خطة بنك السودان 2019... خبراء يقرأون المحاذير وعوائق التطبيق

خطة بنك السودان 2019... خبراء يقرأون المحاذير وعوائق التطبيق

02 يناير 2019
المركزي قرر طباعة فئات ورقية جديدة (فرانس برس)
+ الخط -

أعلن بنك السودان المركزي سياساته النقدية الجديدة للعام 2019 باستهداف معدلِ تضخم في حدود 27.1% في متوسطه السنوي ونموٍ في الناتج المحلي الإجمالي في حدود 5.1% ونموٍ في عرض النقود بنسبة 36%.

وألزمت السياسات المصارف بالاحتفاظ باحتياطي نقدي قانوني كأرصدة نقدية لدى بنك السودان المركزي بنسبة 20% من جملة الودائع بالعملة المحلية و20% بالعملة الأجنبية وتفعيل دور البنك المركزي كمقرض أخير للمصارف، وتفعيل عمليات السوق المفتوحة عبر بيع وشراء الصكوك المالية الأخرى.

وأجازت منح التمويل غير المباشر للحكومة المركزية عن طريق شراء الشهادات والصكوك الحكومية بنسبة لا تزيد عن 20% من محفظة التمويل القائمة في أي وقت من الأوقات، وتمويل أعضاء مجالس إداراتها والشركات التابعة لها، أو التي تساهم فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة وفق الضوابط.

وحظرت السياسات الجديدة على البنك المركزي تمويل الحكومة الاتحادية والشركات والهيئات العامة الحكومية وشركات صرافات النقد الأجنبي وشركات التحاويل المالية، وشراء العملات الأجنبية، وشراء الأسهم والأوراق المالية، والاتجار برصيد الاتصالات واستخداماته، شراء الأراضي، شراء السيارات عدا ما تسمح به توجيهات وضوابط البنك المركزي، تجارة الذهب بكافة أنواعها، استخدام صيغة المضاربة المطلقة.

محاذير من الطباعة

ولفت المدير العام السابق لأحد البنوك الكبرى بالسودان محمد أبوشورة لـ"العربي الجديد" إلى عدم وضوح آليات دور السياسة النقدية الجديدة في تحجيم التضخم المالي 27.1% والذي توقع ارتفاعه بنسبة 100% مقارنة بالتضخم الحالي المعلن من الجهاز الإحصائي الحكومي 69%، مؤكدا أن التضخم المالي يشجع المواطنين والعملاء على سحب ودائعهم من المصارف خوفا من تآكل رؤوس أموالهم كما لا يشجعهم كذلك على تحويل أموالهم للعملة الأجنبية نتيجة لتذبذب سعر الصرف وتصاعد قيمة البضائع والسلع.

وتوقع أبوشورة زيادة كبرى في عرض النقود بنسبة تفوق المستهدف 36%، مستشهدا بموازنة 2017 والتي استهدفت نمواً في عرض النقود بنسبة 19%، لكنه قفز في أول العام نفسه لـ42%، مبينا أن العام الحالي 2019 سيشهد ارتفاع العرض لأكثر من 80% لتأثره باستدانة الحكومة من البنك المركزي لتغطية عجز الموازنة والذي قدر بمبلغ 53 مليار جنيه.

وأشار أبوشورة إلى أن إعلان رئيس الحكومة معتز موسى عن تمويل عجز الموازنة من بنك السودان بمبلغ 48 مليار جنيه، يعني حدوث تدفق نقدي كبير من بنك السودان المركزي من جراء طباعته هذا المبلغ، مما يزيد من عرض النقود بشكل كبير جدا.

وطالب بتركيز بنك السودان المركزي في السياسة الجديدة على الاهتمام أكثر بأوضاع البنوك وتآكل رؤوس أموالها بسبب التضخم، وزيادة هوامش أرباحها والتي تعاني من الضعف بسبب التضخم.

وحول سعر الصرف، قال إن الآلية الحكومية لتحديد سعر الصرف فقدت قيمتها واستهلكت بسبب إعلان رئيس الحكومة عن تثبيت سعرها في 47.5 جنيها.

سياسات انكماشية

ووصف خبير اقتصادي فضل عدم ذكر اسمه لـ"العربي العربي" السياسات النقدية المعلنة لبنك السودان طيلة الأعوام السابقة والحالية بالانكماشية، والهدف المعلن منها استقرار صرف الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية والحد من ارتفاع معدلات التضخم وخفضه، موضحاً أن كل هذه الأهداف مشروعة غير أنها قد تكون على حساب النمو في قطاعات اخرى خاصة القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة وغيرهما.

عقبات التطبيق

وأبدى القطاع الخاص السوداني في رؤيته للسياسات النقدية لبنك السودان للعام 2019 والتي حصل عليها "العربي الجديد"، تحفظا على السياسة السابقة للعام 2018 في عدم تحقيقها الأهداف الكلية التي تم اعتمادها على حسب الواقع المعاش من حيث ارتفاع وتيرة الأزمات الاقتصادية من نقص في إمدادات السلع وارتفاع التضخم وانخفاض العملة بشكل غير مسبوق، فضلا عن عدم تحقيقها هدف ريادة القطاع الخاص للاقتصاد وجذب الاستثمارات الأجنبية وموارد المغتربين بفعل العوامل الداخلية والخارجية، داعياً لإعادة النظر في هذه المحاور و3 أهداف أخرى وتضمينها السياسات الجديدة لتحقيق الإصلاح الاقتصادي، مشيراً إلى أن الأهداف تشمل خفض العجز في الحساب الجاري للحدود العالمية الآمنة لتحسين أداء ميزان المدفوعات وزيادة حجم الصادرات والتدفقات النقدية الأجنبية للبلاد وتقليل الواردات.

إنهاء التعامل الربوي

ودعا القطاع الخاص لتطوير سوق رأس المال بهدف جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية مما يساعد على تطوير الملاءة المالية للشركات والمؤسسات الخاصة وزيادة قدرتها على الإنتاج وتشجيع المنتجين من خلال تطوير أسواق السلع، والهدف الثالث الاستمرار في تطوير وتعميق أسلمة الجهاز المصرفي والمؤسسات المالية لإنهاء الممارسات السالبة في المعاملات المالية غير الشرعية ومنها الربا.

ووصف رجل الأعمال نادر الهلالي لـ"العربي الجديد" السياسة النقدية الجديدة بغير الواضحة، فضلا عن عدم تركيزها على تحسين معاش الناس وتخفيف العبء عنهم.

إنهاء سيطرة

وانتقد محافظ بنك السودان المركزي الأسبق صابر محمد الحسن ما سمّاه بالتناقض بين السياسات التي يعلنها البنك المركزي، والسياسات التي يطبقها على أرض الواقع.

وشدد في منتدى سابق للجمعية الاقتصادية السودانية باتحاد المصارف على ضرورة سد منافذ التسرب النقدي (تجارة الذهب)، وانتقد حجز البنك المركزي نسبا مقدرة من موارد البنوك بقيود إدارية، وأكد أن سياسات كثيرة للمركزي غير موفقة، وحذر من استمرار تقييد السحب النقدي من البنوك، لكونه يهز الثقة بين العملاء والبنوك.

وطالب بإنهاء سيطرة وزارة المالية على بنك السودان المركزي، لتأثيراتها السالبة ومخاطرها في تحييد السياسة النقدية. داعيا لشفافية العلاقة المالية بين البنك والوزارة.

وأشار القطاع الخاص في رؤيته إلى أن عدم استكمال السياسة الكلية بإجراءات مستقرة ومستمرة لتحقيق الأهداف الكلية للسياسة أدى إلى صعوبة تطبيقها في الواقع، لافتا إلى أن نسبة التضخم الحقيقي تفوق بصورة كبيرة التضخم المستهدف والبالغ 19.5% خاصة بعد زيادة الدولار الجمركي والارتفاع المتوقع في التضخم المستورد، مبينا ارتفاع عرض النقود لنسبة 54% عن المستهدف في سياسة 2018 والبالغ 18.2%، مشيرا إلى صعوبة استهداف هذه النسبة في 2019.

خروج مالي جماعي

وشكا القطاع من معاناة الاقتصاد السوداني من الخروج المالي الجماعي بعكس ما هدفت إليه سياسة 2018، مما أدى لركود الاقتصاد والحركة التجارية، كما أن الخروج من ذلك لن يتم إلا بتطوير البنى التحتية لنظم الدفع وهو أمر لا تستطيع المصارف تحقيقه دون القطاع الخاص، داعية لحفز القطاع الخاص للمنافسة في تطوير ذلك.

وشدد على ضرورة التركيز على تمويل القطاعات الإنتاجية وتعزيز دور القطاع الخاص وإعادة النظر في جدوى إدارة مشاريع التمويل الأصغر وتفعيل الضبط المؤسسي لهذه المؤسسات، وإشراك القطاع الخاص في إدارة المشروعات خاصة الجماعية منها.

مزاحمة حكومية

وأشارت رؤية القطاع إلى حاجة الواقع المعيش إلى أهداف واقعية قابلة للتحقيق، خاصة في معدل نمو الكتلة النقدية والتضخم والنمو الاقتصادي المتوقع والتنسيق بين السياسات المالية والنقدية والتجارية، وشكت مما سمّته مزاحمة الحكومة للقطاع في موارد التمويل عبر الإصدارات التي تصدرها لتخطي هذه الإصدارات نسبة 10% من الناتج الإجمالي وضبط استثمار البنوك في هذه الأدوات المالية.