التقمّص في عيد عمال سورية

التقمّص في عيد عمال سورية

02 مايو 2018
العمال بأسوأ أحوالهم نتيجة الحرب والتهجير (فرانس برس)
+ الخط -

حينما تقرأ عن مجريات تظاهرة بسورية الأسد، وأنت البعيد عنها منذ سبع سنوات، تشعر للوهلة الأولى، أن ما تقرأه قديم وسبق لك أن قرأته وسمعته مراراً، ولا بد من خطأ في نقل الوسيلة الإعلامية لحدث بائت ومنشور منذ سنوات.

تعود لتاريخ النشر، فتراه اليوم. فتذهب لاحتمالين، الأول أن ثمة من يحاول تأكيد "نظرية التقمّص" وأنك تعيش لحظات سبق أن عشتها سابقاً "بجيلك الأول" أو - الاحتمال الثاني- أن شيئاً لم يتغير، لا بذهنية ولا بخطاب مسؤولي الأسد، وكأن ما جرى من قتل وتدمير وثورة، لم ينعكس على تفكير وتعاطي أصحاب القرار مع القضايا والشعب.

قصارى القول: دعاني الفضول لمعرفة ما يحضره مجلس وزراء الأسد، للعمال السوريين المظلومين تاريخياً، بعد أن فقد جلهم عمله، بسبب اقترافهم جناية طلب الحرية والتظاهر بوجه النظام المناضل، وتراجعت قوة العمل من 6 ملايين عام 2011، إلى أقل من مليون عامل اليوم، وتراجعت الأجور، بحكم التضخم النقدي وفقدان الليرة نحو 900% من قيمتها، ما أوصل نسبة الفقر لأكثر من 85% والبطالة لنحو 80%.

فوجدت المطالبات ذاتها التي تلاك وتتكرر منذ عقود، من قبيل، تحسين الرواتب والأجور، تحسين الطبابة وتخفيض أسعار الدواء، رفع الحوافز الإنتاجية وتثبيت العمل.

والملفت، أن المشكلات التي طرأت على واقع العمل والعمال، لم يأت المشاركون اليوم، ضمن الدورة العاشرة لمجلس اتحاد العمل بدمشق، لها على ذكر.


فعلى سبيل المثال، يدفع العامل اليوم أجور نقل تفوق أجره الشهري، هذا إن لم نتطرق للرشى أو للزمن الذي يبدد أو للامتهان على الحواجز، كما لا يجد من يدخل سوق العمل أي وظيفة، إن بالقطاع الحكومي أو الخاص، بعد تهدم نحو 80% من المنشآت بسورية، جراء القصف وحرب نظام الأسد على الثورة والسوريين، كما أن نصف مليون عامل وربما أكثر، تم تسريحهم تعسفياً من عملهم. وهكذا إلى ما هنالك من مشاكل ومعاناة ولدتها الظروف.

ولعل ما يزيد من الشعور بمعرفتك مجريات "الاحتفالية" أن كلام المسؤولين ذاته الذي قرأته أو سمعته منذ سنوات، طبعاً مع تبدل اسم المسؤول.

فما قاله رئيس وزراء بشار الأسد، محمد ناجي عطري مطلع الثورة وكرره من بعده، عادل سفر ومن ثم وائل الحلقي، يعيده وبالحرف، عماد خميس اليوم في الأول من مايو/ أيار عام 2018.

ويمكن لأي مشكك، أن يعود لما سنأخذه بأمانة، عن كلمة رئيس حكومة الأسد الحالي، ويقارنه مع أول رئيس حكومة بعهد بشار الأسد، أو إن شاء، يقارنه مع رؤساء الحكومة بعهد أبيه، حافظ الأسد.

"الحفاظ على القطاع العام الذي يشغل القسم الأكبر من طبقتنا العاملة هو عنوان أساسي في عمل الحكومة وفق رؤية تنفيذية حقيقية". "الحكومة مستمرة بعملها في جميع مكونات التنمية الشاملة وملتزمة بالثوابت التي تذلل الصعوبات". "الحكومة تعمل وفق استراتيجيات واضحة في مختلف الملفات حيث تم إطلاق العملية التنموية وتأمين مستلزمات الإنتاج وتوفير جميع التسهيلات".


وحول مطالب العمال، أيضاً، جاء رد عماد خميس، كما رد سلفه وبالحرف، وكأن من يكتب كلمات رؤساء حكومات الأسد، ينسخ الكلمات السابقة ويكتفي بتغيير الاسم والتاريخ فقط.

"اللجنة المختصة انتهت من دراسات تثبيت العاملين وسيكون ذلك قريبا". "الحكومة تدرس عدة سيناريوهات في مجال زيادة الأجور، لتكون الزيادة حقيقية وبداية تم الاعتماد على إطلاق العملية لإنتاجية وتأمين فرص عمل والعمل على تخفيض أسعار المواد".

"الحكومة مهتمة بإصدار قانون تأمين صحي عصري، وهذا يحتاج الى تمويل حقيقي وسيكون هناك اجتماع للجنة المختصة لطرح هذا العنوان".

ولئلا يسمع أي متلق نشازاً في معزوفة حكومة الأسد، يأتي عزف الوزراء المرافقين لرئيسهم، منسجماً ومتسقاً وفق هارموني مدهش، فوزير الأشغال العامة، حسين عرنوس قال اليوم "الوزارة أعطت مرونة عبر عقود بالتراضي واعتماد نظام توازن الأسعار للمشاريع القديمة وتحضر لجبهات عمل في عدد من المحافظات".


ووزير الزراعة أحمد القادري كرر أن "الوزارة تواصل تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني وتقديم خدماتها للفلاحين وتأمين اللقاحات المجانية وتوزيعها وإيصالها لجميع المحافظات واستصلاح الأراضي وتقديم الآليات الزراعية لاستصلاح الأراضي وبيع الغراس ومستلزمات الإنتاج بأسعار تشجيعية، وكذلك الأعلاف بدعم حكومي".

ولم تنشّز وزيرة الشؤون الاجتماعية، ريما الغادري، بل عزفت بحسب النوتة وإشارات المايسترو "الوزارة تعمل بشكل حثيث لرفع نسبة العمالة الماهرة، ما ينعكس إيجابا على المستوى الوطني" و"تعديل القانون الأساسي للعاملين في الدولة ضرورة ووزارة التنمية الإدارية تتولى حاليا هذه المهمة بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل"، ولتأخذ حقها "الجندري" في دولة علمانية تعددية تمنح المرأة كامل حقوق التعبير عن الرأي، أضافت الوزيرة، تماما كما سابقتها "ناقشنا تعويض المعيشة والتأمينات الاجتماعية بعدة بدائل أحدها أن يكون التعويض جزءاً من الراتب".

نهاية القول: أعتقد من الاستحالة، إقناع أي سوري، أن هذا الكلام قيل اليوم، بل وعندما تضيف له، أن الدورة العاشرة لاتحاد العمال بدمشق، رفعت في نهاية جلساتها، برقية شكر وعرفان للقائد الرئيس، على مكرماته ورعايته للعمل والعمال، ستضعه في حيرة. والأرجح أن يقتنع بأن الإنسان يعيش غير مرة وهو اليوم متقمّص ويعيش بجيل ثانٍ.

المساهمون