشأن إذ يشكل الفوسفات أكثر من 90% من إنتاج المناجم في المغرب، ويسعى إلى رفع حصته في السوق العالمية إلى 40% من إنتاج الفوسفات الخام، والحامض الفسفوري، والأسمدة الفوسفاتية. ويستحوذ المغرب على أكبر كمية من الاحتياطي العالمي من الفوسفات.

المساهمون