ماهي آفاق الدولار كسلاح في السياسة الخارجية الأميركية؟

ماهي آفاق الدولار كسلاح في السياسة الخارجية الأميركية؟

03 يوليو 2019
الورقة الخضراء التي فتنت العالم (Getty)
+ الخط -




حذّر تقرير أميركي حديث من الاستخدام المكثف لعملة الدولار والحظر التجاري من قبل إدارة الرئيس دونالد ترامب في السياسة الخارجية للضغط على الدول لتبني الموقف الأميركي. وقال التقرير الصادر عن مركز الدراسات الأمنية الأميركي "سنتر أوف نيو أميركان سيكيوريتي"، إن الاستخدام الكثيف للأدوات المالية والتجارية والاقتصادية في السياسة الخارجية لبسط الهيمنة الأميركية قد يكون فعالاً على المديين القصير والمتوسط، ولكن على المدى الطويل ربما لا ينجح لأنه يضعف علاقات الدول المحظورة بالاقتصاد الأميركي.

وأشار التقرير إلى أن الولايات المتحدة باتت في السنوات الأخيرة تعتمد بشكل كثيف في سياستها الخارجية على أدوات قمع اقتصادية في الهيمنة العالمية، من بينها الحظر المالي والتجاري وتقييد الاستثمار وفرض الرسوم على الواردات. وتوقع أن تستمر هذه السياسة على المديين القصير والمتوسط ولكن على المدى الطويل ربما تقاومها الدول.

وقالت الدراسة، إن التوسع الأميركي في استخدام السلاح الاقتصادي لبسط الهيمنة، يعتمد على الدور القوي للدولار في الاقتصاد العالمي، كما يعتمد على حجم الاقتصاد الأميركي والسوق الأميركية الضخمة ودور الشركات الأميركية في الخارج. لكنه يرى أن الصعود القوي للصين كقوة اقتصادية ومالية ربما يهدد فعالية هذه الأدوات في المستقبل، وذلك ببساطة لأن الصين أنشأت بدائل للأدوات التي تستخدمها أميركا في الهيمنة الاقتصادية والمالية.

يذكر أن أهمية الدولار تنبع من كونه صاحب الحصة الأكبر في احتياطات البنوك المركزية العالمية، ذلك أنه يمثل نسبة تفوق 62% من الاحتياطات النقدية العالمية، حسب تقرير صندوق النقد الدولي الأخير.

كما أنه وسيلة التسوية التجارية المستخدمة لنحو 80% من الصفقات التجارية وعمليات التحويل المالي. يضاف إلى ذلك أن شركات التقنية المالية التي تتحكم في نظم التحويل المالي الإلكتروني مثل "سويفت"، معظمها أميركية.

وهناك شكوك حول حصول هيئة الأمن القومي الأميركي على معلومات بخصوص هذه التحويلات والتسويات، رغم أن شركة التحويلات المالية العالمية "سويفت"، تقول إن هذه التعاملات تتم بسرية كاملة ولا يسمح لطرف ثالث بالاطلاع على الرسائل المالية، وذلك وفقاً لتقرير نشرته مجلة نيويوركر العام الماضي. 

وعلى سبيل المثال، يتناول التقرير، سياسة الحظر التجاري والمالي التي تخيف الدول من معاقبة أميركا في حال عدم الاتفاق معها في استراتيجياتها السياسة. ويقول في هذا الشأن: "على المدى الطويل فإن الحظر التجاري سيضعف من العلاقات التجارية والاقتصادية والمالية بين أميركا والدولة المحظورة، وبالتالي فإن فعالية هذه الأدوات لن تكون ذات جدوى ما دامت المصالح الاقتصادية ضعيفة".

ويلاحظ في هذا الصدد، أن بعض الدول التي عانت من الحظر الأميركي لفترة طويلة بدأت في ابتداع وسائل بديلة لتخطي الحظر. ومن بين هذه الوسائل، مبدأ المقايضة الذي تتعامل به العديد من الدول، مثل تركيا وروسيا وإيران وحتى الهند. وهو أسلوب لمبادلة السلع وحساب قيمتها من دون المرور بالدولار.

ومن بين الوسائل الأخرى التي تستخدمها أميركا في الهيمنة أدوات الدين الحكومية وفي مقدمتها سندات الخزانة الأميركية، التي تعد أكثر أدوات المال العالمية ضماناً وسرعة في التحويل إلى سيولة نقدية، مقارنة بجميع السندات المصدرة في الدول العالمية، كما أنها حتى الآن لا تفقد جزءاً من قيمتها بسبب التأمين على المخاطر المالية مثل السندات الأخرى.
وحيازة هذه السندات يمكن أن تستخدم سلاحاً ضد الولايات المتحدة، حسب رأي محللين. 

وكانت هنالك تكهنات في التقارير الغربية، أن الصين ربما تطرح جزءاً من سنداتها في السوق الأميركي لضرب قيمة الدولار في حال لم تتمكن من تسوية الحرب التجارية.

وتملك الصين نحو 1.17 تريليون دولار من السندات الأميركية. وفي حال تخلي دول رئيسية مثل الصين واليابان عن شراء السندات هذه، فإن تمويل الإدارة الأميركية لخطط الإنفاق ستواجه صعوبات تمويلية، كما أن التصنيف السيادي للولايات المتحدة سينخفض من المرتبة الممتازة التي يتمتع بها حالياً.

وتستدين الولايات المتحدة عبر السندات في تمويل العجز بلا سقف محدد، كما بلغت الديون السيادية الأميركية خلال العام الجاري ولأول مرة حاجز 22 تريليون دولار. وحتى الآن تبدو روسيا الدولة الوحيدة التي باعت موجوداتها في السندات الأميركية، كما قللت الصين من مشترياتها ولكن بنسبة ضئيلة جداً.

أما السلاح الآخر في الهيمنة الاقتصادية، فهو السوق الاستهلاكي الأميركي الضخم الذي يفوق 11 تريليون دولار سنوياً، وسوق الأسهم والسندات الذي تضخم لأكثر من 50 تريليون دولار، حسب تقديرات سوق وول ستريت.

وتستخدم الولايات المتحدة هذا السوق الضخم في "الحظر الثانوي"، إذ إنها تجبر الدول والشركات على اتباع سياستها في حظر الدول والشركات والأفراد في حال لم يتقيدوا بسياسة الحظر الأميركية وتحرمهم وزارة الخزانة الأميركية من المتاجرة في أميركا.

وكانت أميركا في السابق تعتمد بدرجة كبيرة على "القوة الناعمة" في سياستها الخارجية، المتمثلة في الإعانات المالية وبرامج دعم الاقتصادات بشكل غير مباشر.

وكانت هذه السياسة ذات فاعلية كبيرة طوال فترة الحرب الباردة. كما أنها تستخدم كذلك صندوق النقد والبنك الدوليين في منح القروض وهيكلة الاقتصادات الناشئة بما يتواءم مع استراتيجياتها طويلة الأجل. ولكن فاعلية هاتين المؤسستين ضعفت في الآونة الأخيرة.

المساهمون