قلق ما بعد سقوط الثقة...تونس في دائرة الغموض الاقتصادي

قلق ما بعد سقوط الثقة...تونس في دائرة الغموض الاقتصادي

12 يناير 2020
من احتجاج ضد البطالة (الأناضول)
+ الخط -

 

يكتنف الغموض الوضعَ الاقتصادي لتونس، بعد أن صوت البرلمان ضد منح الثقة للحكومة المقترحة من قبل رئيس الوزراء المكلف الحبيب الجملي، بينما يزداد القلق من الآثار المترتبة عن هذه الخطوة، وسط قلق على تسيير الأمور المالية للبلاد خلال الأشهر المقبلة، وخاصة ما يتعلق بالأجور وسداد أقساط الديون وتنفيذ المشروعات الحكومية، بينما اعتبرت الكتل البرلمانية التي رفضت منح الثقة، أنها تملك البدائل ولن تسمح بالذهاب بالبلاد نحو المجهول.

ورفض البرلمان، يوم الجمعة، منح الثقة لحكومة الجملي، واصفين إياها بـ"الضعيفة" وغير القادرة على إخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية التي طال أمدها، فيما لم تشفع الطمأنات التي قدمها الجملي بتنشيط الاقتصاد في ظرف وجيز ومقاومة الفقر.

ورجّح أرام بالحاج، الخبير المالي، أن تتجاوز حكومة تصريف الأعمال برئاسة يوسف الشاهد مشاكل توفير السيولة لدفع رواتب الموظفين عبر الحصول على قروض داخلية، لكن سيكون لإسقاط الحكومة الجديدة تداعيات على الاستثمارات العامة والمشاريع التي تضمنها مشروع المالية للعام الجاري 2020، والتي تستهدف تقديم الخدمات للمواطنين.

وقال بالحاج لـ"العربي الجديد" إن إسقاط حكومة الجملي يزيد من حالة الترقب والقلق، التي تسيطر بالأساس على المتعاملين الاقتصاديين، متوقعاً أن تواجه تونس صعوبات في الخروج للسوق الدولية من أجل الحصول على تمويلات للموازنة.

وأضاف أن حكومة تصريف الأعمال لا تملك التفويض للاقتراض أو اتخاذ أي قرار بشأن إصلاحات عاجلة تحتاجها تونس، مشيراً إلى أن تعليق التفاوض مع صندوق النقد الدولي، الذي ينتظر تشكيل حكومة جديدة يزيد من الضغط على الموازنة.

لكن الكتل البرلمانية التي رفضت منح الثقة لحكومة الجملي، تعهدت بعدم التأخر في تشكيل حكومة جديدة تحظى بثقة واعدة من الأحزاب الممثلة في مجلس نواب الشعب. وقال رؤساء الكتل في مؤتمر صحافي، مساء الجمعة، إنهم يملكون البدائل ولن يسمحوا بالذهاب بالبلاد نحو المجهول.

بدوره، دعا اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة رجال الأعمال) في بيان، أمس السبت، إلى ضرورة تكوين حكومة بعيدة عن كل محاصصة، لها رؤية واضحة وتكون قادرة على التعامل بكفاءة عالية مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد، وعلى إقرار الإصلاحات الجوهرية التي تتطلبها المرحلة.

وكان الجملي قد أعلن في وقت سابق من يناير/ كانون الثاني الجاري، تشكيلة حكومته، مشيراً إلى أنها تضم كفاءات مستقلين بعد أن فشلت الأحزاب في التوصل إلى اتفاق حول حكومة ائتلافية عقب الانتخابات التي حلّ فيها حزب النهضة في المركز الأول، لكن لم تتجاوز مقاعده 25 بالمائة في البرلمان.

وستحتاج أي حكومة جديدة لدعم سياسي قوي لتنفيذ إصلاحات لا تتمتع بشعبية والتصدي لمشاكل الشباب المحبطين في ظل ارتفاع معدلات البطالة والتضخم وتراجع مستوى الخدمات العامة.

ولا يزال صندوق النقد الدولي الذي علّق تعاونه المالي مع تونس يصرّ على استكمال الإصلاحات الاقتصادية المتعلّقة بخفض دعم الطاقة وتقليص كتلة الأجور.

وتعاني تونس، التي تنتظر حكومة جديدة عقب انتخابات رئاسية وبرلمانية جرت منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، من ضعف مستويات النمو ونسب بطالة متفاقمة وارتفاع في الدين الخارجي، فضلاً عن عجز في الموازنة نسبته 3.5 بالمائة.

وفشلت تونس العام الماضي في زيادة نسبة النمو بعد توقعات حكومية بأن تبلغ 3 في المائة، فيما أعلن صندوق النقد الدولي في تقرير حديث عن الوضع الاقتصادي أن نسبة النمو المقدرة لا تزيد على 1.5 بالمائة.

وتدفع بورصة تونس والأسواق المالية بحسب الخبير في سوق المال، طلال عياد، ثمن تعثّر المسار الحكومي منذ أشهر، مشيراً إلى أن خسائر السوق المالية لم تتوقف منذ أشهر، وزادت حدتها منذ دخول يناير/ كانون الثاني الجاري.

وقال عياد لـ"العربي الجديد" إن المؤشر العام للبورصة أنهى العام الماضي على تراجع بنسبة 2 في المائة، مقابل صعود بنسبة 15 في المائة عام 2018، لافتاً إلى أن الهبوط المسجل في 2019 جاء نتيجة مخاوف المستثمرين من تداعيات الوضع الداخلي والإقليمي على الشركات.

وأضاف أن مؤشر البورصة خسر منذ بداية الشهر الجاري 4 بالمائة من قيمته، متوقعاً أن يصحح مساره بداية من الأسبوع القادم بعد وعود الكتل الوازنة في البرلمان بالإسراع في تشكيل حكومة جديدة قادرة على تجاوز الأزمة الاقتصادية.

ويحتاج الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وفق مهتمين بالشأن الاقتصادي، إلى حلول عاجلة لخفض منسوب الغضب الداخلي في ظل مستويات البطالة التي تصل إلى 15.1 بالمائة، فضلاً عن بعث رسائل طمأنة إلى المستثمرين ومؤسسات التمويل الدولية، ولا سيما في ظل تأخر أقساط صندوق النقد الدولي المقرر صرفها ضمن اتفاق القرض المتفق عليه قبل نحو ثلاث سنوات.

ويتعيّن على الحكومة توفير نفقات تبلغ نحو 2.2 مليار دينار (777 مليون دولار)، لصرف أجور الموظفين للشهر الجاري فقط، ودفع أقساط من الديون الخارجية، بينما لمّح ممثل صندوق النقد في تونس جيروم فاشي، في حوار نُشر بموقع "البورصة" في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلى إمكانية عدم صرف الدفعة الباقية البالغة قيمتها 1.2 مليار دولار من إجمالي القرض المحدد بـ2.8 مليار دولار.

وقال فاشي إن الصندوق منح تونس حتى يونيو/ حزيران الماضي 1.6 مليار دولار، وموافقته على صرف باقي قيمة القرض رهن استجابة السلطات التونسية لبرنامج الإصلاحات الاقتصادية والمالية الهيكلية، التي أوصى بها ووضعها كشرط للسماح لها بالحصول على تمويلات منه.

وتحتاج تونس، وفق قانون المالية للعام المقبل (الموازنة) الذي أقره البرلمان، إلى نحو 4 مليارات دولار من القروض الداخلية والخارجية لسد عجز الموازنة.

المساهمون